تحدث الدكتور عزمي بشارة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في لقاء خاص بُثّ على تلفزيوني سوريا والعربي، عن التطبيع الإماراتي مع إسرائيل وتبعات انفجار مرفأ بيروت.
وناقش خلال حلقة من برنامج "حديث خاص"، تداعيات "اتفاق أبراهام" بين إسرائيل والإمارات وأوضح ما إذا كان تطبيعاً للعلاقات أم إعلاناً رسميا عن تحالف قائم، مشيراً إلى محاولات تهميش القضية الفلسطينية وتشويهها والقفز على المواقف العربية المعهودة بشأنها.
تحالف أخطر من التطبيع
أطلق بشارة على العلاقة بين الإمارات وإسرائيل اسم "التحالف" والذي تحول إلى تطبيع علني، لافتا أن العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية قائمة منذ عقدين، معتبراً أن مسار الإمارات في سكة التحالف مع إسرائيل هو أخطر من التطبيع، موضّحاً "لأننا لسنا أمام دولتين كانوا في حرب وعقدوا مصالحة مثل مصر التي تابعت لاحقاً اتفاقيات التطبيع كما هو الحال أيضاً في الأردن، مع الإشارة إلى أن الشعبين الأردني والمصري لم يوافقوا على التوجه العام للعلاقة مع إسرائيل، وكذلك فإن توجة الإمارات غير مقبول شعبياً".
وأضاف عن التحالف الإماراتي - الإسرائيلي، أنه و"بحسب إسرائيل هناك نوع من الغرام السري خرج إلى العلن بعد عقدين من الاتصالات، وهو ناجم عن تصورات مشتركة للمنطقة تتمثل برفض التغيير والوقوف ضد أي تحول ديمقراطي في المنطقة، إسرائيل تخشى أي تحول ديمقراطي في الدول العربية وعام 2011 كان أسوأ عام لإسرائيل منذ تأسيسها، إذ عاشت حالة من عدم اليقين وهي تعتقد أن أفضل شيء للتعامل معه في المنطقة هي دول ديكتاتورية حتى لوكانت دولا معادية، المهم أن تنجز صفقات معها لا تكون عرضة للتقلبات السياسية التي تحدثها الديمقراطية في الدول العربية".
وتابع قائلا "الإمارات ليست دولة ديمقراطية بالتالي هي ليست مهددة مثل إسرائيل لكنها اختارت هذا الطريق خلافا لدول خليجية أخرى هي أيضاً دول غنية وليست ديمقراطية وترى في نفس الوقت أن الديمقراطية لا تهددها دول خليجية صغيرة لديها ثروات ولديها أيضاً مجتمع أهلي متماسك والديمقراطية ليست تهديداً، الإمارات أخذت هذا الاتجاه واعتبرت أن العدو الرئيسي الذي يهددها هو إيران وليس إسرائيل".
وشدّد بشارة على وجود رؤية مشتركة بين الإمارات وإسرائيل، تطورت مؤخراً بسبب التخوف من النفوذ التركي إضافة لعداء الحركات الإسلامية، واستطرد "كل هذه الأمور هي رؤية مشتركة مع إسرائيل، يضاف إلى ذلك الرغبة في التأثير بالولايات المتحدة فبالنسبة للاتفاق النووي الإيراني كانت (الإمارات) في نفس الموقف مع إسرائيل ضد الاتفاق النووي، إذ يوجد أساس مشترك حتى داخل الولايات المتحدة للتحالف مع اليمين هذا مسار اختارته الإمارات وهو يقود بالضرورة إلى التحالف، الذي أعقبه التطبيع في مجالات اقتصادية وثقافية عدة بعضها معلن وأهمها القضايا الأمنية".
التنسيق وتبادل الخبرات مع إسرائيل أو شراء خبرات إسرائيلية للتنصت والتجسس على المعارضين والمثقفين وكل من يفكر ويكتب وحتى معرفة ماذا يفكر الناس كان الأهم للإمارات كما يقول بشارة، إضافة لناشطي حقوق الإنسان والبيئة.
ويؤكد أن"المسألة ليست أننا أمام دولة كانت في حرب مع إسرائيل وأقامت اتفاق سلام كلمة اتفاق سلام مهزلة، ولسنا أمام حركة تحرر وطني صنعت شيئا وحققت السلام، نحن أمام تحالف استراتيجي تطور بشكل واضح للعلن وهو معنويا يسبب إحباطاً في العالم العربي".
