ما إن دعا النظام في سوريا، عبر مؤتمر نظمه في دمشق لعودة اللاجئين المنتشرين في شتى أصقاع الأرض، حتى بدأ السوريون يعبرون عن مخاوفهم من العودة الى "حضن الوطن"، لكن اللافت أن معظم الشبان السوريين في دول اللجوء، ولا سيما في الدول الأوروبية كانوا يتحدثون عن كابوس مشترك يؤرق حياتهم منذ بداية لجوئهم حتى الآن.
"وسيم" لاجئ سوري، مرت أكثر من خمس سنوات على خروجه من سوريا ويعيش اليوم في قرية وادعة قرب مدينة لاهاي، لكن كوابيس "الخدمة الإلزامية" ما زالت تلاحقه حتى الآن.
يقول وسيم لموقع "تلفزيون سوريا": "أحلم بين الحين والآخر بأني عدت إلى بيتي في دمشق ولا أستطيع الخروج من باب المنزل لأن هناك حاجز لقوات النظام في حينا".
ويتابع: "أنا مختبئ في غرفتي والكهرباء مقطوعة.. وهناك مداهمات في منزل جيراني ولا أعرف إن كانت قوات الأمن ستدهم منزلي أيضاً أم لا" هذا أيضاً واحد من الكوابيس المرافقة لوسيم وعادة ما يدفعه هذا الكابوس للاستيقاظ ليلاً وربما يبقى مصدوماً لوهلة لا يعرف أين هو حتى يدرك بعدها أنه في هولندا ليحاول جاهداً النوم مرة أخرى.
وسيم لم يكن يخشى الخدمة الإلزامية خوفاً من الحياة العسكرية وقسوتها لكنه يخشى أن يجد نفسه على جبهة القتال إما قاتلاً للأبرياء أو مقتولاً لأنه يرفض الأوامر العسكرية من ضباط النظام، بحسب قوله.
هواجس وكوابيس
"محمد" لديه أيضاً قصة مشابهة، ويروي لموقع "تلفزيون سوريا" كيف أن هواجس الخدمة الإلزامية ما زالت تلاحقه في هولندا بعد أن عانى من هواجسها في كل مراحل الثورة السورية وخصوصاً في بداياتها.
يقول محمد (فلسطيني- سوري) من مخيم اليرموك جنوبي دمشق: "كانت بطاقتي الشخصية تالفة وكنت ملزماً باستخراج بطاقة جديدة بسبب الحواجز التي انتشرت في ريف دمشق آنذاك"، ويضيف محمد الذي يسكن قرب مدينة دوردرخت الهولندية: "وعند صدور عفو من رئيس النظام في نهاية 2011 ذهبت لشعبة التجنيد لاستخراج بطاقة جديدة حيث كنت أعتقد أن العفو يشمل المتخلفين عن الخدمة الإلزامية.. وبعد دخولي بدقائق إلى شعبة التجنيد تم التحفظ علي ووضعي بغرفة صغيرة أشبه بالزنزانة.. لكن مبلغ ألف ليرة كانت بحوزتي حينها أنقذني وغيرت مصير حياتي".
"الخدمة الإلزامية" أجبرت محمد على البقاء في مخيم اليرموك أثناء الحصار وذاق حينها ويلات الحصار والقصف والبراميل المتفجرة، يقول محمد " ببساطة رفضت الالتحاق بجيش النظام لأني لا أريد أن أصبح قاتلا".
هواجس "الخدمة الإلزامية" لم تغادر محمد بعد أن غادر البلاد وبقيت تلاحقه في أوروبا أيضاً ويقول "بعد وصولي لهولندا بقيت هواجس الخدمة الإلزامية تطاردني فمرة أسأل عن الطريق بين المدن عند تنقلي لزيارَة أحد أقاربي أو أصدقائي، وتارة أتجنب المشي بالقرب من الشرطة بشكل لا إرادي"، كما أن "كوابيس تجاوز حواجز النظام في المنطقة التي كنت أعيش فيها لا زالت ترافقني حتى الان"، بحسب قوله.
