وصل مجموعة من اللاجئين السوريين إلى هولندا بعد أن فتحت بيلاروسيا حدودها في الأشهر الماضية، وبعد ثلاثة أسابيع قضوها في العاصمة البيلاروسية مينسك، والآن هم في مركز طالبي اللجوء في مدينة بودل الهولندية.
متعبون وضائعون، هذا ما يبدون عليه وهم يصطفون في الكافتيريا لتناول العشاء المكون من النقانق والبطاطا المهروسة في مركز طالبي اللجوء في مدينة بودل جنوب هولندا، بحسب تقرير لصحيفة "ألخمين داخبلاد" الهولندية.
قبل ثلاثة أسابيع، وخارج مركز تسوق في ضواحي مينسك، عاصمة بيلاروسيا، كان الشبان يشترون المياه والمصابيح الكهربائية قبل ركوب سيارة أجرة إلى الحدود مع بولندا.
يقول اللاجئ السوري وليد (26 سنة): "يخبرنا جميع السوريين الذين تمكنوا من الوصول إلى هولندا أن الهولنديين ألطف بكثير من الألمان".
"علاوة على ذلك، يبدو أن الجميع هناك يتحدثون الإنجليزية"، بحسب ما يقول وليد المنحدر من مدينة السويداء جنوب سوريا.
ويأمل المهندس وليد في الحصول على وظيفة في هولندا، ويقول: "حتى لو اضطررت إلى البدء في مطعم، فأنا سأفعل ذلك بكل سرور .. طالما يمكنني العمل والعيش في هذا البلد الجميل".
"بيلاروسيا خيارنا الوحيد للخروج من الجحيم في سوريا"
ها هو وليد الآن في بودل، في ثكنة عسكرية سابقة، على سرير بطابقين في غرفة ضيقة يتقاسمها مع أربعة رجال آخرين، ويتابع حديثه للصحيفة: "لقد مررنا بالكثير في الأسابيع القليلة الماضية .. إنها تبدو وكأنها حياة كاملة في حد ذاتها".
منذ أشهر، دعا الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو السوريين والعراقيين واليمنيين للسفر عبر بلاده إلى أوروبا، لوكاشينكو يفعل ذلك لمعاقبة الاتحاد الأوروبي على عقوباته التي تم فرضها ضد بلاده، أما طالبو اللجوء فيرون ذلك "فرصة ذهبية"، ويريد معظمهم الذهاب إلى بريطانيا وألمانيا.
استخدم وليد وأصدقاؤه كل مدخراتهم لشراء تذاكر الطائرة إلى مينسك ودفعوا أموالاً كثيرة لمهرب كي ينقلهم إلى هولندا بمجرد عبورهم الحدود، يقول وليد : "كانت بيلاروسيا خيارنا الوحيد للخروج من الجحيم في سوريا".
ركبوا سيارة أجرة من مينسك إلى بلدة غرودنو، على بعد 15 كيلومتراً من الحدود مع بولندا، هناك قابلهم رجال يرتدون الزي الرسمي ساروا بهم نحو الحدود البولندية عبر منطقة عازلة مليئة بالأشجار، يقول وليد: "بمجرد وصولنا إلى الحدود، قطع حرس الحدود الأسلاك الشائكة وتمكنا من دخول بولندا".
لكن حرس الحدود البولنديين دفعوهم بقوة على الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة إلى الخلف.
جربوا دخول بولندا من ثلاثة أماكن وقطعوا الأسلاك الشائكة لكن كان يتم القبض عليهم وإجبارهم على العودة مرة أخرى، وفي كل مرة كانوا يعودون إلى المنطقة العازلة على الحدود.
ويقول طالبو اللجوء السوريون إن حرس الحدود البيلاروسي كانوا يضربونهم بالهراوات وأغصان الأشجار، ويصف اللاجئ السوري قصي (27 سنة) ما حصل معهم بأنه "كان مهيناً". خلع قصي قميصه ليكشف عن الكدمات على ظهره وذراعيه.
