ما يميز تجربة الترجمة عند القاص العراقي "عبد الصاحب محمد البطيحي"، إضافة إلى تنوعها بين الرواية والقصة والمقالات والبحوث، نقله العربية إلى اللغات الأخرى، انطلاقاً من حرصه على نقل تجربة "الفن والثقافة"، ما سيغني القارئ الأجنبي بمقابلة قرائية مباشرة للثقافة العربية بوجهيها، الجمالي والدلالي.
وبموجب هذا تصير لتجربة الكتابة ضرورة ميدانية في تلاقح الثقافات، أحسّها المترجم البطيحي، كما يقول، عبر المنجز القصصي العراقي الذي يعتبره فناً حضارياً متقدماً في آلياته الجمالية ومكوناته الدلالية، لذا أقدم على ترجمة نصوص متنوعة الأساليب لتصل الى المتلقي الأجنبي والعربي. كحصيلة ذوقية جيدة، وجاءت في كتاب واحد، مثال "قصص عراقية قصيرة باللغتين العربية والإنجليزية".
وعرّف البطيحي القراء العرب على روائيين وقصّاصين جدد بترجمته مجموعة قصص عنوانها "الماكنة تتوقف" ضمت اثنتي عشرة قصة لمجموعة من الكتّاب الغربيين منها: قصّتا راب برادبري "المنجل وجوّال"، وقصة ألفونس دوده "الدرس الأخير"، وقصة "يوم بهيج" للكاتب الأيرلندي جويس كاري.
كما وأضاف إلى المكتبة العربية الكاتب الأميركي (أي. بي. وايت) عبر روايته "شبكة شارلوت" التي بذل فيها جهده ومعرفته ومهاراته بمجالي الترجمة والسرد خاصة، والأدب عامة.
أمانة وإبداع
يرى البطيحي أن الترجمة ذات أهمية بالغة في المجال المعرفي لدى كل الأمم، كونها تعمل وسيطاً لتواصل الثقافات فيما بينها، وينتج عنها عنصر تأثير تنتفع منه كلا الثقافتين: المرسلة والمتسلمة. وربما يتأثر القارئ بالأدب المترجم أكثر مما يتأثر بالأدب الوطني.
"الترجمة أمانة يتحمل مسؤوليتها المترجم، ومن هنا تكمن أهمية اختياره للنص حيث ينبغي عليه أثناء عملية الترجمة نقل أفكار الكاتب الأول للنص على نحو متقن"..
ويؤكد عبد الصاحب أن "الترجمة أمانة يتحمل مسؤوليتها المترجم، ومن هنا تكمن أهمية اختياره للنص حيث ينبغي عليه أثناء عملية الترجمة نقل أفكار الكاتب الأول للنص على نحو متقن، ما يعني تشابك رؤى الكاتب الأول والمترجم على نحو ما يظهر من أسلوب الأخير في الاختيار، وبما أن عملية الترجمة هي إبداع وحرص على وهج الكتابة الأولى، فلا بد أن تختلف حسب تعدد المترجمين. هناك ترجمة أمينة وهناك ترجمة يغلب عليها طابع التصرف، وهناك ترجمة ذات لغة ركيكة، وأخرى رصينة، حتى أن هناك ترجمة تأويلية تعتمد على ترجمة المعنى تبعاً لثقافة المترجم ورصيده المعرفي في اللغتين. وأنا أحرص على أن تكون ترجمتي أمينة قريبة من النص وروح كاتبه، بعيدة عن الترجمة الحرفية، كلمة مقابل كلمة".
المعلومة أولاً
تختلف نوعية الكتب التي يختارها المترجمون، وتتباين أسباب هذا الاختيار، فمنهم من يختار ترجمة ما أحب من الكتب، ومنهم من يختار الكتب التي أثّرتْ به شخصياً، ومنهم من يختار الكتب التي أقنعه أسلوب مؤلفها وطريقة استخدامه للغة، أكانت شعرية أم نثرية، ومنهم من سحره الجديد من الأفكار والمشاعر والصور، وعمق بناء الشخصيات وحواراتها وتجاربها المليئة بالمعرفة.
