أن تُسارع الدول الغربية إلى إظهار التضامن الواسع مع إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل، فذلك ينسجم مع الانحياز التاريخي الغربي إلى جانب الاحتلال منذ ظهور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لكنّ أن يتطور هذا التضامن إلى حد إضفاء مشروعية سياسية وأخلاقية على الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتجاهل التام للجرائم التي ترتكبها بحق المدنيين بذريعة حقها في الدفاع عن نفسها، فهذا يعكس المستوى الخطير الذي وصله المأزق السياسي والأخلاقي الغربي في التعاطي مع القضية الفلسطينية عموماً.
لم يكن يُنتظر بأي حال من الرئيس الأميركي جو بايدن والزعماء الأوروبيين أن يفعلوا عكس ما فعله أسلافهم في الوقوف إلى جانب إسرائيل في كل محطة تاريخية من محطات الصراع، لا شك أن الأصداء الهائلة لعملية "طوفان الأقصى" لعبت في الظاهر دوراً أساسياً في تشكيل هذا الانحياز الغربي الأعمى لإسرائيل في الحرب الراهنة.
منذ هجوم السابع من تشرين الأوّل، تواصل إسرائيل هجماتها الدامية على قطاع غزة، وفي لغة الأرقام، تسبّبت آلة القتل الإسرائيلية خلال ثلاثة أسابيع فقط بإزهاق أرواح ما يقرب من 8 آلاف فلسطيني جلهم من المدنيين..
لكنّ حقيقة أن الغرب لم يستطع في أي وقت تبنّي موقف مختلف عما هو الحال عليه الآن، وحتى في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تمارس إدمانها على القتل الجماعي للفلسطينيين دون الحاجة لأي ذرائع، تكشف أن تذرّع الدول الغربية اليوم بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا يعدو كونه وسيلة لإضفاء مشروعية سياسية وأخلاقية على هذا الانحياز حتى عندما يُشجع الاحتلال على القتل.
منذ هجوم السابع من تشرين الأوّل، تواصل إسرائيل هجماتها الدامية على قطاع غزة، وفي لغة الأرقام، تسبّبت آلة القتل الإسرائيلية خلال ثلاثة أسابيع فقط بإزهاق أرواح ما يقرب من 8 آلاف فلسطيني جلهم من المدنيين، أي ما يزيد تقريباً عن سبعة أضعاف العدد المُعلن من القتلى الإسرائيليين في هجوم حماس.
مع ذلك، فإن القليل من الحديث عن المأساة الإنسانية الخطيرة في غزة والأسباب الجوهرية العميقة التي أدت لانفجار الصراع، يتم التطرّق إليه على استحياء في تصريحات القادة والمسؤولين الغربيين. في الواقع، يعمل هذا الانحياز التام كمحفز قوي لإسرائيل لمواصلة حرب الإبادة على غزة دون الالتفات إلى أي عواقب.
إن خطورة الفشل السياسي والأخلاقي الغربي في ردع آلة القتل الإسرائيلية عن مواصلة القتل العشوائي في غزة، لا تكمن فحسب في أنه يضفي مشروعية على حرب الإبادة، بل يُشجع الغريزة الجامحة للاحتلال في مواصلة القتل إلى أبعد الحدود.
على عكس السنوات والعقود الماضية التي كان فيها المأزق السياسي والأخلاقي يتركز في سياسات الدول الغربية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإنه اليوم أصبح سمة عامة حتى لتغطية وسائل الإعلام الغربية لهذه الحرب ويتحكم في سياسات شركات وسائل التواصل الاجتماعي الغربية مثل فيسبوك، بينما كان هناك قدر لا بأس به من تغطية وسائل الإعلام الغربية البارزة للصراع في الفترة الماضية يمنح هامشاً ولو محدوداً للرواية الفلسطينية، فإن هذه الوسائل تحوّلت منذ السابع من أكتوبر إلى حملة دعائية متكاملة الأركان لرواية إسرائيل.
على سبيل المثال، لجأت معظم وسائل الإعلام الغربية البارزة لا سيما الأميركية منها إلى تصدير الرواية الإسرائيلية لمجزرة مستشفى المعمداني، ومحاولة إضفاء مصداقية عنها من خلال الإشارات المتكررة إلى المزاعم الإسرائيلية بأن صاروخاً واحداً على الأقل من كل خمسة صواريخ تُطلق من غزة تسقط داخل القطاع، بينما اكتفت وما تزال بذكر أعداد الضحايا الفلسطينيين في الغارات الإسرائيلية دون الإشارة إلى تعمدها استهداف المباني السكنية بشكل واضح، ومن المفارقات أن الصور التي تنشرها تلك الوسائل للهجمات الإسرائيلية تظهر حجم الدمار الهائل في المنشآت السكنية.
هذا التضليل الذي تمارسه كبريات وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها للحرب أصبح جزءاً من الفشل الأخلاقي الغربي في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ويعمل على محاولة تبييض آلة القتل الإسرائيلية.
هذا الفشل عادة ما كان يطرح تساؤلات عن الأسباب التي تجعل الغرب عموماً يعجز في تطبيق معاييره الدعائية المتعلقة بحقوق الإنسان وقواعد الحرب في القضية الفلسطينية تحديداً مع العلم أن هذه القواعد لم يكن لها وجود قوي في السياسات الغربية تجاه قضايا العالمين العربي والإسلامي عموماً مع استثناء التوظيف السياسي لقضايا حقوق الإنسان كأداة ضغط على هذه الدول في كثير من الأحيان.
في ظل الحرب الراهنة، والتي تزداد مخاطر توسعها إلى حرب إقليمية، لم يعد الفشل السياسي والأخلاقي يُعري الخطاب العربي فحسب، بل يقوض أيضاً قدرة الدول الغربية على ممارسة نفوذ على إسرائيل لتجنب انفجار شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وللشرق الأوسط برمته.
الولايات المتحدة شنّت على مدى العقدين الماضيين حروباً مدمّرة في أفغانستان والعراق وسوريا من دون أن يتمكّن أحد من محاسبتها على الكوارث التي تسبّبت بها لأنها تتصرف كقوة عظمى فوق القانون الدولي.
في الحالة الفلسطينية تحديداً، لا يتصرّف الغرب فحسب على أنه قوة عُظمى تمنح المشروعية السياسية لحروب إسرائيل ضد الفلسطينيين كما منحتها مشروعية إنشائها، بل أيضاً كقوة تُحدد أيضاً المعايير السياسية والأخلاقية التي تتماهى مع المشروع الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، والتي ينبغي على الفلسطينيين أن يقبلوا بها، وإلاّ فإنهم يُصبحون إرهابيين.
في ظل الحرب الراهنة، والتي تزداد مخاطر توسعها إلى حرب إقليمية، لم يعد الفشل السياسي والأخلاقي يُعري الخطاب العربي فحسب، بل يقوض أيضاً قدرة الدول الغربية على ممارسة نفوذ على إسرائيل لتجنب انفجار شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وللشرق الأوسط برمته.