يكثف العراق من عمليات إجلائه لمواطنيه من أحد المخيمات المقامة في شمال شرقي سوريا والذي يؤوي الآلاف من الناس، معظمهم زوجات وأطفال لمقاتلين سابقين لدى تنظيم الدولة، بيد أن أكثرهم يؤيد هذا التنظيم بشدة.
وتأمل بغداد من خلال هذا التحرك أن تحد من خطر "الجهاديين" العابر للحدود، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إغلاق ذلك المخيم، إذ بعد هزيمة تنظيم الدولة في سوريا على يد المقاتلين الذين دعمتهم الولايات المتحدة في آذار من عام 2019، فانتهى بذلك حكم "داعش" الذي سيطر على مساحات شاسعة من الأراضي بين العراق وسوريا، وسيق الآلاف من المقاتلين وأهاليهم إلى مخيم يعرف باسم مخيم الهول، وكان معظمهم من حملة الجنسية العراقية.
القنبلة الموقوتة
أما اليوم، فقد أصبح المسؤولون في العراق يعتبرون هذا المخيم المقام بالقرب من الحدود السورية-العراقية بمثابة أكبر خطر يهدد أمن بلادهم، كما أنه بؤرة لعقيدة التطرف التي يتبناها المقاتلون، ومكان يمكن أن يفرخ الآلاف من المقاتلين مستقبلاً، بما أن أطفال مقاتلي تنظيم الدولة يقيمون فيه.
وقد حذر علي جهانكير وهو الناطق الرسمي باسم وزارة الهجرة والنزوح العراقية من هذا المخيم ووصفه بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة. ومنذ شهر كانون الثاني الفائت، جرى إجلاء أكثر من خمسمئة عراقي من مخيم الهول، ويتوقع للمزيد أن يتم إجلاؤهم خلال الأسابيع القادمة بحسب ما ذكره هذا الوزير.
بيد أن معظم من تم إجلاؤهم كانوا نساء وأطفالاً، إذ نادراً ما يطلب الرجال العراقيون الذين ارتكبوا جرائم عندما قاتلوا إلى جانب التنظيم العودة إلى وطنهم وذلك خوفاً من تعرضهم للملاحقة القضائية، أما من أعربوا عن استعدادهم للعودة فقد أرسلت الهيئة المسؤولة عن إدارة المخيم أسماءهم إلى بغداد، حيث تجري الحكومة دراسات أمنية حولهم قبل أن تعطي الإذن بالموافقة النهائية على عودتهم.
وبمجرد أن يصل المحتجزون إلى العراق ينقلون إلى مخيم الجدعة القريب من مدينة الموصل شمالي العراق، حيث يخضعون لبرامج بهدف إعادة تأهيلهم يتم تنفيذها بمساعدة وكالات أممية، وذلك قبل أن يسمح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم الأصلية.
تشتمل تلك البرامج على جلسات علاجية مع معالجين نفسيين ودروس تعليمية وتثقيفية تساعدهم على التخلص من العقلية التي تبنوها بعدما خضعوا لحكم تنظيم الدولة.
ويحث العراق بقية الدول على إجلاء مواطنيها من مخيم الهول، إذ في مؤتمر عقد ببغداد خلال شهر حزيران الماضي، وصف العراق المخيم بأنه "مصدر للإرهاب"، كما أعلن في الاجتماع نفسه الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، بأنه من الواجب على كل الدول التي لديها مواطنون في مخيم الهول أن تعمل على إجلائهم بأقصى سرعة ممكنة وذلك حتى يتم إغلاق المخيم في نهاية الأمر، وحذر من أن البديل لذلك هو عودة تنظيم الدولة للظهور.
وصل عدد المقيمين في هذا المخيم الذي يخضع لحراسة مشددة وتشرف عليه قوات كردية سورية متحالفة مع الولايات المتحدة، إلى 73 ألف شخص، معظمهم من حملة الجنسية السورية والعراقية، وخلال السنوات القليلة الماضية، تراجع عدد السكان ليصل إلى ما يربو عن 48 ألف نسمة، كما أطلق سراح نحو ثلاثة آلاف منهم منذ شهر أيار الماضي.
أما من ظلوا في المخيم فبينهم مواطنون ينتمون لنحو 60 دولة أخرى، لكنهم انضموا في السابق لتنظيم الدولة، وهذا ما يجعل عملية إغلاق مخيم الهول بحاجة لجهود كبيرة من قبل العراق وسوريا، بحسب ما ذكره مسؤول في وزارة الدفاع العراقية، رفض الكشف عن اسمه إذعاناً للتعليمات والقوانين.
