عمالة الأطفال بسوريا ضمن أدنى شروط السلامة في مهن لا تتناسب مع أعمارهم

تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا وخاصة في مناطق شمال غربي سوريا بسبب القصف والنزوح المتكرر والفقر الشديد الذي خلفته الحرب وفقدان المعيل للأسرة، كما أن تراجع مستوى التعليم لفترة طويلة ساهم في زيادة انتشار هذه الظاهرة لعدم وجود مدارس مجهزة للتعليم بالقرب من أماكن سكنهم، وغيرها من الأسباب، فكل منهم يحمل مأساة، وقصة وإن اختلفت تفاصيلها إلا أنها تتشابه بالنتائج.

وأدى دفع الأهالي بأبنائهم إلى العمل بمهن مختلفة قد تكون مصدر رزقهم، دون التفكير بمخاطر هذه المهن ومشقتها على أطفالهم، ومدى تأثيرها على نمو أجسادهم الغضة، إلى تحول عمالة الأطفال لمشهد مألوف في مناطق سيطرة المعارضة، وضرورة ملحة بالنسبة لكثير من العائلات التي فقدت معيلها وعدم قدرة المنظمات على تلبية احتياجاتهم، كما أن غياب الوعي لدى الأهالي لأهمية تعليم الأطفال قد يتسبب بزيادة عدد المتسربين من المدارس والالتحاق بأعمال ومهن يستطيعون من خلالها كسب المال لتحقيق الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، دون التفكير بالآثار الجسدية والنفسية التي تخلفها تلك المهن على مستقبل هؤلاء الأطفال، وخاصة المهن التي تتطلب حمل أوزان ثقيلة قد تسبب أمراضا مزمنة وإعاقات دائمة.

سامي حمدان الذي يبلغ من العمر 13 عاماً، والذي كان يعمل مع والده في البناء، قال لموقع تلفزيون سوريا: "والدي رجل في الخمسين من عمره لديه خمسة أولاد صغار أنا أكبرهم، أعيش مع أسرتي في بيت صغير بعيد عن القرية قمت وأبي ببنائه في أرض زراعية لأحد أعمامي إلا أنه لا يمتلك أدنى الشروط اللازمة للسكن الصحي ولكن موقعه في الأراضي الزراعية يجعله أقل خطورة وعرضة للاستهداف من قبل الطيران".

وأضاف سامي، الذي ينحدر من قرية حزانو التابعة لريف إدلب الشمالي: "أخرج للعمل مع والدي بعد أن تركت المدرسة منذ نحو ثلاث سنوات، بسبب الأوضاع الأمنية وصعوبة الذهاب الى المدرسة".

وأضاف أن والده يصطحبه إلى ورشات البناء التي لا يزال يعمل فيها حتى الآن، وعن ظروف عمله قال حمدان: "نعمل طوال اليوم في ورشات البناء في كل الظروف، في الصيف تكون الحرارة مرتفعة جداً و في الشتاء يكون البرد قارسا وفي كلتا الحالتين هناك صعوبة في هذا العمل ولكني مضطر للعمل مع والدي بسبب إصابته في يده".

وتابع: "أشعر بتعب شديد وألم في ظهري من حمل الإسمنت ومواد البناء وبعد مرور سنتين من العمل المتواصل بدأت علامات التعب تظهر على جسدي وقد كان كتفي الأيسر يؤلمني لكنني لم ألقِ له بالاً، وبعد فترة من الزمن بدأت ألاحظ ضموراً في يدي اليسرى وبدا الفرق واضحا بين كلتا يدي ولم أعد قادرا على تحمل المهام فاكتشفت مؤخراً أن خلعاً قد أصاب كتفي الأيسر من حمل الأشياء الثقيلة طوال الفترة السابقة، ولم يعالج ودون شعور اعتمدت على يدي اليمنى لأنها الأقوى والأكثر تحملا، فبدأت اليد اليسرى بالتراجع والضمور، ولكني مضطر لمتابعة العمل من أجل تأمين لقمة العيش".

