قبل عام ترقّب 4 ملايين سوري في إدلب نتائج قمة أردوغان وبوتين بأمل الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار بعد عام و 9 أشهر من المعارك ومئات الكيلومترات من أرتال النازحين، ومن قصر الكرملين وبعد 6 ساعات من جلسة سرية مغلقة، قُتل خلالها جنديان تركيان وملأت فوارغ الرصاص العديد من الجبهات المشتعلة، جاء الإعلان بوجوه عابسة وتصريحات غاب عنها الغزل الدبلوماسي بين الرئيسين.
حينذاك هبطت طائرات البيرقدار وأغلق الجنود الأتراك فوهات مدافعهم وراجماتهم التي ملأت إدلب خلال شهرين وجاء الوقت لأكثر من 30 ألف مقاتل من فصائل المعارضة لأخذ قسط من الراحة بعد جولات متتالية من معارك محيط سراقب الحاسمة.
اقرأ أيضاً: تصريحات أردوغان وبوتين بعد قمة إدلب وتوضيحات وزراء الخارجية
البداية من مجزرة بليون.. 33 جندياً تركياً
صباح الـ 27 من شباط من العام الفائت دخلت فصائل المعارضة بجميع تشكيلاتها مدينة سراقب وسيطرت على كامل المدينة باستثناء الجزء الصغير الواقع شرقي الطريق الدولي حلب – دمشق الذي يقسم المدينة. وسبق هذه المعركة سيطرة الفصائل على بلدة النيرب المجاورة في الـ 23 من شباط نفسه بعد 3 معارك كر وفر من البلدة خلال أيام قليلة. وساهمت المدفعية التركية المنتشرة من دارة عزة إلى محيط مدينة إدلب في التمهيد الناري لمعركتي النيرب ومن بعدها سراقب، ودمرت عشرات الآليات والنقاط لقوات النظام.
ومن سراقب انطلقت قوات الفصائل لتوسعة سيطرتها باتجاه داديخ وجوباس والترنبة، وفي الساعة الثانية ظهراً قصفت طائرات حربية نقطة تجمع للجيش التركي في بلدة بليون بجبل الزاوية جنوبي إدلب، ووصلت أول الأخبار عن مقتل 3 جنود على الأقل، إلا أن هذه الحادثة والتي تبين ليلاً أنه قُتل فيها 33 جندياً تركياً كانت الشرارة لإطلاق تركيا عملية "درع الربيع".
صباح المجزرة أوعز الجيش التركي لقواته ولفصائل المعارضة برفع الجاهزية القصوى على كافة الجبهات الممتدة من غربي حلب إلى شمالي اللاذقية، وفي الأول من آذار أعلن وزير الدفاع التركي بدء العملية.
ومنذ بداية التدخل العسكري الفعلي في إدلب في شباط من العام 2020 ولحين إعلان انطلاق العملية، تم تحييد 2212 عنصراً لـ قوات النظام، وتدمير طائرة مسيرة، و8 مروحيات، و103 دبابات، و72 مدفعية وراجمة صواريخ، و3 أنظمة دفاع جوي.
وكانت الحصيلة النهائية لعملية درع الربيع تحييد 3 آلاف و138 عنصراً للنظام وإسقاط 3 مقاتلات و8 مروحيات و3 طائرات بدون طيار وتدمير 151 دبابة و52 راجمة صواريخ و47 مدفعية و8 منصات دفاع جوي.
خلال الأيام الـ 4 الأولى من آذار 2020 شيع النظام وحزب الله والميليشيات الإيرانية عشرات القتلى، وهددت موسكو بإسقاط الطائرات المسيرة التركية وخسرت الفصائل العسكرية مئات المقاتلين بين قتلى وجرحى، وقصفت المسيرات المجهولة مطار حميميم وطالب دولت بهشلي بنزول الجيش التركي كله للوصول إلى دمشق، ولم تتوقف أرتال الجيش التركي بالدخول إلى إدلب، وامتلأت الحدود التركية بأكثر من مليون لاجئ، وتوقفت الاجتماعات بين الوفود التركية والروسية وصرّحت واشنطن والناتو والاتحاد الأوروبي وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها الشديد. هذا الحال كان يشي بأن التوتر بلغ أشده وأن الشعرة الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة قد قُطعت، إلا أن مخرجات الاتفاق في الخامس من آذار كانت غير ذلك.