يوجد في المخيم حالياً 23353 عراقياً، و17456 سورياً، و7438 من جنسيات أخرى، وذلك بحسب ما أعلنه شيخموس أحمد، وهو مسؤول من "قسد" يشرف على مخيمات النازحين في شمال شرقي سوريا. وعلى الرغم من أن الأجانب يمثلون أقلية في المخيم فإنهم يعبرون عن أكبر مشكلة فيه، وذلك لأنهم مايزالون على ولائهم للعقيدة الأساسية التي بني عليها تنظيم الدولة.
عمليات الإجلاء السورية
يخبرنا أحمد أنه حتى تاريخ اليوم من هذا العام، غادرت مجموعتان سوريتان هذا المخيم لتعود إلى مدنها وقراها في سوريا. وفي مطلع أيلول، عادت 92 أسرة مكونة من 355 شخصاً إلى مدينة الرقة الواقعة في شمال البلاد، والتي كانت في السابق عاصمة للتنظيم. وفي أيار الماضي، عاد 219 شخصاً إلى مدينة منبج الواقعة في الشمال السوري.
تقوم سلطات "الإدارة الذاتية" بإطلاق سراح المواطنين السوريين من ذلك المخيم عندما تقرر بأن أياً منهم لم يعد يشكل أي خطر على المجتمع، بيد أن عملية إطلاق سراح المواطنين من حملة جنسيات أخرى أشد تعقيداً بكثير، بما أن دولهم الأم هي من يجب أن يبت بأمر عودتهم.
يقيم المواطنون العراقيون أو غير السوريين في أحد أجزاء المخيم، ويعرف هذا الجزء بالملحق، ويعتبر مأوى لأشد مؤيدي تنظيم الدولة، إذ إن معظمهم قطعوا مسافات طويلة حتى ينضموا لهذا التنظيم المتطرف بعدما اجتاح المنطقة في عام 2014.
ظروف لا إنسانية في الهول
في أواخر شهر آب الماضي، عادت 31 امرأة و64 طفلاً من المخيم إلى جمهورية كيرغيزستان على متن طائرة خاصة، وأعلنت وزارة الخارجية الكيرغيرستانية عن وصولهم وشكرت الحكومة الأميركية على تقديم المساعدة والدعم اللوجستي من أجل عملية الإجلاء.
بيد أن بقية الدول، وخاصة الغربية، ترفض إعادة مواطنيها خاصة بعدما أصبحوا جزءاً من تنظيم الدولة، إذ بالرغم من هزيمة هذا التنظيم المتطرف في العراق في عام 2017 وفي سوريا في عام 2019، ماتزال الخلايا النائمة التابعة له تنفذ هجمات فتاكة، ولقد صدمت التقارير التي كُتبت حول جرائم شنيعة ترتكب في مخيم الهول بحد ذاته المنظمات الحقوقية التي وصفت ظروف المخيم باللاإنسانية، خاصة فيما يتصل بالطفولة، كما تحدثت منظمة هيومان رايتس ووتش عن عدم وجود ما يكفي من الغذاء والماء والرعاية الطبية، بالإضافة إلى ظهور انتهاكات جسدية وجنسية بحق نزلاء المخيم، وتتم كل تلك الانتهاكات على يد حراس المخيم أو من قبل محتجزين آخرين.
ولهذا ناشد أغيد إبراهيم من مبادرة الدفاع عن الحقوق، وهي منظمة حقوقية في شمال شرقي سوريا، للحصول على مساعدات إنسانية بهدف تحسين الظروف المعاشية للأشخاص الذين مايزالون يقيمون في هذا المخيم.
هذا ولقد أعلن الجيش الأميركي بأن إنقاص عدد سكان المخيم يعتبر خطوة ضرورية لمحاربة تنظيم الدولة بشكل دائم وجزءاً مهماً من هزيمتها على المدى البعيد.
يذكر أنه مايزال لدى الولايات المتحدة 900 جندي في المنطقة الشرقية بسوريا إلى جانب عدد غير معلوم من المتعاقدين، ويتعاون هؤلاء الجنود الذين وصلوا إلى سوريا قبل ثماني سنوات مع قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر مظلة يهيمن عليها مقاتلون كرد.
يخبرنا اللواء الأميركي ماثيو ماكفارلين، وهو القائد العام لقوات التحالف لمحاربة تنظيم الدولة بأن المخيم أصبح بمرور الوقت يشكل تهديداً أمنياً، وذكّر بأن انخفاض جرائم القتل داخل المخيم لهو مؤشر على أن إنقاص أعداد المقيمين فيه يسهم بتحسين الوضع الأمني، وأضاف: "بالتعاون من وزارات الخارجية في الدول الأخرى، تركز وزارة الخارجية الأميركية على إنقاص الأعداد هناك لتحسين الظروف في ذلك المخيم".
في حين نشر الجيش الأميركي على منصة إكس، بأن عمليات الإجلاء الناجحة التي أجريت مؤخراً من مخيم الهول تضمن: "حفظ الأمان والأمن والاستقرار في المنطقة".
المصدر: abc News