أما علي الأسعد الذي يبلغ من العمر 12 عاماً فقد كان المعيل الوحيد لأسرته بعد أن فقد والده من جراء سقوط صاروخ في منزله، قال لتلفزيون سوريا: "فقدت والدي في أثناء الهجوم الأخير على ريف إدلب حين تقدم النظام ودخل معرة النعمان وقرى أخرى من ريف إدلب وحلب، كما فقدت منزلي وأرض أبي التي كنا نزرع بها الخضار التي تسد حاجاتنا اليومية، وفجأة أصبحت مسؤولا عن أمي وإخوتي الثلاثة".

"في بداية الأمر لم أكن قادرا على استيعاب ما يجري إذ إن فرق الإنقاذ قامت بنقلنا الى المخيمات على الحدود الشمالية، واعتقدت أنه لا بد من وجود أحد ما ينوب عن والدي ويؤمن لنا طعامنا وشرابنا، ولكن بعد عدة أيام لم يبق أحد حولنا حينذاك بدأت أشعر بحجم الكارثة، ولم أعد قادراً على النوم والتفكير ماذا علي أن أفعل وما هو واجبي تجاه عائلتي بعد رحيل أبي، وكيف أستطيع تأمين حاجياتهم".

وأضاف أسعد، الذي ينحدر من معرة النعمان التابعة لريف إدلب الجنوبي: "جلست مع الأولاد خارج الخيمة، كانوا يتحدثون عن مقلع حجارة قريب من المخيم، فطلبت منهم أن يرافقوني إلى ذلك المكان، لعله يكون مصدر رزق لي ولإخوتي وبعدها قابلت أحد العمال الذين يعملون في ذلك المقلع وعرضت عليه أن أعمل إلا أنه رفض في البداية لصغر سني لكني تحدثت له عن وضعي وحاجتي إلى المال لإطعام إخوتي الصغار فسمح لي بالمجيء بعد إخباري بأنه عمل شاق ولن أستطيع تحمله ومنذ ذلك اليوم بدأت بالعمل في ذلك المكان إلا إنه عمل متعب جداً ففي كل يوم أتعرض فيه للمخاطر حيث إن المكان عال وخطير جدا كما أن حمل الأحجار يهشم أصابعي ولكن إصراري على العمل يحول دون تركه لأستطيع سد حاجات أسرتي".

أما محمد حوا الذي يبلغ من العمر 18 عاماً وينحدر من مدينة الدانا التابعة لريف إدلب الشمالي، فقال لموقع تلفزيون سوريا: "بدأت بالعمل منذ ستة أعوام في مهنة الحدادة التي كانت مهنة أخوالي، أرادت عائلتي أن أتعلم تلك المهنة الشاقة لأستطيع تأمين قوت يومي".

وأضاف حوا: "كنت في الصف السادس الابتدائي حيث بدأت بتعلم تلك المهنة في ظل انقطاع المدارس عن التعليم وتردي الأوضاع المادية لعائلتي الأمر الذي دفعني لأكون فردا منتجاً في أسرتي وأتحمل معهم أعباء المعيشة".

وتابع: "لم أكن أدرك في بداية الأمر مدى صعوبة العمل بشكل عام وصعوبة هذه المهنة بشكل خاص، كنت أستيقظ باكرا وأذهب مشياً لنحو نصف ساعة وبيدي رغيف الخبز الذي أحضره والدي باكرا لآخذ فطوري، وأنا في طريقي إلى مكان عملي وأبدأ بحمل المعدات والمواد الأولية والأبواب إلى خارج الورشة لنبدأ معا بالعمل من قص، وتفصيل، وتركيب، إلا أنني كنت أشعر بعناء شديد بحمل تلك الأشياء في بداية اليوم وبعدها أعتاد على حملها، أما آلة اللحام فقد كنت أشعر بالسعادة عندما يتطاير الشرر من حولي دون أن أدرك مدى خطورته على نظري وجسدي وفي نهاية يومي أشتكي ألمي وتعبي لأسرتي ولا أكاد أنتهي من طعامي لأنام دون التفكير بأي شيء لأعاود العمل في اليوم التالي من جديد.  

