عن الأسد الذي بات مهزوماً أكثر من أي وقت مضى

2023.10.26 | 19:01 دمشق

آخر تحديث: 26.10.2023 | 19:01 دمشق

عن الأسد الذي بات مهزوماً أكثر من أي وقت مضى
+A
حجم الخط
-A

لا شيء يدعو إلى الاستغراب، فالانفصام عن الواقع هو عنوان المرحلة الراهنة اليوم، ما من جديد يذكر، إنه اليوم العشرون على التوالي منذ بدء المقاومة الفلسطينية عمليتها الواسعة "طوفان الأقصى" والتي شكّلت طوفاناً حقيقياً للجيش الإسرائيلي صاحب الأسطورة التي لا تقهر، على الرّغم من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقع في قلب العالم العربي ويمتلك أسلحة متطورة، إضافة إلى امتلاكه إسناداً عسكرياً وسياسياً من دول الغرب الأقوى، لم يستطع إلى الآن ترميم صورته الممزّقة والخروج من المأزق الذي حلّ به سوى بعمليات القصف والقتل الهستيرية والممنهجة التي قلبت حياة الفلسطينيين في غزّة المحاصرة جحيماً، فأعداد القتلى المدنيين تجاوز الآلاف، والانهيار الكامل للقطاع الطبي في ازدياد، عائلات بأكملها اختفت من السجلات المدنية للسكان.

السؤال القديم الجديد المثير للدهشة في ذهن المراقب العربي للأحداث: كيف يمكن لكيانِ احتلالٍ وفصلٍ عنصري فعل كل تلك المجازر وقتل الآلاف من المدنيين بلا هوادة أو رادع، وقصف حواضر المدن وتسويتها أرضاً بدون أي ردِّ عربي حقيقي وفاعل يوقف إراقة الدماء، أو في أضعف الحالات إمدادهم بمساعدات عربية عاجلة تخفف من نزيف دمائهم، وتوقف مأساتهم؟

قد يكون الجواب على ذلك السؤال الكبير يكمن في دراسة مطولةٍ في نشوء كيان غريب في قلب دولة عربية وتصالح البيئة الإقليمية مع وجوده المبهم.

ليست هذه هي الحرب الأولى التي يدخل غمارها الفلسطينيون في غزة، فالأجيال التي تعاقبت على القطاع كلها خاضت حرباً مع عدوهم الأزلي، وتصالح الفلسطينيون مع واقع الحرب وأعدوا عدتهم، قد تتفاوت الشدّة من حرب إلى أخرى لكنها حربٌ في النهاية لها آثار دموية ونفسية لا تُمحى بالتقادم، ونُقِشت في ذاكرة الأجيال، بيد أن هذه الحرب ليست كسابقاتها فالجديد هذه المرة أن الحرب الجديدة قد تغير وجه العالم إلى الأبد، فما قبل "طوفان الأقصى" ليس كما بعده حتماً.

بالنسبة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي فهو الوقت الذهبي لقطف ثمار ثورات الربيع العربي المهزومة، والتي حولتها دول الغرب بما فيها إسرائيل عبر وسطاء وأساليب استخباراتية قذرة من ثورات شرعية مطالبة بأدنى حقوق الكرامة والعدالة والتحرر، إلى ثورات فارغة من المضامين تسعى لتغيير سياسي فارغ عبر تجميد الحلول وإحلال سياسات جاهزة تضمن مصالح تلك الدول وفرض سلطات أمر واقع، وانقلابات عسكرية على الشرعية، بعد أن كانت تلك الثورات قيامة شعبية ضد سلطة الرجل الواحد، ودعوة شرعية لنيل الكرامة والانعتاق من سطوة المستبد، بالتالي حالة الجمود الرهيبة حيال ما يحدث في غزة من جرائم تفوق حد الاستيعاب، هي نتيجة حتمية لذلك التحول الذي طرأ على الثورات العربية، فها هي سوريا الغارقة في الفوضى والدماء، ولبنان الذي يقبع تحت سيطرة حزب الله الممانع الذي لبّى نداء الأسد من أول يوم بأعتى قوات النخبة لديه بينما اكتفى بموقف المتفرج على أشلاء الأطفال في غزة، ومصر والأردن ليستا بأحسن حالاً، وكأن هنالك طوقاً عربيا أُريد منه حماية دويلة الاحتلال من جهة ومن جهة أخرى إسكات الشعوب العربية ومصادرة قرارها وسلبها حقوق الكلمة وإقصاؤها وإبعادها عن أية أفعالٍ قد تؤدي إلى نتائج غير محسوبة.

على الإيقاع ذاته مجريات الأحداث الفلسطينية لا تجري بما يشتهي الأسد الذي بات يلاطم الأمواج هذه المرة، فالمطالب السابقة بالإبقاء على حالة الركود الآسن ضد أي تحرك حقيقي على جبهات الجولان باتت غير كافية في هذه المرحلة، فإسرائيل الحليف الخفي للنظام السوري وصلت إلى حقيقة صادمة مفادها أن كل الأعطيات المجانية التي قُدِّمت للأسد طِوال 12 عاماً للبقاء على عرشه الدموي قد ذهبت أدراج الرياح في ساعة واحدة، فها هي إسرائيل بفعل المشروع الإيراني قد تعددت الجبهات، والمقاومة الفلسطينية قد استطاعت ولوج بوابة العبور إلى الداخل الإسرائيلي.

المطالب اليوم باتت تتمحور حول فكٍ كامل للارتباط مع إيران وحزب الله، الأمر الذي لا يستطيعه الأسد البتّة، فإسرائيل اليوم في مأزق حقيقي في ظل التحدي الأكبر الذي يتمثل بالاجتياح البري المؤجل لقطاع غزة والذي بات متعثراً حتى اللحظة.

باستقراءٍ بسيط فإن نظاماً سياسياً عصبوياً كنظام الأسد القائم على تفاهمات دولية وإقليمية معقّدة قد تتغير في لحظة تاريخية إبّان الأحداث الغزّاوية، قد استشعر أن الطاولة قد تُقلب عليه، وأن وجوده بات مهدداً أكثر من أي وقت آخر خاصة إن لم تُحسم الحرب لصالح الإسرائيليين، فانطلق يعطي الأعطيات لحليفه الإسرائيلي بقصف دموي على مناطق شمال سوريا في توقيت واحد وعلى غِرار المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة.

بالتساوق مع ما تقدم ينبغي على السوريين والفلسطينيين معاً معرفة عدوّهم الأوحد والمشترك والذي يشمل نظام الأسد والكيان المحتل وأن التحالف القائم بينهما حقيقة بمثابة يقينيات لا تحتاج أن تثبت صدقيتها في مسيرة كفاح الشعبين وأن من كان على مدى عقود يردد شعارات المقاومة الزائفة وزعاق الممانعة والنضال الكاذب لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، هو نفسه من يريد تقزيم القضية الفلسطينية وهو نفسه أيضاً من يقف في خندقٍ واحد مع من يريد وأد المقاومة الفلسطينية في غزة وفي غيرها.