بعد وصول أزمة الخبز في سوريا خلال العام المنصرم، إلى مستويات تهدد مستوى المعيشة المتدهور بفعل سنوات الحرب التي يشنها نظام الأسد، ضد قطاعات واسعة من المدنيين في مناطق البلاد، عمدت حكومة النظام إلى اتخاذ عدد من الإجراءات، كان بينها توقيع عقود مع شركات روسية، لاستيراد كميات من القمح لتأمين حاجة البلاد من الخبز، تبع ذلك أنباء عن إخلاف عدد من هذه الشركات بالعقود الموقعة مع حكومة النظام، ما اضطر الأخيرة إلى الإعلان عن مناقصة عاجلة لشراء 25 ألف طن من الرز والقمح، كحلول إسعافية لأزمة القمح المتفاقمة، بعد خروج احتجاجات عدة في مناطق اعتبرت لوقت طويل داعمة لنظام الأسد، ولم تشهد احتجاجات مماثلة من قبل.
"عام القمح"
ومع استمرار العقوبات الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض احتياطي النظام من العملات الأجنبية، وكذلك امتناع مؤسسات الإدارة الذاتية، هي الأخرى، عن بيع القمح إلى مناطق النظام التزاما بالعقوبات الدولية؛ شهدت الفترة الماضية جملة من الإجراءات التي اتخذتها وزارة الزراعة في حكومة النظام، للتوسع في زراعة محصول القمح لموسم 2020-2021 وإعلانه "عام القمح"، بداية من إطلاق خطة لزراعة مساحات جديدة تقارب الـ 1.8 مليون هكتار، منتصف شهر أيلول الماضي، وصولاً إلى إعلان الوزارة في بيان صحفي أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، تعميم الخطة الإنتاجية الزراعية على المحافظين ومديري الزراعة، حيث سُمح بتجاوز النسبة المحددة لزراعة القمح ضمن الدورات الزراعية، ووضع برنامج زمني لتوريد كميات المازوت اللازمة إلى المحافظات، شهرياً ولغاية 30- 6- 2021، وذلك "بالتنسيق مع وزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية والصناعة والمصرف الزراعي التعاوني، لتوفير الأسمدة اللازمة".
وأشار البيان إلى بقاء الدعم على سعر بيع الطن من السماد الآزوتي للفلاحين، البالغ نحو 193 ألف ليرة (يتجاوز سعر الاستيراد 1.2 مليون ليرة للطن الواحد).
أما عن كيفية تأمين البذار لعمليات زراعة الكميات المخطط لها، أفاد إعلان الوزارة الأخير برفع كميات البذار المتاحة للبيع للفلاحين من 60 إلى 80 ألف طن، وتوفير الآليات والقروض قصيرة الأجل للمزارعين.
توزّع المساحات المزروعة بالقمح في سوريا في كل من محافظات:
المنطقة الشرقية:
توزعت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح لعام 2021 في المنطقة الشرقية بحسب مديريات الزراعة في المحافظات المذكورة، حيث بلغت المساحة في محافظة دير الزور، نحو 20 ألف هكتار، ومدينة الحسكة بحوالي 125200 هكتار، وفي محافظة الرقة وضعت حكومة النظام لزراعة 17200 هكتار تمت زراعة 7000 هكتار منها فقط.
المنطقة الشمالية:
بلغت المساحات المزروعة بمحصول القمح في مدينة حلب 142 ألف هكتار من أصل الخطة الزراعية المقررة من قبل النظام البالغة 204 آلاف هكتار، منها 100 ألف هكتار قمح مروي و104 آلاف هكتار قمح بعل وبنسبة تنفيذ 74 بالمئة، وفي مدينة إدلب بلغت المساحات المزروعة بالقمح في المناطق التي يسيطر عليها النظام نحو 40 ألف هكتار.
المنطقة الوسطى والساحل:
وفي سهل الغاب تشكل المساحات المزروعة بمحصول القمح نحو 40 ألف هكتار من إجمالي الخطة المقررة للموسم الحالي والبالغة 62819 هكتاراً، وبالنسبة لمدينة حمص وصلت المساحات المزروعة بالقمح المروي في حمص منذ بداية الموسم الزراعي الحالي وحتى الآن أكثر من 17861 هكتاراً بنسبة تنفيذ تجاوزت المئة بالمئة وبالقمح البعل أكثر من 24132 هكتاراً بنسبة تنفيذ مئة بالمئة.