ولكن بعد مرور ثلاث سنوات شعرت أن جسمي لا ينمو كباقي الأطفال اللذين من نفس عمري فطلبت من والدي زيارة طبيب مختص.

أما بديع حوا، والد محمد، فقد أكد أنه أرسل محمد إلى العمل بسبب انقطاع التعليم وتحويل المدارس الى مأوى للنازحين من المناطق التي تتعرض للقصف اليومي وخروج بعضها الآخر عن الخدمة بسبب القصف وخطورة الذهاب إليها بعد أن تهدمت جدرانها واعتبارها مكانا غير آمن لتلقي التعليم وتجمع الأطفال حيث كانت تستهدف من قبل الطائرات.

وأضاف: "أرسلت محمد للعمل في سن مبكر بسبب عجزي المادي ولم أكن أعلم أن العمل في سن مبكر سيؤدي لإصابته بالكثير من الأمراض الدائمة التي قد تؤثر عليه في المستقبل".

وتابع: "بعد أربع سنوات من عمل محمد في مهنة الحدادة بدأ يشعر بمضاعفات هذا العمل فتوجهت به إلى إحدى العيادات الطبية حيث أخبرني الطبيب أن ابني يشكو من التهابات في مفاصله وقد تؤثر عليه حتى حين يكبر، كما أكد لي أن حمل أشياء ثقيلة بعمر مبكر هو السبب في قصر قامته وأننا تأخرنا كثيرا في مراجعة الطبيب".

وذكر أنه لو كان يعلم أن عمل ابنه في سن مبكرة سيؤدي إلى كل هذه الأمراض "لفعلت أي شيء من أجل تأمين لقمة العيش".

من جانبه قال طبيب الأطفال سعيد المنصور لموقع تلفزيون سوريا إن "عمالة الأطفال بالعتالة في سن مبكر قد تسبب آلاما عديدة مثل: انقراص في الفقرات، أو انزلاق فقرات، أو مشكلات في الغضاريف، أو تمزق أربطة، لأن الطفل يكون في مرحلة نمو، كما أن ساعات العمل والشروط الصحية غير متوفرة في هذه المناطق، والبيئة غير المناسبة المحيطة بالطفل في أثناء العتالة، قد تتسبب له بمشكلات نفسية أيضا إذ يؤدي اختلاطه بمن هم أكبر منه سناً لسماعه ألفاظاً غير مستحبة ومواضيع أكبر من عمره، كما قد تتسبب له بمشكلات نفسية نتيجة التعنيف الجسدي، واللفظي، الذي قد يتعرض له في أثناء عمله ممن هم أكبر منه سنا.
وأضاف المنصور : "قد ينتج عن عمل الأطفال بمهن شاقة في سن مبكرة إعاقة نفسية لدى الأطفال، إذ من الممكن أن يصبح لدى الطفل سلوكيات عدوانية وشراسة تؤخر نموه النفسي، كما أن بعض المهن التي يعمل بها الأطفال في العتالة قد تكون مهنا خطرة من نواح أخرى مثل حراقات النفط وورشات البناء وغيرها من المهن التي تصدر روائح لمواد كيماوية، إذ يسبب استنشاق الطفل لروائح تلك المواد  أمراضا تنفسية ورئوية تؤدي إلى أمراض مزمنة تحد من نمو الطفل السليم،  كما أن وجوده في العمل لساعات طويلة دون غيره من الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس ويمارسون حياتهم الطبيعية وهواياتهم يحطم نفسية الطفل ويشعره بحرمانه من أبسط حقوقه.