icon
التغطية الحية

عضوتان سابقتان في مجلس إدارة OpenAI: لا يجوز لشركات الذكاء الصناعي أن تحكم نفسها

2024.05.27 | 16:42 دمشق

آخر تحديث: 28.05.2024 | 07:20 دمشق

الذكاء الصناعي - صورة تعبيرية - المصدر: الإنترنت
الذكاء الصناعي - صورة تعبيرية - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

هل من المتوقع للشركات الخاصة أن توسع حدود تقانة ثورية جديدة حتى تعمل لصالح مساهميها والعالم بأسره في آن معاً؟

عندما وُظفت تاشا في عام 2018 وهيلين في عام 2021 لتصبحا ضمن مجلس إدارة شركة OpenAI، كانتا تتحليان بتفاؤل حذر من النهج المبتكر للشركة في حكم نفسها بنفسها والذي يمكن أن يتحول إلى مخطط أساسي لتطوير مسؤول في مجال الذكاء الصناعي. وهكذا، وبحكم تجربتهما، اعتقدتا بأن الحكم الذاتي للشركة لا يمكن أن يصمد في وجه ضغط حوافز الربح بكل ثقة. ومع الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها الذكاء الصناعي لإحداث آثار إيجابية وسلبية معاً، لم يعد يكفينا أن نفترض بأن تلك الحوافز ستصب في الصالح العام دوماً، ولكي يستفيد الجميع من صعود الذكاء الصناعي، يجب على الحكومات أن تبدأ بتشكيل أطر عمل تنظيمية فعالة من الآن.

إن تمكنت أي شركة من حكم نفسها بنجاح مع تطويرها بكل أمان لنظم ذكاء صناعي متطورة وبطريقة أخلاقية، فلابد أن تكون تلك الشركة هي شركة OpenAI، فقد تأسست تلك الشركة بالأصل لتكون منظمة غير ربحية ذات رسالة تستحق التقدير والثناء، وهي: ضمان استفادة جميع البشرية من الذكاء العام الصناعي، وهو عبارة عن نظم ذكاء صنعي تتسم عموماً بذكاء أكبر من البشر. بعد ذلك، تأسس فرع ربحي للشركة بهدف جمع ما يلزم من رأس المال، وبقيت المنظمة غير الربحية على حالها من دون أن يطرأ عليها أي تغيير، وكان الغرض المعلن من هذه البنية غير المعهودة هو حماية قدرة الشركة على الالتزام برسالتها الأصلية، ويجب على رئيس مجلس إدارتها أن يدعم تلك الرسالة. فسجلت بذلك سابقة تستحق المحاولة، غير أنها لم تفلح في ذلك.

تطورات تسهم في التراجع

خلال شهر تشرين الثاني الماضي، وخلال محاولة مجلس إدارة OpenAI إنقاذ هذه البنية القائمة على التنظيم الذاتي، سرحت الشركة مديرها التنفيذي واسمه سام آلتمان، ما قيد قدرة المجلس على دعم رسالة الشركة بسبب الأنماط السلوكية القديمة التي أبداها آلتمان، والتي قوضت برأي تاشا وهيلين قدرة الشركة في الإشراف على القرارات الأساسية وعلى البروتوكولات الداخلية للسلامة. هذا وقد عبر عدد من كبار قادة الشركة عن مخاوف جسيمة وذلك بشكل سري أمام مجلس الإدارة، حيث ذكروا بأن آلتمان زرع "ثقافة الكذب السامة" وتورط في "سلوك يمكن وصفه بالإساءة النفسية". وبحسب شركة  OpenAI، توصل تحقيق داخلي بأن المجلس عمل بناء على تقديرات الموسعة على تسريح آلتمان، لكنه خلص أيضاً إلى أن هذا التصرف لا يقتضي التسريح. بيد أن شركة  OpenAI لم تورد سوى عدد ضئيل من التفاصيل التي تبرر توصلها إلى هذه النتيجة، ولم تتح للموظفين أو للصحافة أو للعامة الاطلاع على تقرير التحقيق.

بوسعنا لاحقاً مناقشة مسألة كيف يمكن لهذا السلوك أن يفضي حكماً إلى تسريح مدير تنفيذي، ولكن من خلال هذا الحالة التي قدمتها شركة OpenAI، وبناء على واجبات مجلس إدارتها التي تحتم عليه أن يشرف وبشكل مستقل على رسالة الشركة التي تسعى لتحقيق المصلحة العامة وأن تحمي هذه الرسالة، سنقف عند ما فعله مجلس الإدارة عندما سرح المدير التنفيذي آلتمان، كما أننا نستشعر ما ينذر بالسوء من خلال التطورات التي حدثت منذ عودة هذا الرجل إلى الشركة وتعيينه من جديد في مجلس إدارتها، مع خروج كبار الموهوبين الذين يركزون على سلامة الشركة منها، لأن كل ذلك أثر على تجربة شركة OpenAI في حكم نفسها بنفسها.

تقدم لنا هذه القصة درساً أهم يعلمنا بأنه يجب على المجتمع ألا يسمح لشركات تقانة خاصة بأن تسيطر لوحدها على عملية طرح الذكاء الصناعي، إذ بكل تأكيد، هنالك جهود حقيقية كثيرة بذلت في القطاع الخاص لتوجيه عملية التطور في هذه التقانة بطريقة مسؤولة، وإننا نثني على تلك الجهود ونقدرها، ولكن في ظل غياب عملية إشراف خارجية، لابد أن ينتهي هذا النوع من التنظيم الذاتي إلى حالة غير قابلة للتنفيذ حتى مع أخلص النوايا وأصدقها، لاسيما تحت ضغط حوافز الربح الهائلة، ولذلك، ينبغي على الحكومات أن يكون لها دور فاعل في هذا السياق.