عند البطيحي "المعلومة أولاً"، وفي ذلك يقول: أسلوبي في اختيار النص ينطلق من اعتقادي بأن النصوص الجديرة باهتمام الترجمة هي تلك التي تنم عن النبل، تمجد الحياة، ترى الإنسان "جوهرة كل حي" كما يكتب فورستر، تتحدث عن همومه وأفراحه، عن نجاحاته وإخفاقاته، وعن تأملاته. لا تخالف الذوق والمرتكزات الأخلاقية للمجتمع الذي أعيش فيه. تجذبني المعلومة أولاً، وأتعرف على الكاتب ثانياً. ومن عادتي أن أترجم النص من دون اقتطاع جزء منه سواء أكان قصة قصيرة أو طويلة أو رواية أو بحثاً، تعينني في ذلك طريقة الاختيار. الأغلب أنني أترجم القصص وهي عادة لا يكتمل معناها الا عندما تُترجم بالكامل.
"المترجم لا يتمتع بالاسترخاء ذاته الذي يتمتع به خالق النص. فهذا الاخير ينفرد مع نفسه بأفكاره، وهو حر ليس له من شريك في عملية الكتابة"..
ويكشف البطيحي أن المترجم لا يتمتع بالاسترخاء ذاته الذي يتمتع به خالق النص. فهذا الأخير ينفرد مع نفسه بأفكاره، وهو حر ليس له من شريك في عملية الكتابة، على النقيض من المترجم الذي تقيده مهمة التعامل مع النص ومع فكر كاتبه. ناهيك عن لغة النص الأول تبعاً للزمان وأسلوب الكاتب. لنقل إن عليه أن يتصرف كما لو أنه هو الكاتب الأول، إضافة إلى أن عليه أن يبدع في تحويله النص إلى اللغة الثانية.
اللغة الثالثة
ويرى البطيحي أن ترجمة نص مترجم عن لغة أخرى لا تختلف شروطها عن الحالة السابقة سوى أن المترجم يحتفظ بمواصفات النص الذي أمامه بسبب عدم اطلاعه على النص الأول. ويشير إلى أن هذه الحالة لم ترد عنده إلا في ترجمة ثلاث قصص مترجمة إلى اللغة الإنجليزية عن لغات أخرى، كانت الإنجليزية فيها جميلة.
ويؤكد أنه في الترجمة من اللغة العربية، اللغة الأم، إلى اللغة الإنجليزية لا يشعر بالحرية ذاتها حين يترجم من الإنجليزية إلى لغته الأم، على الرغم من متعة العمل، لأنها تتحدد أساساً بمقدار التحصيل المعرفي المكتسب بسبب الدراسة، وبالجهد الإضافي لكتابة جملة إنجليزية بعيدة عن النقل الحرفي للجملة العربية.
سيرة..
عبد الصاحب محمد البطيحي، مُتَرْجِم وقاص عراقي، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ولد عام 1934 في محافظة ميسان، حصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزيَّة عام 1967. عمل في التدريس مدرساً لمادة اللغة الإنجليزيَّة من عام 1967 إلى عام 1994.
حاز العديد من الشهادات التقديرية، وفيما يأتي أبرز منجزاته الأدبيّة:
1- "تغريدة الرطب": مجموعة قصصية. 2011
2- "الماكنة تتوقف": مجموعة قصصية مترجمة عن اللغة الإنجليزية لمشاهير الكتاب الغربيين. 2012
3 – "نساء النبع": مجموعة قصصية مترجمة عن الإنجليزية. 2014
4-"حكايات الليل والنهار": مجموعة قصصية مترجمة عن الإنجليزية للكاتب الأميركي "بن لوري". 2014
5- "33 أيقونة عراقية": قصص مشتركة. 2016
6-"هزيز الفجر": قصص قصيرة مشتركة. 2017
7 – "بوح النواعير": قصص قصيرة مشتركة. 2017
8 – "الأسفار الجليلة لفواعل فنون الحداثة": بحوث نقدية مترجمة عن الإنجليزية. 2017
9- "قصص عراقية قصيرة": قصص مشتركة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية. 2018
10- "قصص من بغداد": قصص مشتركة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية. 2019
11- "نهايات": شعر "حمدان المالكي" مترجم إلى اللغة الإنجليزية. 2019
12- "شبكة شارلوت" رواية مترجمة من الإنجليزية إلى العربية. 2020
13- "حكايات السقوط والارتقاء": مجموعة قصصية مترجمة للكاتب الأميركي "بن لوري". 2022
14- نصوص مترجمة نشرت في أعداد متتابعة من مجلة "الثقافة الأجنبية" العراقية.