أخيراً، أصبحت المحطات الإعلامية تلمح إلى مخطط أميركي يسعى لسحب القوات الأميركية من العراق وسوريا، ولكن، في الوقت الذي لم يتخذ فيه أي قرار نهائي بشأن الانسحاب بعد، أعلنت أربعة مصادر من داخل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأميركية بأن البيت الأبيض لم يعد يستثمر في دعم بعثة تعتبر غير ضرورية، وما تزال نقاشات داخلية فعالة جارية في الوقت الراهن لتقرير طريقة الانسحاب وموعده.
في ظل هذه التقارير، لا بد من دراسة احتمال تحرك واشنطن ومضيها قدماً للحد من مواجهاتها مع إيران، مع إعطاء إشارة للكرملين بأن الولايات المتحدة باتت على استعداد للتفاوض بشأن إنهاء الحرب على أوكرانيا.
متوازيات تاريخية
ضمن سياق المشهد الجيوسياسي المعقد، بات الجميع يعرف بأن القيادة السياسية في الكرملين ما تزال تتمسك بمبادئ عفا عليها الزمن تعود لحقبة الحرب الباردة، إذ عبر تعقب الارتباطات ذات الجذور العميقة لهذا الهوس نصل إلى أعضاء الهيئة السوفييتية لأمن الدولة التي كانت موجودة في تلك الأيام وتعرف باسمها المختصر (KGB)، بما أن معظم المسؤولين في القيادة الروسية ينتمون إلى تلك المؤسسة التي تعود للحقبة السوفييتية، كما أن لديهم علماً كبيراً بطريقة عمل المؤسسة التي حلت محلها ألا وهي وكالة الأمن الفيدرالية أو ما يعرف بـ (FSB).
بطاقة أمنية لبوتين تثبت انضمامه إلى الهيئة السوفييتية لأمن الدولة، عثر عليها في ألمانيا
عند التفكير بالاستراتيجية المرجحة لإنهاء الحرب، يجدر بنا أن نرسم الأحداث التاريخية المتوازية التي قامت من خلالها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بحل أزمة الصواريخ الكوبية، إذ يمكن لهذا السياق التاريخي أن يسلط الضوء على احتمال قيام مفاوضات مع الكرملين اليوم.
القوات الروسية في سوريا
عبر التفكير بتلك الأحداث التاريخية الموازية التي ظهرت خلال أزمة الصواريخ الكوبية، نتذكر أنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات السوفييتية من كوبا مقابل إخراج الصواريخ التكتيكية الأميركية من تركيا، إلى جانب إخراج جزء منها من أوروبا. إذ بالطريقة ذاتها، يمكن النظر إلى الانسحاب المرجح للقوات الأميركية من سوريا ضمن عمل إطاري لمفاوضات محتملة مع موسكو، فقد سعت الأخيرة منذ وقت طويل للحد من النفوذ الأميركي في سوريا وفي المنطقة عموماً.
التداعيات المحتملة
وفي خطوة محتملة من الجانب الأميركي بالنسبة للمفاوضات التي ستجري مستقبلاً مع الكرملين، قد يشجع انسحاب الأميركيين من سوريا روسيا على القيام بشيء مماثل، مثل الرحيل عن المناطق الجنوبية في أوكرانيا التي احتلتها روسيا خلال هجومها في عام 2022. فقد صرح جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، عدة مرات بأن واشنطن تهدف إلى تعزيز الموقف التفاوضي لكييف مع وقف الحرب من خلال وسائل دبلوماسية.
بيد أن تطور الأمور في الشرق الأوسط، إلى جانب ظهور سوابق تاريخية ومبادرات دبلوماسية، بات يطرح أسئلة كثيرة عن التداعيات المحتملة لاستمرار النزاع في القارة الأوروبية، إذ ما زلنا ننتظر كيف ستتكشف تلك التطورات، وهل ستسهم في التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة أم لا؟
المصدر: Defense Blog