وقدرت نسبة تنفيذ خطة زراعة القمح في اللاذقية منذ بدء عمليات الزراعة ولغاية تاريخه نحو 88 بالمئة بمساحة مقدرة تبلغ 2552 هكتاراً من إجمالي الخطة المقررة والبالغة 2900 هكتار.
المنطقة الجنوبية:
كان من المخطط أن تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في درعا في الموسم الحالي نحو 8996 هكتاراً. وتجاوزت نسبة التنفيذ الـ 100% حيث بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح 10500 هكتار بنسبة تنفيذ بلغت 116.7 بالمئة، بحسب ما أعلنت مديرية زراعة درعا.
أما في السويداء فقد صرح مدير زراعة السويداء أن خطة الزراعة توسعت بداية الموسم من 34685 هكتاراً إلى 40763 هكتاراً، ونُفذ 78 بالمئة من الخطة الزراعية المقررة في القنيطرة، والبالغة 9911 هكتاراً حيث تمت زراعة نحو 7800 هكتار.
الأرقام تتكلم: هل ستنتهي أزمة الخبز هذا العام أم ستتفاقم؟
بلغ مجموع الأراضي المروية والبعلية لتاريخ اليوم، وحسب الأرقام المعلن عنها من قبل نظام الأسد نحو 972489 هكتاراً، ما يعني أن خطة النظام لزراعة مساحات تقارب الـ 1.8 مليون هكتار لم تحقق أهدافها، وبالمقارنة مع أرقام إنتاج القمح للعام الماضي، التي بلغت 1499866 هكتاراً، يتبين أن النظام عاجز عن تقديم الحلول، حتى الإسعافية منها لتدارك ما يمكن تداركه في ظل الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتدهورة في مناطق سيطرته، وينبئ بتفاقم الأزمات لوقت أطول واستمرارها.
حرب المحاصيل بين القوى المسيطرة على سوريا
الأسئلة التي تطرحها الأرقام المعلنة، بمقارنتها مع الإمكانيات المتوافرة، والتحديات المطروحة أمامها، ومدى احتمالية تحقيق الحد المطلوب من الإنتاج الزراعي، في ظل الانهيار الاقتصادي السريع والمستمر دون توقف، والتنافس القوي مع الجهات المسيطرة في سوريا (الإدارة الذاتية، الحكومة المؤقتة، حكومة الإنقاذ)؛ يضع النظام بمأزق كبير، وينبئ بتفاقم الكارثة الإنسانية في سوريا.
جاءت عدة محاولات من النظام لاستمالة المزارعين، لشراء أكبر كمية ممكنة من محاصيلهم، وحرمان "الإدارة الذاتية" منها، فأعلن "المصرف الزراعي" التابع لحكومة نظام الأسد عن رفعه قيمة القروض التي يقدمها للمزارعين، بهدف إرضاءهم وتأمين أكبر قدر ممكن من القمح المحلي لتدني أسعاره مقارنة بالقمح المستورد.
فلم تفلح تلك المناورات مع النظام، وقام الطرفان برفع سعر الشراء أكثر من مرة ليستقر سعر "الإدارة الذاتية" عند 17 سنتاً أميركياً للكيلو، في حين ثبتت حكومة النظام السعر عند 425 ليرة سورية للكيلو غرام واحد، قبل أن ترفعه إلى 450 ليرة.
مصادر خاصة قالت لتلفزيون سوريا، في وقت سابق، إن تجاراً محسوبون على النظام وميليشيا حزب الله هرّبت كميات كبيرة من محصول القمح في ريف حمص الشمالي إلى الداخل اللبناني من مناطق (النجمة، الكم، الأشرفية، المختارية)، وذلك عقب اتجاههم وعلى مدار الشهرين الماضيين إلى شراء محصول القمح بأسعار أعلى من التي حددها "اتحاد الفلاحين" التابع لنظام الأسد، وبعد شراء القمح، من قبل التجار، أقدموا على تهريبه إلى لبنان، عبر منطقة القصير، عقب دفع إتاوة لفرع أمن "الفرقة الرابعة" التابع لقوات النظام.
وأصبح لدى المؤسسة العامة للحبوب -فرع حلب والتابعة للمؤقتة- عدد من مراكز تخزين الحبوب في مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، ويتبع لها ثلاثة مطاحن على الأقل، في إعزاز وعين البيضا وبزاعة، ومن المفترض أن تفتتح المزيد من مراكز الحبوب أبوابها لاستلام القمح خلال الفترة القادمة بعد أن جرى ترميمها بمساعدة منظمات وجمعيات إنسانية. وحددت "المؤقتة"، في العام الماضي، سعر الطن الواحد من مادة القمح 220 دولاراً أميركياً.
