في رسالته إلى موظفي الشركة والتي تضمنت تسريح 18% من الموظفين الأساسيين والمؤقتيين قال براين أرمستونج الرئيس التنفيذي لشركة Coinbase والتي هي أكبر شركة تداول عملات مشفرة في الولايات المتحدة حسب حجم التداول، وتدير منصة لتداول العملات المشفرة، وهي أول منصة تداول تعمل عن بعد من دون مقر رسمي فعلي: "يبدو أننا ندخل في ركود اقتصادي بعد 10 سنوات من الازدهار الاقتصادي. وقال أرمسترونج في رسالته الإلكترونية: "قد يؤدي الركود إلى شتاء جديد في العملات الرقمية، ويمكن أن يستمر لفترة طويلة". "في حين أنه من الصعب التنبؤ بالاقتصاد أو الأسواق، فإننا نخطط دائمًا للأسوأ حتى نتمكن من إدارة الأعمال من خلال أي بيئة".
يأتي هذا في ظل تدافع معظم البنوك المركزية العالمية صوب اتجاه واحد باتت تراه حتميًا أو قريبًا للغاية بشأن حدوث ركود اقتصادي وسط اندفاع البنوك المركزية حول العالم إلى تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة لاحتواء تداعيات موجات التضخم المفرط التي تضرب الاقتصاد العالمي.
فقد قرر أكثر من 60 بنكا مركزيا زيادة أسعار الفائدة هذا العام بقيادة الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا والمركزي السويسري وغيرهم من البنوك الكبرى.
في هذ السياق كانت أسواق العملات الرقمية تشهد انهيارات كبيرة التي أرجع الجميع أسبابها إلى الركود الاقتصادي وتأثيره على استقرار بورصات العملات المشفرة منذ شهرين تقريبا وتحديدًا مطلع أبريل الماضي، حيث كانت القيمة السوقية لثاني أكبر العملات الرقمية الإيثريوم حينذاك 400 مليار دولار بينما كانت أكبر العملات البديلة حينذاك تتداول قرب مستويات الـ 3300 ألف دولار أي بأقل 1500 دولار عن ذروتها التاريخية في نوفمبر 2021.
في ذاك التوقيت كانت البتكوين التي كانت ولا تزال أكبر العملات الرقمية تسجل قيمة سوقية تبلغ نحو 870 مليار دولار بينما كانت قيمة أكبر العملات الرقمية حينذاك تحوم قرب مستويات الـ 47 ألف دولار أي بأقل 30 ألف دولار عن أعلى سعر مسجل في نوفمبر على الإطلاق.
وفقا للأسعار الحالية باتت القيمة السوقية للبتكوين 400 مليار دولار بينما تبلغ قيمة العملة الواحدة 20.9 ألف دولار، وفي المقابل تبلغ القيمة السوقية للإيثريوم 130 مليار دولار بينما تتداول العملة قرب مستويات 1.1 ألف دولار. الأمر الذي أدى إلى حالة من الذعر في الأسواق وانخفض مؤشر الخوف الذي يقيس درجة المخاطرة في أسواق العملات المشفرة إلى حدود الصفر، مما دفع العديد من البنوك العالمية والمحللين للإشارة إلى أن دخول العملات الرقمية في حالة يطلق عليها اسم (شتاء التشفيير).
في هذه المقالة سوف نتناول ما المقصود بمفهوم شتاء التشفير والفترات الزمنية التي وقع بها تاريخيا، وماذا يعني ذلك لبيئة الاستثمار، وهل يشكل ذلك نهاية لسوق العملات الرقمية.
1- السوق الهابط:
يشير مفهوم شتاء التشفير إلى الوقت الذي تنخفض فيه أسعار العملات المشفرة وتظل منخفضة لفترة طويلة من الزمن.
