دعا المفكر العربي د.عزمي بشارة، السوريين، إلى عقد مؤتمر سوري عام يُعلن فيه عن مؤسسة جامعة وقيادة سورية تتحدث باسم جميع أطياف الشعب السوري.
وقال في لقاء خاص أجراه معه تلفزيون سوريا عبر برنامج "منتدى دمشق"، مساء الأحد، إن "ما أظهره الشعب السوري في بدايات الثورة كان عظيمًا، ولو وجِدت قيادة تمتلك كرامة وطنية لتمثيلهم في ذلك الوقت لتغير المشهد" مضيفاً أن "الغرب يبحث عن قيادة كهذه للتواصل معها".
واعتبر مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن السوريين المنتشرين في المنافي "يمتلكون كمّاً هائلاً من الإمكانات والنخب الفكرية والسياسية" التي باستطاعتها تشكيل قيادة وبناء تلك المؤسسة كي تكون بديلاً حقيقياً لنظام الأسد.
وشدّد على أن يكون الخطاب "باسم الشعب السوري وليس باسم الحسكة أو الرقة أو دير الزور..".
اللقاء تناول الحديث عن تحولات الثورة السورية بعد عقد على انطلاقها، استعرض خلاله المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، د. عزمي بشارة، مختلف الجوانب السياسية والفكرية والاجتماعية ودورها في رسم مسار الثورة وإفرازاتها خلال تلك السنوات. كما لم يفت المفكر العربي الحديث عن التطورات الأخيرة في القدس وفلسطين.
النظام لم ينتصر
وفي توصيفه للنظام القائم في سوريا اليوم، قال بشارة إنه عبارة عن "نظام سلطوي استبدادي وصل إلى مرحلة الطغيان، ولا توجد محددات للوحشية التي مارسها".
واعتبر أن قاعدة النظام الاجتماعية والأدوار السياسية أو "الحزبية" لم يعد لها وجود بعد اندلاع الثورة السورية، إذ "أصبح الدور اليوم للميليشيات والشبيحة" الذين حلوا محل مؤسسة "الجيش" التي تغيّرت عما كانت عليه قبل الثورة كبقية المؤسسات الأخرى التابعة للنظام.
وبالرغم من أن الثورة لم تنتصر، وبالرغم أيضاً من تحوّل جزء كبير من الحرب إلى "حرب أهلية" بسبب "تعدد الفصائل المسلحة، وتفكك المعارضة، وتشتت المجتمع السوري من جراء التهجير الذي طال أكثر من نصفه" بحسب بشارة، فإن "النظام لم ينتصر البتّة، ولم يعد يسيطر على سوريا التي يدير نصف أراضيها شكلياً".
وتابع: "النظام في أضعف حالاته لأنه فقد القدرة على تأمين الخدمات الأساسية. وأجهزة (الدولة) مركّبة لنهب المجتمع كي تعيل نفسها من خلال ذلك النهب"، إلا أن المشكلة الأساسية التي يراها بشارة "ليست بضعف النظام وإنما تكمن بالبدائل".
الروس والإيرانيون
عن علاقة النظام بكل من روسيا وإيران، قال الدكتور بشارة إن النظام "نجح في تخييرهم بقبوله كما هو، بدون أية شروط. وهم أيضاً لم يجدوا بديلاً له".
ويرى أن توسعهم في سوريا يأتي "لأسباب إقليمية وسياسية خاصة بهم"، مشيراً إلى أن "إبقاء بشار الأسد يرونه تجسيداً لتحقيق إنجازٍ لهم في سوريا، وليس حباً به، فهو ينفذ ما يريدون".
وأوضح بشارة أن طهران وموسكو "تختلفان بكل شيء في سوريا، وتتفقان على شيء واحد فقط هو إبقاء بشار الأسد في السلطة، لأنه ضمان لوجودهم"، مضيفاً أن الأخير "نجح في ذلك، لكنه باع البلد. وحجم الديون من الدولتين لا ندري كم يحتاج السوريون من زمن للتخلص منه".
الانتخابات "تمثيلية معيبة" والمفاوضات "مضيعة للوقت"
وفي تعليقه على مسألة "الانتخابات الرئاسية" التي يسوقها النظام، قال المفكر بشارة إنها "صورية، وعيب أن نطلق عليها مسمى انتخابات، لأنها لا تقدّم ولا تؤخّر، وهي عبارة عن إعادة تدوير للوضع القائم".
وأضاف: "بشار الأسد أتقن لعبة عجيبة، هي لعبة التمثيليات التي يؤديها بين الحين والآخر، وهو يعرف جيداً أن الشعب يعلم أنها تمثيليات، ومع ذلك يستمر في أدائها"، مثال على ذلك "الانتخابات".