أما "حكومة الإنقاذ" المقربة من "هيئة تحرير الشام في إدلب، حددت مركزين لاستلام القمح، مركز إدلب ومركز راعا، واشترت "الإنقاذ" الطن الواحد من محصول القمح بسعر 240 دولاراً بحسب الإعلان الصادر عنها أواخر شهر أيار الماضي، لكن الشراء يتم فعلياً بسعر 220 دولاراً أميركياً، أي بنفس السعر المحدد من قبل "المؤقتة" في ريف حلب. وباتت "الإنقاذ" تمتلك مجموعة من المطاحن في إدلب وتسعى جاهدة إلى تخزين أكبر كميات ممكنة في محاولة منها للاستغناء عن القمح والطحين المستورد والتي يأتي بأسعار أعلى عبر تركيا.
السرقة والفساد حاضرة في كل خطط حكومة النظام
بعيداً عن البروباغندا، هناك تخوف كبير من قبل النظام على موسم القمح لهذا العام، إذ يعتمد قسم كبير منه على السقاية، ونتيجة لتأخر توريدات المحروقات خفض النظام كميات المازوت بنسبة 24%، ومع انخفاض منسوب الأمطار من جهة أخرى، يكشف مدى التأزم الحاصل، ناهيك عن نظام فاشل يدير البلاد مبني على السرقة والفساد، بل يسير الفساد فيه مسرى الدم في العروق، ليشكلا معن علاقة نفعية تعاقدية.
منذ أيام ليست ببعيدة، قال محافظ مدينة الحسكة، غسان خليل، إن هناك "سرقات وفساد" في ملف القمح، مشيراً إلى أن "الكميات المسوّقة ليست في أيد أمينة"، وأضاف خليل أن هناك هدراً وفساداً كبيرين في مراكز تخزين الحبوب، مؤكداً أن "ثمة من يعمل على عرقلة مجريات التحقيق في هذا الفساد ومعالجة سوء التخزين".
وفي مطلع كانون الأول من العام الماضي، نشرت صحيفة البعث، تقريراً يفيد بسرقة كميات كبيرة مِن القمح المستورد، تقدر بنحو 500 طن، أثناء تفريغها في مرفأ اللاذقية، وقالت الصحيفة إنّ الاتهامات تتقاذفها الأطراف المعنيّة "الناقل والوكيل البحري والمورّد".
على الرغم من تبجح النظام بعام القمح، وتخصيصه للفعالية والمؤتمرات المنادية بزراعة القمح، وجعل هذا الأمر على أول أولوياته، إلا أن الفساد حاضراً دائماً في "سوريا الأسد"، ففي منتصف شهر تشرين الثاني من العام 2020، تسلّم بعض المزارعين والجمعيات الفلاحية في مدينة جبلة بريف اللاذقية، أكياس بذار قمح فيها تسوس، ما يعجلها فاسدة وغير صالحة للزراعة، ما أجبر الفلاحين على إعادتها بعد أخذ ورد مع الجهات المعنية.
قال برنامج الغذاء العالمي، إن 9.3 مليون سوري لا يعرفون كيف سيحصلون وجبتهم التالية، وهذا العدد يمثل زيادة تعادل 1.4 مليون نسمة خلال الأشهر الستة الأولى من العام المنصرم. كما أن المنطقة الشرقية في سوريا، التي تعتبر سلة القمح في سوريا، والمورد الأساسي للنفط، أصبحت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الموالية للولايات المتحدة الأميركية.
وبذلك تحولت سوريا التي كانت تصدر القمح فيما مضى إلى دولة تعتمد على ما تورده لها روسيا من القمح، وحتى الكمية التي توردها روسيا لم تسد النقص، نتيجة لتقليص موسكو مبيعات الطحين للخارج، لتبقي على احتياطيها في الداخل خلال هذا الوقت العصيب من تفشي جائحة فيروس كورونا. وتُأثر العقوبات الأميركية على النفط والغاز الإيراني الذي يصل إلى سوريا، في نقص التوريدات لسد حاجة السوق، لذا فإن غياب ذلك المصدر الأساسي كان له تبعاته وآثاره على قطاعي الزراعة والطاقة، كما أثر ذلك على المشاريع التجارية المحلية.