يبدو أن رحلة النزوح والخوف بالنسبة لعائلة "السقا" السورية لم تنته بعد، فما أن بدأت بالاستقرار في حياتها الجديدة في هولندا بعد أن هربت من الحرب في سوريا حتى عادت مرة أخرى للهرب بحثاً عن أمان لكن هذه المرة خوفاً من جيران تصفهم بـ "عنصريين" حولوا حياتها إلى حياة أشبه بأفلام الرعب، لكن الجيران الهولنديين ردوا بدورهم في المقابل على اتهامات عائلة السقا باتهامات "مشابهة".
وتروي هبة زوجة محمد السقا المنحدرة من حلب (36 عاماً) لموقع "تلفزيون سوريا" أن "عائلتنا كانت تعيش حياة مستقرة وآمنة"، مشيرة إلى أن الحكاية بدأت عندما انتقل إلى الحي الذي تسكن فيه عائلة السقا عائلة هولندية مكونة من رجل وامرأة وابنتهم بدؤوا بمضايقتهم.
وتوجد عائلة السقا المكونة من سبعة أفراد في منزل أحد أقاربهم في بلجيكا بعد أن طلب منهم المسؤولون في بلدية "هيرلين" مغادرة البلدية حرصاً على سلامة الأطفال من "الخطر"، وقالت زوجة محمد السقا إنه "منذ فترة سبع شهور سكن بقربنا جار جديد، واصفة إياه بـ"العنصري"، وقالت "منذ أول يوم قدم شكوى للشرطة الهولندية في بلدية هيرلن وأقنع الجيران كي يوقعوا عليها".
إساءات من "العيار الثقيل"
وأشارت هبة إلى أن "مشكلتنا أننا لا نستطيع التكلم باللغة الهولندية ولا نعرف ماذا قال للجيران عنا (..) كما أننا لا نعرف كيف ندافع عن أنفسنا"، وبحسب السقا "صار الجار الهولندي كل يوم يقوم باختلاق مشكلات ويشتكي ضدنا للشرطة"، لافتة إلى أن زوجها أيضاً اشتكى عليه للشرطة (..) كان يسيء لأطفالنا ويضربهم ويرمي عليه القاذورات والبيض وو.. وطبعاً نحن لا نرد عليه ونخبر المسؤولين في البلدية والشرطة ولكن للأسف الشرطة تسمع منه وتصدقه رغم أننا صورنا فيديوهات".
وأضافت بأنه "قبل فترة وصلت إلينا رسالة بريدية تنص على أننا يجب أن نخرج من المنزل بحجة أننا نسبب ازعاجا للجوار"، مشيرة إلى أن زوجها عين "محامي وأعطيناه كل الفيديوهات (..) وفي المحكمة القاضي حكم لنا وربحنا القضية"، لافتة إلى "أن زوجها قال للقاضي لم نعد نستطيع التحمل ونريد الخروج من المنزل لكن القاضي حكم ألا نخرج من المنزل".
وقالت زوجة السقا إنه وبعد أن وصل لجارنا رد المحكمة بدأ معنا بما سمته "العيار الثقيل" وأرسل إلينا 15 شابا وكان معهم سكاكين وتهجموا علينا في البيت.
وأضافت "قدمنا شكوى للشرطة لكن الشرطة لم تقم بأي إجراء لأن الشبان كانوا مراهقين وأعمارهم كانت صغيرة حوالي 17 عاما "، وتشير زوجة السقا الى أن "حياتنا توقفت وأطفالنا باتوا غير قادرين على الذهاب إلى مدارسهم.. لأن الشبان الهولنديين كانوا يضايقون أطفالنا ويضايقوننا حتى صرنا نخشى الخروج من البيت".
وتابعت "ثم قالت لنا المدرسة إن هذا ممنوع ويجب على الأطفال الذهاب إلى المدارس وقلنا لهم نحن نريد لكننا نخاف على أولادنا"، مضيفة بأنه "في إحدى المرات تهجم علينا هذا الجار في منزلنا وتشاجر مع زوجي داخل المنزل وكان يحمل في يده عصا وسكينة وصار يضرب زوجي كالمجنون وحاول زوجي إخراجه من المنزل وكانت ابنتي تصرخ حينها.. لقد عشنا حالة من الرعب".
"كما أرسل إلينا شبابا مراهقين كانوا يرمون مفرقعات نارية قوية ما أدى الى احتراق جزء من حديقة المنزل إلى أن جاءت سيارة الإطفاء وقامت بإطفاء الحريق"، وفقا لزوجة السقا التي أشارت إلى سوء الوضع النفسي لها ولعائلتها في ذلك الوقت لافتة بالقول: إننا أخبرنا الشرطة بالحادثة وأبلغنا عنه "لكن الشرطة لم تقم بأي إجراء ضده".
"تهديد"
بدوره، قال محمد السقا (40 عاما) لموقع "تلفزيون سوريا" إنه بعد ذلك "طلبت البلدية منا مغادرة البيت والمنطقة لأن هناك خطر على حياة الأطفال فقررنا الذهاب إلى أقاربنا في بلجيكا منذ فترة ونحن الآن هناك (..) والبيت صغير جداً وننام كلنا في غرفة صغيرة. وكانت البلدية قد عرضت علينا منزلا لكننا رفضناه لأنه في منطقة غير (مخدمة) ونحن نريد أن نسكن في منطقة يكون فيها مشفى لأن ابني معاق ذهنيا وأحياناً يصاب باختلاج ما يدفعنا لنقله إلى مشفى" بحسب ما قال السقا.