بعد المحاولة الثالثة الفاشلة، قرروا الانتقال إلى مكان آخر من الحدود، وهو منطقة مرتفعة جداً بشكل جهنمي لكن الأمر انتهى بهم في مستنقع وكادوا يغرقون، يقول اللاجئ السوري شادي (24 عاماً) وهو لا يستطيع السباحة "ظننت أن نهايتي قد حانت".
خوف ويأس
وفي اليوم السابع، نفد الطعام والماء من المجموعة، وقال عدي "نظر حرس الحدود البولنديون إلينا من الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة وسكبوا المياه على الأرض وضحكوا علينا"، ويضيف عدي الذي يبلغ من العمر 23 عاماً: "لم ينظروا إلينا كبشر بل عاملونا ككلاب".
في حالة من اليأس، وعلى الرغم من المخاوف من تعرضهم لمزيد من الضرب، عاد الرجال إلى حيث بدؤوا، وسألوا عما إذا كان حرس الحدود البيلاروسي يمكنهم المساعدة في العبور مرة أخرى.
مع قرابة 200 طالب لجوء آخر، تم نقلهم بعد ذلك في شاحنات صغيرة واتجهوا جنوباً لمدة أربع ساعات، باتجاه مدينة بريست، هناك، بنى الحراس جسراً خشبياً عبر الحدود البولندية.
يقول وليد: "كان الأمر مخيفاً"، طاردهم الحراس البيلاروسيون عبر الجسر وأمروهم بمواصلة الجري، رغم أنهم سمعوا طلقات نارية، إلا أنهم واصلوا الجري لأن أولئك الذين سيعودون سيتعرضون للضرب مرة أخرى، ويضيف وليد "كنا نريد البقاء على قيد الحياة".
استمر الأصدقاء في الجري، وافترقوا لكنهم وجدوا بعضهم بعضا مرة أخرى في محطة قطار صغيرة، قال عدي: "لقد فعلناها .. كانت معجزة".
في بولندا، أخذهم مهرب سوري كانوا قد اتصلوا به سابقاً في مينسك، إلى مخبأ في ألمانيا، وخلال الرحلة التي استغرقت تسع ساعات بالسيارة عبر بولندا إلى الحدود الألمانية، لم ينبس ببنت شفة.
أمضوا الليل في شقة في شرق ألمانيا، وفي صباح اليوم التالي، اقتادهم المهرب غرباً إلى الحدود مع هولندا، وصلوا الأسبوع الماضي إلى مدينة فينلو ثم توجهوا على الفور إلى الشرطة الهولندية لطلب اللجوء.
وليد وأصدقاؤه يصفون الحياة في مركز اللجوء أكثر صعوبة مما توقعوا، ويقول وليد "هولندا رائعة لكنها صعبة، لا نحصل على كثير من الطعام وليس لدينا ملابس دافئة".
"فرص بقائهم في هولندا جيدة"، كما تقول إيفنا بلومهافل من مؤسسة مساعدة اللاجئين "vwn"، وتضيف: "سوريا لا تزال تعدّ دولة خطرة".
وشرحت إيفتا لوليد وأصدقائه أن الأمر قد يستغرق ستة أشهر قبل أن يعرفوا ما إذا كانت قد تمت الموافقة على طلب لجوئهم، بعد ذلك، قد يستغرق الأمر ستة أشهر أخرى قبل أن يتم تخصيص منزل لهم، ويقول قصي: "يمكننا الانتظار طالما أننا لسنا مضطرين للعودة".
ويخيم مئات طالبي اللجوء حالياً في ظروف مروعة في أكواخ بالقرب من الحدود أو في شوارع مينسك، وأحدهم هو أفرون، وهو كردي عراقي يبلغ من العمر 16 عاماً كان متفائلاً أيضاً قبل ثلاثة أسابيع في مينسك، لكنه لم ينجح بالوصول إلى أوروبا، وكتب في رسالة نصية "انتهت صلاحية تأشيرتي ولم تعد عائلتي قادرة على إعالتي (..) أنام في الشارع وأستجدي الطعام".