يمكن القول إن معارك محيط سراقب والنيرب وفشل أكثر من 15 هجوماً للمعارضة في إكمال السيطرة عليهما والوصول إلى الطريق الدولي M5، وما يقابله من استنزاف كبير جداً لقوات النظام والميليشيات الإيرانية عبر الضربات الجوية والمدفعية للجيش التركي وفصائل المعارضة؛ كان كافياً لتقتنع جميع الأطراف الدولية والمحلية بأن المعركة لا يمكن حسمها، فلا النظام يمكن أن يصل إلى مدينة إدلب ولا الفصائل قادرة على طرده من منطقة استراتيجية، وبناء عليه كان اتفاق وقف إطلاق النار.
ما الذي حصل خلال عام؟
ما إن هدأت الجبهات حتى بادرت الجبهة الوطنية للتحرير في إنشاء معسكرات تدريب بعد أن أيقنت حجم الضعف العملياتي خلال المعارك الأخيرة، ونظمت هيكلة عسكرية وفق ألوية وكتائب اختصاص تمهيداً لتنسيق على مستوى أعلى.
وفي تشرين الأول الفائت بدأت غرفة عمليات الفتح المبين في التحضير لتشكيل مجلس عسكري ثلاثي له هدف أبعد من التنظيم العسكري لفصائل إدلب، وهو دمج هيئة تحرير الشام مع الجبهة الوطنية للتحرير في محاولة لتحقيق الالتزام التركي أمام موسكو بإنهاء التنظيمات المصنفة إرهابياً.
وحصل موقع تلفزيون سوريا نهاية كانون الثاني الفائت على تفاصيل التطور الحاصل في المجلس الذي يترأسه "محمد حوران" ممثلاً عن فيلق الشام والنقيب عناد درويش "أبو المنذر" ممثلاً عن حركة أحرار الشام الإسلامية و"أبو حسن 600" ممثلاً عن هيئة تحرير الشام.
وتتلخص خطة المجلس بتشكيل 10 ألوية من تحرير الشام و10 ألوية من فصيل فيلق الشام و5 ألوية من حركة أحرار الشام ولواء من جيش الأحرار ولواء من فصيل صقور الشام، إضافة إلى ألوية أخرى مشكلة من مجموعات من فصيل جيش العزة وبعض الكتائب المستقلة"، ومن المقرر أن يتكون كل لواء من 600 عنصر، موزعين على النحو الآتي: 100 قوات خاصة نخبة و200 قوات مشاة، و300 صنوف عسكرية باختصاصات المدفعية والقنص ومضادات الدروع والهندسة والتحصين والمضادات الجوية والاستطلاع.
في هذه الأثناء تنتظر أنقرة أن تنتهي الفصائل من تشكيل المجلس حتى "تدعمه لوجستياً"، وفق ما اقتصرت المصادر الخاصة على توضيحه.
من جانبه الجيش التركي، عمل على مدار أشهر في تحصين أكثر من 40 نقطة عسكرية له تنتشر على كامل خط الجبهة.
لا يبدو أن المعادلة التي تحققت في معارك الأيام الأولى من آذار 2020 قد تغيرت كثيراً، وبالتالي لا يوجد أي مؤشر جديد لاشتعال الجبهات التي يكسر الصمت فيها عمليات قصف محدودة بين فترة وأخرى.
اقرأ أيضاً: جبل الزاوية.. جدار دفاعي تركي يرسم ملامح التحرك المستقبلي