عن نزعة الشر في مواجهة "ميثاق المستقبل"

2024.10.06 | 07:14 دمشق

المستقبل
+A
حجم الخط
-A

روسيا وإيران وروسيا البيضاء وكوريا الشمالية والسودان وسوريا ونيكاراغوا، هي الدول السبع، التي صوتت ضد "ميثاق المستقبل" في ختام جلسات أممية، جرت في النصف الثاني من الشهر الفائت.

لم يأخذ الخبر مساحة من الاهتمام الإعلامي، وبقي خارج مساحات التعليق عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، لعدة أسباب، أولها، أن الوثيقة التي اشتغل عليها فريق من الخبراء، ليست ملزمة للموقعين عليها. فهي عهد بينهم، لكن أحداً لم يعد يصدق، بأن العهود في الأزمنة الحديثة، ولاسيما تلك التي تُناقش في المؤسسات الدولية، خارج الأطر واجبة التنفيذ، تُجبر أصحابها، على فعل ما تتضمنه.

وثاني الأسباب، جاء من الواقع الراهن، إذ مازالت طبول الحروب تدوي حول العالم، من تلك الجارية منذ سنوات بين روسيا وأوكرانيا، والحرب الداخلية في السودان، إلى المجزرة الدموية في غزة، وصولاً إلى الحرب التي شنها الكيان على لبنان.

ومع احتمال اندلاع حروب أخرى، في غير مكان حول الكوكب، لن يلتفت الناس إلى وثيقة صنعها أصحابها، بعد أن ارتدوا نظارات وردية، وحدقوا عبرها إلى المستقبل!

ومع احتمال اندلاع حروب أخرى، في غير مكان حول الكوكب، لن يلتفت الناس إلى وثيقة صنعها أصحابها، بعد أن ارتدوا نظارات وردية، وحدقوا عبرها إلى المستقبل!

أما ثالث الأسباب، وهو ما يعنينا هنا، فهو ذلك الرابط الواضح، الذي يجمع بين هذه الدول، ويقوم على رفض أنظمتها الحاكمة لأي انفتاح داخلي، يؤدي إلى خلق فضاء ديمقراطي، يؤمن تبادلاً سلمياً للسلطة، وأيضاً ميلها إلى معاداة الدول الغربية، بحجة أن هذه الدول، ومن خلال سيطرتها على المؤسسات الدولية، تصنع المؤامرات ضدها، وتحاول التدخل في شؤونها الداخلية، وأنها تهدف إلى فرض التغيير السياسي عليها، وإنشاء حكومات محلية موالية للغرب!

وبالتالي فإنها لا ترى سبباً، يدعوها للتصويت بالموافقة، على الميثاق المستقبلي إن لم يتضمن نصاً صريحاً، برفض هذه التدخلات!

في الإطار العام للتحولات التي تجري حول العالم، يمكن فهم وتقبل الدعوة التي يتضمنها ميثاق المستقبل، سيما وأنه يخاطب الشعوب والحكومات على حد سواء، فهو يحضهما على التفكير، بما يحدث من تبدلات مؤذية للبشرية، بسبب عدم الالتفات إلى مكامن الخطر، الذي يهدد جميع سكان الكوكب، ويمكن تلخيص الميثاق ببساطة، على أنه "دعوة للعمل والإصلاح لوضع العالم على مسار أفضل يعود بالخير على الجميع في كل مكان".

وهو لجهة نصوصه، يركز على خمسة مجالات هي: التنمية المستدامة، السلم والأمن الدوليان، العلوم والتكنولوجيا، الشباب والأجيال القادمة، وإحداث تغيير في الحوكمة العالمية، وهو بذلك يلتقي مع التصريحات، التي تنطلق بين الحين والآخر، وتدعو إلى إصلاح المؤسسة الدولية الأهم، أي هيئة الأمم المتحدة، ولاسيما طريقة اتخاذ القرارات في مجلس الأمن، ولكنها تجعل من هذا الموضوع مادة للتفكير والنقاش، قبل أن تضعه على سكة، تأخذ السبل، إلى جعله مشروعاً قابلاً للتصويت في المجلس نفسه، إذ لا يتوقع أن توافق الدول دائمة العضوية ( الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين) على أي قرار، ينتزع سيطرتها، على حركية القرارات الدولية، ومضامينها!

تُظهر مراجعة السلوكيات النمطية لهذه الدول، أن تاريخ هذا المحفل الدولي، لا يمنح أيا منها حكم البراءة، من جرثمة السياسات العالمية الراهنة، عبر حرصها على مصالحها، قبل حرصها على الأمن والسلم الدوليين، لكن المفارقة تأتي من جهة أن أربع دول حرصت على إظهار قبولها لنص الميثاق، بوصفه نصاً تحفيزياً، تتمثل فيها سلسلة طويلة من الاتفاقات السابقة، التي اشتغلت عليها المنظمة الدولية، كالبيئة والمناخ، وحقوق النساء، والأطفال، وحماية المدنيين خلال الحروب.. إلخ.

في حين أصرت روسيا على رفض التصويت، في خطوة انعزالية، ولحقتها الدول المشار إليها أعلاه، في إجراء تختلط فيه رغباتها في تسجيل الموقف، ضد العالم بأسره، مع سياسات معلنة تلتزم بدعم روسيا البوتينية، وصولاً إلى التأكيد على أنها تحصن نفسها ضد أي إجراء ملزم أو غير ملزم، يمكن اتخاذه حيال سياساتها الداخلية، التي لا تؤثر فقط على شعوبها، بل تؤثر أيضاً على دول أخرى.

وهنا لن يكون من المجدي الاستطراد، إلى ماهو معروف من سياسات دموية لروسيا الاتحادية ضد الدول الأخرى، فالجميع يطالع أخبار الحرب في أوكرانيا، كما لا يمكن تجاهل أن سياسات كوريا الشمالية النووية، تلقي بالخطر على الدول المجاورة لها، من خلال كل تجربة صاروخية تقوم بها، وكذلك لا يمكن تجاهل سياسة تصدير الثورة، التي اتبعها الولي الفقيه في إيران، وجعلته يتدخل في أربعة بلدان عربية، وكذلك لا يمكن نسيان أن نظام بشار الأسد، بات يمتلك إرثاً دموياً، أدى خلال عقد ونصف تقريباً، إلى خلق أكبر موجة لجوء، عابرة للقارات، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية! وإذا أردنا الاسترسال، يمكننا استعراض الأوضاع العامة في الدول الثلاث الباقية، لكن ما تحدثنا عنه يكفي، لأن نرى تغول الديكتاتوريات في أفعالها ضد شعوبها وضد الآخرين، وكي ندرك أن ثمة حلف حقيقي، يجمع بين أصحابها، يتغذى على أفكار غارقة في نزعاتها ضد الانفتاح بين الأمم، والعدائية ضد الأفكار التي تحرر الانسان من القمع والإرهاب!

وفي الوقت نفسه نتلمس وجود خطر حقيقي يهدد الكوكب كله، فحين نعرف أن هذا الحلف، يمتلك أدوات محلية تؤيده وتدعمه حتى في البلدان الغربية، عبر مجموعات يمين متطرفة وأحزاب تمثله، تلتقي مع تيارات يسارية دوغمائية، فإننا نستخلص بأن الموقف من وثيقة المستقبل ليس أمراً عابراً، بل هو إشارة إلى كوارث قادمة، تشبه الحربين العالميتين في القرن العشرين، حين دفعت البشرية أثماناً كبرى، ولم تتعلم الدروس منها أبداً.

كلمات مفتاحية