اللاجى "أنس" ينحدر من مدينة دير الزور ويسكن حالياً قرب مدينة "الميرا" الهولندية، لديه رواية أيضاً حول تلك الكوابيس، فهو يرى نفسه وكأنه على جبهة المعارك ويجبر على قصف الأحياء السكنية، ويضطر في الكابوس لاستهداف المدنيين.
ويتناقل اللاجئون السوريون قصصاً لا تعد ولا تحصى عن الفترات الصعبة التي عاشوها في البلاد منذ بداية الثورة حتى يوم خروجهم من سوريا.
وغادر عشرات الآلاف من الشبان السوريين البلاد، خلال أكثر من تسع سنوات أعقبت الثورة السورية، لرفضهم الالتحاق بصفوف جيش النظام الذي قصف البشر والحجر بشتى أنواع الأسلحة، في جميع المدن والقرى التي ثارت ضده.
"صدمة نفسية"
موقع "تلفزيون سوريا" التقى الاستشاري والطبيب النفسي "آرام حسن" بهدف الحصول على تفسير طبي لتلك الكوابيس التي يعاني منها السوريون في الخارج، حيث قال: إن "الكوابيس من أكثر الأعراض الدالة على تعرّض الشخص لصدمة نفسية".
وأضاف حسن بأنهم في مركز "كوتيم" الاستشاري، الذي يديره في مدينة روتردام الهولندية، عالجوا منذ عام 2017 أكثر من 110 حالات لمصابين بصدمات نفسية، وأغلبها كان تعاني من الكوابيس، ومن ضمنها حالات لشبان يعانون من الخوف في حال عودتهم إلى سوريا إن كانوا سيجبرون على الالتحاق بالخدمة الإلزامية"، مشيراً إلى أن "هذا الموضوع مرتبط بالصدمة النفسية".
ولفت إلى "الإنسان حين يمر بحالة معينة ويقوم بإجراء حسابات مستقبلية خوفاً من شيء يتوقع حصوله، فمن الممكن أن يراه في الأحلام على شكل كابوس، في حالة اللاوعي".
وفيما إذا كانت تلك الكوابيس حالة "مرضية" مستدامة أم أنها ستختفي بعد فترة زمنية، قال حسن: من الممكن أن تختفي الكوابيس وحدها بلا سبب لكن في أغلب الأحيان تتفاقم وتتحول إلى صدمة نفسية.
وأضاف أنها من الممكن أن تكون "مزمنة وتتحول إلى اضطراب ما بعد الصدمة"، مشيراً الى إمكانية أن تتسبب في مشكلات اجتماعية وعائلية، وفي بعض الأحيان قد تتسبب بنسبة 70% في إصابة أشخاص بحالات اكتئاب مزمن أو خوف شديد أو الإدمان".
وعن العلاج لتلك الحالات، أفاد حسن أن العلاج الرئيس لما بعد اضطراب الصدمة النفسية هو العلاج النفسي، والعلاج النفسي للصدمة النفسية بات متطوراً جداً في الوقت الحالي"، مشيرا إلى وجود 3 طرق لعلاج ما بعد الصدمة النفسية وجميعها تتمحور في المواجهة والتقبل والتخلص من موضوع عدم الإحساس بالأمان والشعور بالأمان والثقة بالنفس".
وما يزال كثير من السوريين في هولندا خصوصاً، وأوروبا عموماً، يرفضون اللجوء إلى الأطباء النفسيين خشية "كلام الناس" رغم المعاناة التي يكابدونها، وإقامتهم داخل أوساط المجتمعات الأوروبية المنفتحة والتي لا تجد حرجاً في زيارة عيادات الطب النفسي عند أدنى شعور بعارض نفسي أو عصبي.
ويعود رفض كثير من السوريين لفكرة العلاج النفسي، إلى مفهوم خاطئ ينتشر داخل المجتمعات العربية، يربط الاضطرابات النفسية بالعقلية.