وأضاف "نحن نحتاج منزلا يراعي ظروف ابني أيضاً لأنه أيضاً لا يستطيع أن يمشي دون مساعدة (..) فأنا من أطعمه وأحممه لأنه لا يدرك ما يجري من حوله"، مشيرا إلى أنه "يعاني من ضمور في الدماغ".
وذكر السقا أن البلدية تقول بأنها "تبحث لنا عن منزل لكن يجب أن تنتظروا لأنه لا يوجد بيوت خالية حالياً"، لافتا إلى أنهم "يطالبوننا بالقبول بأي منزل دون مراعاة لظروف ابننا.. ويهددونا إذا رفضنا المنزل المقترح من قبلهم سيأخذون الأولاد منا لرعايتهم".
تحرش بقاصر وهجوم من كلب
كما اتهم محمد السقا جاره الهولندي بـ"التحرش" بأولاده في الشارع عند ذهابهم إلى المدرسة أو إلى السوبر ماركت، لافناً إلى أنه في إحدى المرات ترك كلبه يهجم على أولاده لا سيما ابنته وعمرها سنة ونصف.
وقال السقا إن جاره الهولندي يكره السوريين والعرب، مضيفاً بأن ارتداء ابنته للحجاب (16 سنة) كان يغضب جاره الذي كان يسألها عن سبب ارتدائها له، وأشار إلى أنه "في إحدى المرات اعتدى على ابنتي وحاول خلع حجابها".
كما "تحرش الجار الهولندي بابنتي" حسبما قال السقا الذي عرض صورة تظهر احمراراً على يد ابنته قائلاً إن "الجار حاول أن يأخذها بالقوة إلى منزله".
ولفت السقا إلى أن ابنته "باتت تخاف الخروج من المنزل.. والآن هي وباقي أطفالي يرون كوابيس أثناء نومهم بسبب اعتداءات الجار الهولندي العنصري"، مطالباً السطات الهولندية بمحاسبة جاره على ما قام به.
وأشار السقا الذي تواصل مع موقع "تلفزيون سوريا" من بلجيكا إلى أن جاره الهولندي استطاع في البداية تحريض الجيران ضده، لكن "الآن معظم الجيران الهولنديين يصطفون إلى جانب عائلتي".
وأضاف محمد السقا بأنه "على تواصل الآن مع البلدية لإيجاد حل للأزمة بما يضمن سلامة وأمان عائلتي"، مشيرا إلى أنه لا يريد البقاء في كل المدينة.
اتهامات "مقابلة"
من جانبها، قالت جارة محمد السقا الهولندية في تدوينة مطولة نشرتها على حسابها الشخصي في موقع فيسبوك إنها "بتاريخ 16-12-2019 انتقلنا بعد فترة صعبة طويلة بالنسبة لي ولابنتي إلى منزل جديد لبداية جديدة مع زوجي وابنتي"، مضيفة أن "ما كان رائعاً بالنسبة لنا تحول إلى كابوس في غضون أسابيع قليلة".
واتهمت المرأة الهولندية جارها السقا بأنه كان يتتبعها في كل مكان تذهب إليه، وزعمت أنه كان يلتقط لها الصور ويتحرش بها، وزعمت أنه أصبح بعد فترة "مزعجاً وعدوانياً تجاهي (..) وحاولت باستخدام ترجمة جوجل أن أخبره بلطف أنه يجب أن يتركني وشأني".
كما ادعت أنه كان يسيء لها وأحياناً كان يفعل ذلك مع ابنه البالغ من العمر 17 عاماً (المعاق ذهنياً)!"، مشيرة إلى أنها اتصلت بالشرطة عدة مرات (…) لكنه لم يُعاقب من قبلهم"، بحسب قولها.
وقالت إن "سلوكه أصبح أكثر تطرفاً بعد ذلك وأطفاله كانوا يسبون ويبصقون علي"، متهمة إياه أيضاً بتهديدها بالعصا، لافتة إلى أنها أبلغت الشرطة لكنها "كانت تأتي ولا تفعل شيئا".
وأشارت في منشورها أنه في الثلاثاء الماضي كان لديها موعد مع شركة المنازل، وقالت إنهم أخبروها بأن "عقدنا لن يتم تجديده بعد يوم 26-12-2021 بسبب السلوك المعادي والعدواني".
بدوره نفي محمد السقا كل الاتهامات الواردة أعلاه، جملة وتفصيلاً، قائلاً "كل كلامها كذب، أين الدليل على كلامها"، مشيراً إلى أن ابنه محمود "معاق ذهنياً وهو لا يفهم ما يجري حوله".
البلدية تسعى لحل جيد
من جانبها، علقت بلدية هيرلين في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك على حملة السوريين (أنا متضامن مع عائلة السقا) قائلة في تدوينة "نرى كثيرا من ردود الفعل على صفحتنا على الفيسبوك حول الاضطرابات بين الجيران التي تشمل عائلة سورية".
وقالت البلدية لإنها "تتفهم أن هذا مصدر قلق"، مضيفة أن "لدينا اتصالات وثيقة مع أصحاب العلاقة وغيرهم لإيجاد حل جيد".
وعلى مدار الأيام الماضية تداول اللاجئون السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صورا ومقاطع فيديو تظهر اعتداءات الجار الهولندي على عائلة السقا ودشنوا حملة على الفيسبوك لدعم العائلة السورية ولاقت الحملة اهتماماً ومشاركة واسعة من قبل اللاجئين على الصفحات التي تعنى بشؤون السوريين في هولندا.
ويخشى اللاجئون السوريون في هولندا بحسب ما تداولوا على صفحات الفيسبوك أن تتكرر مثل هذه الحالات مع آخرين، ما جعلهم يطالبون بوضع حد للعنصرية في هولندا ومحاسبة الرجل الهولندي على ما قام به.