تجوب الصحفية الهولندية، سونيا فان دن إندي، ساحات المعارك في أوكرانيا برفقة الجيش الروسي، منذ بداية آذار/مارس الماضي، لتروّج للرواية الروسية، مثلما روجت سابقاً لتلميع صورة نظام الأسد سياسياً في هولندا.
من هي الصحفية الهولندية "الوحيدة" التي تروج لنظامين ارتكبا جرائم ضد الإنسانية بحق الشعبين السوري والأوكراني؟
بحسب موقع "بوينتر" (pointer) الهولندي، تمكنت سونيا من الوصول إلى آلاف المتابعين عبر بثها مقاطع فيديو ونشر المدونات الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لبثت دعايتها في تبييض صورة المجرمين.
وتقول الصحفية الهولندية "أنا أقول ما رأيته.. هذه ليست دعاية روسية، هذه حقائق".
لا تحظى فان دي إندي بشهرة واسعة في هولندا، إلا أنها تلعب دوراً في ترويج الدعاية الروسية وقبل ذلك دعاية نظام بشار الأسد لتبرير مجازره ضد السوريين.
وتعترف الصحفية الهولندية بأنها كانت متزوجة بأحد الأشخاص من "عائلة بشار الأسد".
"شكراً لك يا سيد بوتين"!
سافرت فان دن إندي سابقاً إلى سوريا عدة مرات لإبلاغ الناس بشكل إيجابي عن حملة الأسد القمعية ضد الشعب السوري، والتي ساعده فيها بوتين عسكرياً، وكتبت على فيسبوك: "شكراً لك يا سيد بوتين على دفاعك عن الشعب السوري".
هي الآن المراسلة الهولندية الوحيدة في أوكرانيا التي ترافق الجيش الروسي، وتروج لوجهة نظر موسكو عن الحرب، ولديها آلاف المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها الخاصة ووسائل الإعلام البديلة الوطنية والدولية.
"الروس محررون والأوكران إرهابيون"
في معركة مصنع الصلب في ماريوبول، ظهرت الصحفية الهولندية مرتدية خوذة على شعرها الأسود وسترة واقية من الرصاص مموهة، وخلفها يزحف جنود روس وأشخاص يحملون كاميرات، كتبت لاحقاً على مدونتها عن هذه الزيارة: "تم تحرير المصنع من قبل الروس في نيسان/أبريل، وجدوا كثيرا من الضرر وفي المخازن كانت هناك سيارات متحركة محلية الصنع عليها رشاشات. أصبح هذا الشكل من الحرب شائعاً في سوريا والعراق.. حرب قام بها الجهاديون برعاية الغرب".
الصوت في الفيديو سيئ، فان دن إندي بالكاد مفهومة، لكن الرسالة واضحة: الروس محررون.. الأوكرانيون إرهابيون مدججون بالسلاح، يدعمهم الغرب. بينما يتحدث العالم عن الغزو الروسي وعما إذا كانت روسيا ربما استخدمت الأسلحة الكيميائية في غزو مصانع الصلب، تقدم فان دن إندي الروس على أنهم أبطال.
كيف صارت جزءا من "الدعاية"؟
توضح الصحفية الهولندية في مقابلة مع صحيفة "أندرا كانت" (Andere Kant) كيف أصبحت جزءاً من مروجي "البروباغندا الروسية"؟ وقالت "في البداية دُعيت لحضور مؤتمر في موسكو وسُئل من يريد الانضمام كصحفي، وقمت بتسجيل اسمي".
كان المؤتمر من تنظيم ألكسندر دوغين "اليميني المتطرف"، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الكرملين، في مطلع آذار/مارس الماضي.
في كتابه أسس الجغرافيا السياسية (1997)، يجادل دوغين بأن روسيا يجب أن تصبح مرة أخرى "قوة عظمى"، ويجب على روسيا استخدام المعلومات المضللة وزعزعة الاستقرار مطالباً بضم أوكرانيا لأن أوكرانيا المستقلة تقف في طريق القوة العظمى الروسية.
أما في الملف السوري، تقدم فان دن إندي رواية مخالفة لما يجمع عليه الإعلام الغربي، وتتهم في تغطيتها الولايات المتحدة وإسرائيل بارتكاب جرائم قتل جماعي وتشكر بوتين والجيش الروسي حليف نظام بشار الأسد السوري على الدفاع عن الشعب السوري.
تورط فان دن إندي في سوريا ودعمه لروسيا لم يظهر فجأة فهي عضو في الحزب الشيوعي الجديد (NCPN) بدأت في مجموعة العمل "الحرب ليست حلاً" في عام 2013 احتجاجاً على التدخل الغربي في سوريا.
