ليس مهماً السؤال عن أسباب تفجير القنبلة أمام قصر العدل في طرطوس بالأمس، وعن تفاصيل الخلاف الذي أدى لقيام أحد الأطراف بسحب مسمار الأمان لتكون النتيجة قتيلين وعددا من الجرحى من بينهم عناصر من الشرطة والمدنيين الموجودين، وليس مهماً معرفة من يقف وراء هكذا حادثة، وكذلك ردود الفعل المستهجنة من وجود السلاح في مكان مدني.. وأي مكان؟
أجيال من السوريين عاشت ذعر المسدسات البارزة لأبناء السلطة المتفاخرين بانتمائهم إلى القتل، وحيث يمكن لرافضي المشهد البوليسي أن يفكروا ألف مرة قبل أن تنطلق الرصاصات إلى صدورهم، وهكذا باتت الجدران لها آذان، وامتهن كثيرون مهنة كتابة التقارير التي يكون مصير من يرد اسمه بها التغييب والنسيان.
لم يترك البعث طلاب المدارس والجامعات من دون سلاح يغريهم، ويعزز لديهم روح الصلف تحت شعارات دورات الفصائل البعثية المسلحة
كان أفظع من مشهد السلاح الوعيد بلغة القوة (أعرف مع مين عم تحكي)، وهذه لا بد أن ترتبط بلهجة حاسمة قاسية يظهرها المقربون من أجهزة الأمن والشرطة والرفاق البعثيون وعائلاتهم وأقرباؤهم وحتى معارفهم لذلك كانت الرغبة لدى الحالمين بالحماية والوساطة بأن يكون لهم كما يقولون أصبع لدى هؤلاء يشيرون فيها إلى نفوذ من يستظلون به.
ولم يترك البعث طلاب المدارس والجامعات من دون سلاح يغريهم، ويعزز لديهم روح الصلف تحت شعارات دورات الفصائل البعثية المسلحة، ودروس الفتوة، والتدريب العسكري الجامعي، وفي بداية الثمانينات كان البعثيون الصغار ينامون في مدارسهم لحمايتها من عصابات الإخوان العميلة، والساخطين الذين يكتبون شعارات مناهضة للبعث على جدران المدارس.
مقابل كل هؤلاء وهم ليسوا قلة في زمن صعود البعث وفورته كان عشرات الآلاف من الضحايا الذين أكل السجن لحمهم أو قتلوا بتهم مستحدثة كوهن نفسية الأمة وشتم القائد والقيادة الحكيمة، ومن الممكن أن تصل للخيانة العظمى حيث تلفق التهم لحدها الأقصى ففي الجوار إسرائيل والعراق البعثي اليميني، وأما الفساد واللصوصية وقهر الناس فتلك لها مبرراتها حيث تصرف الأموال على الاحتفالات والمناسبات الوطنية والقومية العظيمة، وأما القهر فهو لحماية النظام الاشتراكي وحماية مكتسبات ثورة العمال والفلاحين.
في العشر سنوات الأخيرة بدأ الاستثمار في جهد أربعين عاماً من التحضير لزمن القتل، وعلانية صار توزيع السلاح على الموالين والبعثيين والانتهازيين والمذعورين من هجمة الإرهابيين الجدد، وتم إنشاء الميليشيات تحت مسميات الدفاع الوطني ومن ثم أطلق عليها أسماء الرموز الطائفية، ودخلت البنادق والقنابل البيوت للوقوف في وجه الخونة، وأصبح هناك مستوطنات علنية محشوة بالسلاح بكل صنوفه، وزاد على ذلك انتشار عشرات الميليشيات الطائفية العابرة للحدود التي جندت بقية السوريين الباحثين عن مصدر للسلاح والحياة بالقوة.
أسس البعث وسلطته قوة عسكرية غاشمة بين المدنيين، وصار القانون هو ما تملك من قوة وسلاح لأخذ ما تظنه حقاً
بمستوى أقل انتشر السلاح في مناطق المعارضة وبأيدي عمياء مارست القتل واللصوصية والقهر وخصوصاً بعد توقف العمليات الحربية، وهذا بدوره سمح لتوسع الجرائم العائلية تحت مسميات الدفاع عن الشرف والثأر.
هكذا ببساطة وعلى مهل أسس البعث وسلطته قوة عسكرية غاشمة بين المدنيين، وصار القانون هو ما تملك من قوة وسلاح لأخذ ما تظنه حقاً، وتشي احتفالات رأس السنة وعيد الميلاد ونتائج الثانوية بحجم السلاح المنتشر بين المدنيين ورعونة استخدامه، وما يمكن أن يحمله من مخاطر قادمة على السلم الأهلي المزيف.
صحيفة صاحبة الجلالة الموالية نشرت اليوم تصريحاً لأحد شهود حادثة محكمة طرطوس روى فيها الحادثة ونعى فيها القتلى وختم برواية يرددها النظام وأتباعه بالدعوة إلى جمع السلاح: (نشير إلى ضرورة إصدار قانون يشمل عفواً ومهلة لجمع القنابل التي اشتراها المواطنون أثناء الأزمة وكذلك السلاح غير المرخص لأن حيازتها جريمة ولا يمكن تسليمها من دون محاسبة).. وركزوا معي على عبارة (اشتراها المواطنون أثناء الأزمة) وهذه كذبة كبرى، أما إن كانت حقيقة فالبائع هو النظام وميليشياته فقط.