"مشروع واحد ومخيف"

ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية، علا صوت المدافعين عن حالة تنظيم حكومية محدودة لتقانة الذكاء الصناعي، ابتداء من النواب في واشنطن وصولاً إلى المستثمرين في وادي السيليكون، إذ في أغلب الأحيان يقارن هؤلاء هذا النهج بنهج عدم التدخل بالإنترنت في تسعينيات القرن الماضي وما أحدثه ذلك من نمو اقتصادي، بين أن هذه المقارنة مضللة.

إذ داخل شركات الذكاء الصناعي، وبين المجتمع الكبير للباحثين والمهندسين في هذا المجال، يتم الاعتراف بالمخاطر الكبرى لتطوير ذكاء صنعي بنسبة أشد تطوراً، وكما قال المدير آلتمان: "قد يكون الانتقال الناجح إلى عالم يتمتع بذكاء خارق أهم وأكثر مشروع واعد ومخيف في تاريخ البشرية"، وذلك لأن مستوى القلق الذي عبر عنه كثير من أهم العلماء المتخصصين في مجال الذكاء الصنعي حيال هذه التقانة التي يعملون هم أنفسهم على تطويرها أصبح موثقاً بشكل كبير، ويختلف هذا القلق تمام الاختلاف عن المواقف المتفائلة التي أبداها المبرمجون ومهندسو الشبكات الذين عملوا على تطوير الإنترنت في بداياته.

كما لم يتضح إن كان التنظيم البسيط للإنترنت قد صب في مصلحة المجتمع بشكل لا تشوبه شائبة، فلقد استفادت وبشكل كبير شركات تقانة ناجحة كثيرة، وكذلك مستثمرون كثر من عدم وجود ضوابط على التجارة عبر الإنترنت، ولم يتضح أيضاً إن كانت المجتمعات قد خلقت توازناً صحيحاً فيما يتصل بتنظيم عملية ضبط المعلومات الخاطئة والمضللة التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الأمر بالنسبة لعملية استغلال الأطفال والإتجار بالبشر، وتزايد الأزمات التي تهدد الصحة العقلية لدى الشباب.

لقد حسن الضبط والتنظيم شؤون البضائع والبنية التحتية والمجتمع، وبفضل هذا التنظيم أصبحت السيارات تتمتع بأحزمة أمان وبالونات هوائية، كما لم يعد أمر تلوث الحليب يقلقنا ولا تصميم المباني بطريقة تسمح بدخول أي شخص إليها. لذا، يمكن للتنظيم الحكيم أن يضمن تحقيق فوائد الذكاء الاصطناعي بكل مسؤولية وعلى نطاق أوسع، ولذلك من الأفضل البدء بالسياسات التي تظهر دور الحكومات في تطوير أحدث تقانات الذكاء الصناعي، وكمثال على تلك السياسات نذكر شروط الشفافية وتعقب الأحداث.

وبالطبع هنالك مزالق للتنظيم لابد من تدبر أمرها، وذلك لأن التنظيم الذي يجري تصميمه بشكل سيء يمكن أن يضيف عبئاً لا يتناسب مع قدرات الشركات الصغيرة، مما يقتل حالة المنافسة والابتكار. لذا من الضروري أن يتصرف السياسيون بشكل مستقل عن شركات الذكاء الصنعي الرائدة عند الخروج بقوانين جديدة، كما عليهم أن ينتبهوا للثغرات، أي للفجوات الكبيرة في التنظيمات التي تحمي أوائل المستثمرين من المنافسة، وتمكنهم من تفادي اللوائح التنظيمية. وهنا لابد من استيعاب ما دعا إليه المدير آلتمان بالنسبة لتنظيم الذكاء الصناعي في ظل تلك المزالق، على اعتبار أن ذلك يحمل بين طياته غايات أنانية تسعى لتحقيق أهداف شخصية. ولهذا يتطلب إطار العمل التنظيمي المناسب وجود تعديلات سريعة، لمواكبة ما يتفتق عنه فهم العالم لقدرات الذكاء الصناعي وإمكاناته.

في الختام، يمكن القول بإننا نؤمن بقدرة الذكاء الصناعي على رفد إنتاجية البشرية ورفاهيتها بطرق لم نشهدها من قبل، لكن الطريق للوصول إلى مستقبل أفضل لا يمكن عبوره من دون مخاطر. فقد تأسست شركة OpenAI كتجربة جريئة تسعى لتطوير إمكانات الذكاء الصناعي مع إعطاء الأولوية للصالح العام وتفضيله على الربح. ولكن من خلال التجربة تبين أنه حتى بوجود كل المزايا، لم تكن آليات الحكم الذاتي كتلك التي اعتمدتها شركة OpenAI كافية، ولذلك من الضروري أن يشارك القطاع العام وعن كثب في تطوير هذه التقانة، وقد حان الوقت الآن لتثبت المؤسسات الحكومية نفسها في مختلف بقاع العالم، إذ لا يمكننا أن نضمن استفادة سائر البشر فعلياً من تطور الذكاء الصنعي إلا بوجود حالة توازن صحية بين قوى السوق وتنظيمها بكل حكمة.

المصدر: The Economist