وهي عضوة في اللجنة السورية الهولندية ومؤسسة "يداً بيد من أجل سوريا" وبدأت مدونة إخبارية بديلة لتغطية الحرب في سوريا، حيث تكتب الآن بشكل مكثف عن أوكرانيا.
كما كتبت الصحفية كتاباً يتحدث عن انتصار الأسد في الحرب ضد الغرب، ويفند "شيطنة" وسائل الإعلام الأسد.
زوجة أحد أقارب بشار الأسد!
عاشت فان دي إندي سنوات في سوريا، وكانت متزوجة من رجل سوري وتقول: "زوجي السابق سوري، هو قريب مباشر لبشار الأسد" ما يدل على ارتباطها بالنظام السوري.
ونشرت كتاب من تأليفها في عام 2012 تصف حياتها "بين العلويين، طائفة بشار الأسد".
هذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها فان دن إندي في جولة دعائية عبر منطقة حرب، ففي عام 2015، غادرت إلى سوريا مع وفد من اللجنة السورية الهولندية لمصافحة عناصر النظام.
زارت برفقة مسؤولين كبار في الناظم السوري الجنود الجرحى في المستشفى، وفي نهاية آب/أغسطس من العام نفسه، بعد زيارة وزير الإعلام، شاركت في "مؤتمر صحفي كبير" تروي فيه على الهواء مباشرة ما شاهدته في 15 قناة تلفزيونية في الشرق الأوسط، "لقد قدم لنا (الوزير) كثيرا من الأدلة حول الجهاديين ومن في حكمهم. سننقل هذه المعلومات لوسائل الإعلام والجمهور في هولندا"، بحسب ما كتبت فان دن إندي عن الاجتماع مع وزير الإعلام.
بعد أربعة أسابيع، ظهرت فجأة في سوبر ماركت في موسكو لإثبات أن العقوبات الأوروبية - التي فُرضت في ذلك الوقت بسبب تورط روسيا في الصراع في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم - لا تؤثر على البلاد.
أقامت بدير في قارة
في تشرين الأول/أكتوبر 2018، عادت فان دن إندي إلى سوريا، وهذه المرة أقامت بدير في مدينة قارة بريف دمشق، مع الأب دانييل مايس والراهبة أغنس مريم، وفي إحدى الزيارات إلى سوريا سافرت مع مايس الذي نشر سابقاً كتاباً بعنوان "بوتين والأسد أنقذا حياتنا" عبر دار النشر “Blauwe Tijger".
دار النشر هذه تعتبرها الحكومة الهولندية في تقييم "التهديد الإرهابي" لعام 2020 بأنها تنشر "الدعاية المناهضة للحكومة والأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة".
أما الراهبة أغنس مريم معروف عنها دعمها لنظام الأسد والترويج له، واستخدمت روسيا تحقيقاتها لإنكار الفظائع في سوريا.
كما تنظم جولات صحفية مؤيدة للأسد في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2011، وهي واحدة من أبرز منتقدي الثورة السورية.
وحصلت في عام 2016 على جائزة "فيميدا" في روسيا عن عملها في سوريا.
تظهر صور مختلفة على صفحتها على Facebook أن فان دن إندي سافرت إلى الأردن وسوريا مع ميس وأغنيس مريم في نهاية عام 2018.
من مدينة قارة بريف دمشق، تنشر رسائل توضح أن السكان المحليين بخير وأن جيش النظام السوري يحميهم.
تكتب أن العالم الغربي بقيمه المسيحية كان سيتسبب بالعديد من الضحايا بمساعدة تنظيم "القاعدة"، وتلتقي بجنود تابعين للنظام وتحتفل مع مايس بـ "بداية جديدة لسوريا".
وفي إحدى جولات فان دي إندي في سوريا، ظهرت في مدينة حمص المدمرة، والتي تقول إنها لم تدمر بالقنابل "على عكس ما تريدنا الحكومات الغربية تصديقه، إن فكرة أن الأسد يقتل شعبه هي كذبة كبيرة. لقد رأيت كثيرا من الأدلة. سأشاركها معكم جميعاً في مقالات في الأيام المقبلة".
صور رفوف سوبر ماركت ممتلئة في موسكو، ومقابلات مع المواطنين الذين يستعيدون حياتهم من جديد بعد "التحرير"، واجتماعات مع كبار المسؤولين، والمشاركة في المؤتمرات الصحفية الكبرى وأخبار الحرب الروسية في أوكرانيا، هذا ما تراه في حساب الصحفية الهولندية على فيسبوك ويوتيوب.