واعتبر بشارة أن ما يجري تحت مسمى "المفاوضات" بين المعارضة والنظام، ليست سوى "تبديد ومضيعة للوقت" مؤكداً أن "الحل يحتاج إلى فرض إرادة دولية وليس لمفاوضات".
وأردف: "لا أستشف وجود حل دولي أو إقليمي قريب، ولا تحركاً جاداً بين الدول الفاعلة والمؤثرة لإيجاد حل سياسي للحالة السورية".
تفكك داخل الشعب السوري
"السوريون كانوا قادرين على فرض الشروط والحلول التي يريدونها في بداية الثورة، حين كانوا أقوياء وفاعلين ولهم وجود مؤثر على الأرض، لكنهم اليوم فقدوا القدرة للأسف" بحسب بشارة.
ويعقّب: "مؤسسات النظام لم تتفكك لأنه متغلغل داخل أركانها، وكذلك الأمر بالنسبة للجيش عموماً. لكن الشعب السوري هو الذي انشق ضد نظام الاستبداد الذي تسبّب بشرخ كبير".
وقال المفكر بشارة إن النظام "لم ينجح من بناء (أمّة) بالمعنى الاجتماعي والسياسي. وبدلاً عن ذلك استخدم الطائفية لحشد الولاءات، ما أدى إلى حدوث تفكك مجتمعي كبير"، لافتاً إلى أن النظام استطاع "تحشيد قطاعات اجتماعية لتقاتل في صفه ضد قطاعات اجتماعية أخرى".
وحذّر من أن "أي بديل قادم –في حال حدوث تغيير- سيواجه تحدياً كبيراً وصعوبة شديدة في دمج المكونات السورية. فالعنف بدأ يخرج بين السوريين أنفسهم بعد أن تحوّل من حالة العنف المتبادل مع النظام".
من المدنية إلى الفصائلية والتشدد
بشارة أكّد على "شعبية وسلمية ومدنية الثورة السورية"، ما دفع النظام لاستخدام العنف حين أدرك خطورة ذلك منذ البداية، لتنتهي الحال بقادة الثورة المدنية إلى "القتل والسجون والمنافي".
ولفت إلى "ظهور حالات مدنية ووطنية مشرقة" تزامنت مع الحراك الأول، إلى أن دخل عناصر استخدموا السلاح، ثم تطور الأمر إلى فصائل مسلحة لتنشأ ظاهرة "أمراء الحرب" ثم ظاهرة "الفصائل المتشددة".
وأشار بشارة إلى أن "حصول تشتت بين الفصائل وعدم توحدها وخضوعها لمرجع سياسي، أدى إلى تغييب بديل سياسي قوي على مستوى المجتمع والدولة"، مضيفاً: "إذا لم نقدم بديلاً سياسياً، فيجب أن نتحمل المسؤولية".
ولفت إلى أن "المعارضة المسلحة المشتتة والفاقدة لمرجعية قيادية موحدة، بالإضافة إلى الفصائل المتشددة منها، تشكّل حالة خوف للغرب والعرب"، معتبراً أن ما أطلق عليه "غرف العمليات" قد نشأت لـ "تضع سيطرة إقليمية على الفصائل أكثر من الانتصار على النظام. الجميع أخطأ وتحولت المسألة إلى تبادل نفوذ".
وقال بشارة: "منذ البداية حذرنا من الطائفية والعنف والتدخل الخارجي، وقلنا هذا للأطراف الدولية. في حين راح النظام يستخدم البراميل المتفجرة ومختلف الأسلحة الأخرى ضد المدنيين السوريين".
وأضاف أنه "كان يجب على المعارضة إقناع المجتمع الدولي بحماية المدنيين. لكن للأسف نشأت حالات داخل المعارضة نفسها بحاجة لحماية المدنيين من الفصائل".
النظام فشل في اكتساب الشرعية
"النظام لن ينجح" بحسب الدكتور بشارة، لأنه "لم يتمكن من اكتساب شرعية دولية رغم كل المحاولات الروسية في طلب إضفاء صفة الشرعية عليه، ومحاولات بعض الدول للتطبيع معه بهدف كسر الحظر الدولي، ولكنها لن تستطيع".
ودعا السوريين في المنافي إلى تشكيل "لوبي لدعم شعبهم" مشيراً إلى أن فريقاً من السوريين المقيمين في أميركيا نجح في ذلك.
وأشار إلى أن "حالة الشتات السوري بدأ يتحول إلى قواعد وجاليات حقيقية منظمة قد تشكل تأثيراً في السياسة الدولية" مضيفاً أن "السوريين انتشروا أكثر من الفلسطينيين، وبأن الكفاءات السورية تشابه الفلسطينية أيضاً".