حدث شتاء العملة المشفرة الأخير في أواخر عام 2017 وأوائل عام 2018، عندما تحطمت عملة البيتكوين بنسبة تصل إلى 80 ٪ من أعلى مستوياتها على الإطلاق واستغرقت نحو 18 شهرًا للتعافي. والذي ترافق أيضا في ذلك الوقت مع تشديد السياسة النقدية ورفع الفيدرالي الأميركي وهبوط أسواق الأسهم، وهو ماحدث حاليا حيث دخلت أسواق الأسهم رسميًا منطقة السوق الهابطة خلال يونيو الحالي، ومع انخفاض مؤشر S&P 500 بنحو 23٪ منذ بداية العام. يتوقع الخبراء أن الركود قد يكون قاب قوسين أو أدنى.
يوضح الجدول المرفق العائد على عملة البيتكوين خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 2010 حنى نهاية مايو 2022، حيث تظهر البيانات أن البيتكوين دخل في شتاء التشفير في الأعوام التي قام بها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة وارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية.
2- القاع المرعب:
في شهادته أمام الكونغرس الأميركي خلال الأسبوع الماضي، قال جيروم باول الرئيس الفيدرالي الأميركي أنه مصمم على إعادة التضخم إلى حدود 2% والذي وصل إلى أعلى مستوى له في 40 عاما عند 8.6 مها كان الثمن، وأن الفائدة الفيدرالية ستصل في نهاية العام الحالي إلى حدود 4% مما يعني أعلى نسبة للفائدة على الدولار منذ عام 1991 وهو معدل لم تختبره العملات الرقمية من قبل، ترافق ذلك مع قيام كل من بنك إنجلترا والمركزي الأوروبي والمركزي السويسري وغيرها من البنوك المركزية الفاعلة والمؤثرة حول العالم بزيادة معدلات الفائدة كأحد أدوات السياسية النقدية التي تساهم في مواجهة التضخم، في حين أعلن المركزي الأوروبي أنه سيرفع الفائدة الشهر المقبل بعد طول انتظار.
إن التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة واحتمالات ركود الاقتصاد العالمي يفقد الأصول عالية المخاطر ومنها العملات الرقمية جاذبيتها بينما يتجه المستثمرون صوب الملاذات الآمنة على غرار السلع والمعادن أو الدولار الذي يتداول الآن قرب أعلى مستوياته خلال 20 عاما.
بتحليل البيانات الواردة في الجدول أعلاه واستمرار سياسات التشديد النقدي على المستوى العالمي نستطيع القول إن البيتكوين لم تصل للقاع بعد وأن هذا سيكون في مدى يتراوح بين 8000 إلى 12000 دولار للعملة الواحدة قبل أن تعاود الصعود.
3- المحفظة الاستثمارية الرابحة:
ترتبط العملات الرقمية بعلاقة طردية مع أسواق الأسهم الأميركية وبشكل خاص مؤشر ناسداك والذي تندرج تحته أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، وبعلاقة عكسية مع مؤشر الدولار وعائد سندات الخزانة الأميركية وبدرجة أقل مع الذهب، لذلك يجب بناء المحافظ الاستثمارية في هذه الظروف وفق استراتيجية 75/ 25 من خلال تخصيص الجزء الأكبر من المحافظ الاستثمارية للملاذات الآمنة كالذهب والدولار والباقي للأصول عالية المخاطر كالعملات الرقمية والتركيز على الأصول المشفرة الأقل ثمنا بهدف اقتناص الفرص وتجنب الخسائر الفادحة.
الخلاصة:
من الصعب معرفة متى سينتهي شتاء العملات الرقمية الحالي، ولكن لا شك أنها لحظة الحقيقة بالنسبة لصناعة التشفير فإذا كانت أصول ذات قيّمة حقيقة، وتعتقد الأسواق أن استخدامها سيكون أكثر انتشارًا في المستقبل فيمكن النظر إلى ما يحدث على أنه تقلبات حادة ناتجة عن تشديد السياسة النقدية عالميا واحتمالات ركود الاقتصاد العالمي. أما إذا كان العكس هو الصحيح فهذا يعني أن شتاء التشفيير سوف يطول كثيرا وكثيرا جدا.