دلالات توقيت الإعلان عن التطبيع
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب اسم "أبراهام" على اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وحول ذلك قال بشارة إن الأميركيين لديهم "غرام" بهذه التسميات، فقضية فلسطين ليست أحد الاعتبارات لديهم، مشددا على أن الفلسطينيين والمسلمين ليسوا ضد اليهود، في حين تحاول الإمارات أن تظهر بمظهر الاعتدال أن تبرز الآخرين كمتطرفين وهذا فيه إساءة للناس، وتابع "في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينة لم يكن هناك عداء لليهود إطلاقاً، يوجد توجه محق ضد الصهيونية باعتبارها حركة كولونيالية تستعمر فلسطين وليس باعتبارها يهودية، التطبيع يضر بالشعوب العربية وبالشعب الفلسطيني لأنه يهمش قضيته، و حتى تستطيع دولة عربية التخلي عن مبادرة السلام العريية عليها أن تهمش قضية فلسطين".
ويشير بشارة إلى أن توقيت الإعلان عن التطبيع يثير التساؤل والاستغراب لأنهم أعلنوا عن الاتفاق تزامناً مع السباق الرئاسي الأميركي قائلاً "التوقيت إذا أميركي - إسرائيلي وقد جاء في أسوأ الظروف؛ في ظل حكومة يمين واستيطان إسرائيلية تواصل سياسة تهويد القدس، كما أن ترامب أعلن عن تحالف يتبنى فيه مواقف اليمين المتظرف الاسرائيلي، يرافق كل ذلك حملات إعلامية يقودها الذباب الإلكتروني لتشويه القضية الفلسطينية والتشكيك بعدالتها".
ويقول بشارة إن إسرائيل تريد أن يسود مع الدول العربية مبدأ "السلام مقابل السلام" وليس "السلام مقابل الأرض"، في تكريس لسياسة القوة، حيث تمخضت صفقة القرن وهو انتصار لرؤية اليمين الإسرائيلي التاريخية".
دول مرشّحة للتطبيع مع إسرائيل
يلفت بشارة إلى أن الإمارات لديها توجه استراتيجي يرى إسرائيل حليفا قوياً، "اليوم سمعنا تصريحا لوزير الخارجية السعوي قال فيه نحن متمسكون بالسلام على أساس مبادرة السلام العربية.. البحرين لا يمكن أن تسير على خطى الإمارات دون موافقة السعودية التي يمكن أن تقدم البحرين للعالم على أنها تمثلها.. ثم إن التنسيق جارٍ والمديح لولي العهد السعودي قائم ودافعو عنه (اللوبي الصهيوني) بعد قضية خاشقجي اللوبي الإسرائيلي في واشنطن دافع عنه.. لماذا أقول إن التعاون مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطن كان مهما منذ فترة.. كانوا يدافعون عنه أمام الحملة في الولايات المتحدة بعد اغتيال خاشقجي".
تسعى الإمارات كما يرى المفكر العربي عزمي بشارة إلى جر حلفائها للتطبيع مع إسرائيل، وبالنسبة للسودان على سبيل المثال، المهم هناك الحفاظ على وحدة البلاد وحصول عملية انتقال سياسي دون انقلاب عسكري، "لا يجوز خلق تناقض بين القضية الفلسطينية والتطلعات إلى التغيير والعدالة في المنطقة".
انفجار بيروت.. مسؤولية نظام كامل
اعتبر بشارة أن المسؤول عن الانفجار في مرفأ بيروت هو نظام بكامله وليس مجرد أشخاص، لافتا أن التدخلات الدولية في لبنان جاءت للضغط والتلويح بأن الخروج من المأزق الاقتصادي يتطلب إصلاحات، كما أن اللبنانيين توصلوا إلى قناعة مفادها أنه لا يمكن محاربة الفساد مع بقاء النظام الطائفي.
ماكرون في لبنان والهدف تركيا
وحول الهدف من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، قال بشارة" إن ماكرون لديه أهدافه في لبنان بشكل متوسط، لأن لبنان لم يعد مسرح الصراع على فلسطين أو القوى الإقليمية، بسبب اشتعال الصراع في سوريا والعراق وليبيا واليمن، أي لم يعد لبنان مركز الحدث لحد ما، التدخل الفرنسي له هدف هو النفوذ الإيراني، ولكن بالنسبة لـ ماكرون وجود تركيا في شرق المتوسط أهم من إيران، وهو يحاول الوجود في لبنان من خلال إعادة فكرة الأم الحنون، التدخل الدولي جاء للضغط ولبنان لا يستطيع أن يخرج من مأزقه الاقتصادي من دون هذا التدخل، الاقتصاد اللبناني يرغب بالتدخل الخليجي ويستدعيه، كما أن البعض لديه شروط سياسية كالولايات المتحدة الأميركية".