الطائفية والهويات
ويرى المفكر العربي أن النظام "استطاع استرجاع الكثيرين من نقاده وضمهم إلى صفه، عبر تخويفهم من الخطاب الديني المتشدد" لافتاً إلى أن "جزءاً من المثقفين السوريين المعارضين تبنوا موقفاً متشدداً أو طائفياً للأسف".
وأشار بشارة إلى تجربة المفكر والفيلسوف "صادق جلال العظم" الذي انضم إلى الثورة السورية حتى النهاية بالرغم من وجود "تخوف مَرَضي" لدى بعض الأطراف العلمانية من الحالة الدينية، منتقداً ما ذهب إليه الشاعر السوري "أدونيس" الذي انتقد الثورة بذريعة أن الثوار "يخرجون من الجوامع".
الكيانات
وفي حديثه عن حالة "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا، قال بشارة إن القضية الكردية في سوريا تختلف عنها في تركيا" مضيفاً أن "قسد" و"الإدارة الذاتية" عبارة عن "أقلية كان لديها طموح بالسيطرة على الحسكة ثم أصبحت تسيطر على 3 محافظات في شرقي سوريا. والضامن الوحيد لهم هو التحامهم مع محيطهم العربي".
وأشار إلى أن خطراً كبيراً يتمثل في "وجود كيانات سياسية بإدلب وشمال غربي سوريا وقسد. ويجب على السوريين أن يسارعوا إلى تأسيس مظلة جامعة لهم (تشبه منظمة التحرير الفلسطينية) بصورة ما، لتجاوز هذه الكيانات، وتمكّن المجتمع الدولي من التواصل معها".
الموقف الأميركي
وعن الموقف الأميركي الجديد بعد تغيير الإدارة، أوضح الدكتور بشارة أن الولايات المتحدة لن تمنع من يريد التطبيع مع الأسد و"لكنها لا تشجع أحداً على التطبيع معه كما يفعل الروس مثلاً"، وأضاف أن الأميركان "لديهم قوانين ملتزمون بها، وهي المتعلقة بالعقوبات. والكونغرس يغلق أي محاولة للتغيير في موقف الإدارة الأميركية من الأسد".
أحداث القدس
وتطرّق المفكر العربي عزمي بشارة بصورة شاملة إلى الوضع الذي تشهده مدينة القدس في الآونة الأخيرة من جراء سياسات الاستيطان والاستيلاء على منازل الفلسطينيين في حيي الشيخ جراح وسلوان.
وقال بشارة إن "القضية مستمرة منذ 1968 وضم القدس الشرقية وتطويقها عبر بناء المستوطنات، وإنشاء الأحياء اليهودية داخل البلدة القديمة" مشيراً إلى أن الجمعيات الاستيطانية تهدف للاستيلاء على أحياء ومنازل الفلسطينيين و"تحويل القدس من مدينة وعاصمة لفلسطين إلى حي فلسطيني صغير" بحسب تعبيره,
عمليات التطبيع تشجع إسرائيل على المضي قدماً
وأوضح بشارة أن قضية القدس "تتصدر دائماً الحدث، بوصفها آخر قضية استعمارية في العالم العربي" وبأن "الرأي العام العربي لن يطبع مع إسرائيل بالرغم من تطبيع بعض الحكومات معها، إلا أن تطبيعها لن يغير رأي الشارع العربي".
وانتقد بشارة محاولات بعض أطراف التطبيع "التجريح بالفلسطينيين" معتبراً أن ذلك التصرف "لتبرير قبولهم التطبيع مع إسرائيل" وتشجيعاً لها على المضي بسياستها.
وقال إن "الشعب الفلسطيني بقي متمسكاً بأرضه رغم المجازر التي تجاوزت الـ100 مجزرة، وبقي مقاوماً خلال الكفاح السياسي وخلال الكفاح المسلح، وفي الانتفاضة الأولى والثانية وفي القدس، ولم يتوقف عن المقاومة حتى اليوم".
وأعرب عن شعوره بـ "الأمل" حيال الشباب المقدسي "الذي وقف لحماية البيوت من الانتزاع".
وأوضح بشارة أن الإسرائيليين" حذرون لأن الشعب الفلسطيني معبأ، لكنهم يعملون بنفسٍ طويل لأنهم سيعودون لسياسة الاستيطان والاستيلاء على البيوت".
وأكّد أن "النضال يحرز النتائج، فقد أوقف الاستيطان في الانتفاضة الأولى والثانية. وإذا حدث تراجع فسيعود الإسرائيليون للاستيلاء على البيوت عبر الجمعيات الاستيطانية".