تجاهلت قيادة شعبة المخابرات العامة التابعة للنظام السوري، تقارير أمنية وصلتها تفيد باختراق جهاز الموساد الإسرائيلي لشبكات الاتصالات العسكرية في سوريا، واستخدامها في تتبّع نشاط "الحرس الثوري" الإيراني وباقي الميليشيات المرتبطة به.
ولم يقتصر هذا الاختراق على شبكات الاتصالات العادية فحسب، بل شمل أيضاً الأنظمة الراديوية المشفّرة المخصّصة للاستخدام العسكري والأمني، ما يُعتبر تهديداً مباشراً على الوجود الإيراني في سوريا.
الاختراق سهل من وصول إسرائيل لأهدافها
وأفاد مصدر أمني لـ موقع تلفزيون سوريا، بأنّ انكشاف شبكات الاتصالات السورية أمام الموساد الإسرائيلي يُشابه الاختراق الذي تعرّضت له شبكات "حزب الله" في لبنان، مؤخّراً، والذي مكّن الاحتلال من بناء "بنك أهداف" حسّاس.
وسهّلت المعلومات الأمنية المتبادلة عبر الشبكات المخترقة، خلال الأسابيع الفائتة، من تنفيذ هجمات إسرائيلية في دمشق وريفها والسويداء وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس، وجميعها تركّزت ضد منشآت أو شخصيات تابعة لـ"الحرس الثوري" أو الميليشيات المرتبطة به والمدعومة منه.
وكشف المصدر أن قصف منطقة المزة في العاصمة دمشق، الذي وقع ثلاث مرات منذ بداية شهر تشرين الأوّل الحالي، جاء بعد صدور أوامر عبر أجهزة اللاسلكي الخاصة بفرع أمن الدولة.
وأضاف أنّ تلك الأوامر وجّهت دوريات أمنية للوجود قرب مبانٍ تتمركز فيها شخصيات قيادية من لبنان والعراق وإيران، مشيراً إلى وقوع القصف عقب أقل من ساعتين من صدور الأوامر.
رفع السرية عن أنشطة "الحرس الثوري"
بدأ النظام السوري، منتصف أيلول الفائت، بتعميم أوامر عبر أجهزة الاتصال العسكرية والأمنية تتضمن تعليمات بشأن شاحنات محدّدة يُمنع اعتراضها أو تفتيشها كنوع من التسهيلات والدعم الذي يُقدّمه لحلفائه، وتضمنت الأوامر في عدة مرات، مسارات تلك الشاحنات بشكل مفصل والمواقع التي تتجه إليها.
وتعرّضت إحدى الشحنات التي تتبعتها مصادر موقع تلفزيون سوريا، من خلال تعميم مماثل لقصف إسرائيلي عقب وصولها إلى مطار الثعلة في السويداء، يوم الأوّل من شهر تشرين الأول الجاري.
وبيّنت المصادر أنّ الهجوم حينها أسفر عن تدمير شاحنة من أصل أربع انطلقت من مستودعات يسيطر عليها "الحرس الثوري" في منطقة الكسوة بريف دمشق إلى مطار بلي ومطاري الثعلة وخلخلة في السويداء، ما يؤكّد استخدام إسرائيل لشبكات الاتصالات كأحد مصادر المعلومات الاستخبارية.
"تغيرات في أسلوب العمل الأمني"
غيّر "الفرع 40" التابع لشعبة المخابرات العامة، من أساليب نشر الدوريات السرية حول المواقع التي تحتضن شخصيات أو منشآت ذات صلة بـ"الحرس الثوري" الإيراني، إذ كانت الطريقة المتبعة في السابق هي نشر الدوريات بشكل سري في أوقات وأماكن محددة عند الضرورة فقط، وبهدف البحث عن أشخاص مثيرين للشكوك كالذين تتكرر حركة مرورهم قرب تلك المباني أو ممن يُصوّرون في شوارع المنطقة.
وخلال الأسابيع الماضية، بدأ الفرع بإرسال تعليمات دقيقة عن المواقع المطلوب تأمينها، تتضمن تفاصيل العناوين والأسماء، وتصل تلك التعليمات إلى عناصر الدوريات، قبل 24 ساعة من بدء المهمة، وفق المصدر.
ورجحّ المصدر حصول "الموساد" على هذه المعلومات عن أحد طريقين، الأوّل: عن طريق التنصت على اتصالات الفروع الأمنية ومراقبة نشاطها، والثاني: عن طريق عملاء داخل تلك الفروع يمرّرون تلك المعلومات المهمة إلى الجانب الإسرائيلي.
"مساعٍ لإبعاد الإيرانيين عن العاصمة"
تبعاً للمصدر ذاته، فإنّ النظام السوري بدأ، منذ أيلول الفائت، بممارسة ضغوط غير مباشرة على الإيرانيين لإبعادهم عن دمشق وريفها، وقد جاءت هذه الخطوة بعد تزايد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية في العاصمة وضواحيها.
وأشار المصدر إلى أنّ ضبّاطاً من فرع أمن الدولة نقلوا تحذيرات شفهية للمستشارين العسكريين الإيرانيين وقيادات الميليشيات التابعة لإيران، من اختراقات استخبارية إسرائيلية محتملة.
وحمَل الفرع الأمني المسؤول عن العاصمة جملة من النصائح إلى تلك الشخصيات، نصّت على تغيير مواقع إقامة القيادات الإيرانية ومراكز الاجتماعات، وكذلك تغيير أجهزة الاتصال والسيارات التي يستخدمونها في تنقلاتهم.
"استراتيجية النظام في التعامل مع التصعيد"
تبعاً للمصدر، فإنّ النظام السوري بات يخشى من استخدام إيران والميليشيات المدعومة من قبلها لاستخدام الأراضي السورية كجبهة إسناد لـ"حزب الله"، ما دفع به لتمرير معلومات استخبارية إلى "الموساد"، يفضح فيها أنشطة "الحرس الثوري" في دمشق وريفها والمحافظات الجنوبية.
وعلم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة، أنّ النظام السوري منع "حزب الله" من تجنيد مقاتلين سوريين ضمن صفوفها في جنوبي لبنان، بذريعة حصوله على معلومات استخبارية حول نية فصائل المعارضة بشن عمليات عسكرية ضد مناطق سيطرته.
ويتخذ النظام السوري نهجاً حذراً في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي تجاهه، متبنياً استراتيجية تقوم على أساس التجاهل وتجنيب نفسه فتح جبهة مع "تل أبيب"، معتبراً أنّ أي جبهة عسكرية عدا الجبهات الداخلية هي جبهة ثانوية ليس ملزماً بدخولها أو إشعالها من جانبه.
ورغم توغّل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية وتجريف أراض زراعية قرب القنيطرة، أمس الأحد، إلا أنّ النظام السوري امتنع عن الرد العسكري أو الإدانة الدبلوماسية، في حين نفى محافظ القنيطرة معتز أبو النصر جمران، كلّ الأنباء المتداولة عن حادثة التوغل، قائلاً إنّ السكّان في القرى الحدودية يمارسون حياتهم الطبيعية.