icon
التغطية الحية

ضابط إيراني كبير يعترف: إيران هزمت هزيمة نكراء في سوريا

2025.01.09 | 14:35 دمشق

عساكر الحرس الثوري في عرض عسكري بطهران
عساكر الحرس الثوري في عرض عسكري بطهران
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- كشف العميد بهروز إسباتي عن هزيمة إيران في سوريا وسقوط حليفها بشار الأسد، مشيراً إلى التوترات مع الأسد ورفضه فتح جبهة ضد إسرائيل، واتهام روسيا بتضليل إيران عسكرياً.

- رغم الهزيمة، تسعى إيران للحفاظ على نفوذها في سوريا عبر تجنيد المتمردين وتنشيط شبكاتها، مؤكدة قدرتها على العمل كما في مناطق أخرى، رغم المعارضة الشعبية والسياسية.

- تواجه إيران تحديات كبيرة في سوريا بسبب المعارضة، وتسعى للاستفادة من الفوضى المحتملة لضمان مصالحها، مع محاولات لطمأنة الجمهور الإيراني بشأن قدرتها الإقليمية.

خرج ضابط إيراني كبير كان يعمل في سوريا عن الخط الرسمي المألوف لقادة إيران فيما يخص السقوط المفاجئ لحليفهم بشار الأسد، فأعلن في خطاب صريح للغاية ألقاه خلال الأسبوع الماضي بأن إيران هزمت هزيمة منكرة في سوريا، غير أنها ماتزال تسعى ليكون لها دور على الأراضي السورية.

في تسجيل صوتي للخطاب الذي ألقاه العميد بهروز إسباتي في أحد مساجد طهران، والذي نشره الإعلام الإيراني يوم الإثنين، ظهر تناقض واضح مع تصريحات الرئيس الإيراني ووزير خارجيته وغيرهم من كبار المسؤولين في طهران، وذلك لكونهم ظلوا على مدار أسابيع يقللون من حجم الخسارة الاستراتيجية التي تكبدتها إيران في سوريا خلال الشهر الماضي، بعد تمكن ثوار سوريا من الإطاحة بحكم الأسد، ثم إعلانهم بأن على إيران احترام أي نتيجة سياسية يقررها الشعب السوري.

توتر بين الأسد المخلوع وحلفائه

وهذا ما دفع الجنرال إسباتي للقول: "لا أعتبر خسارة سوريا مفخرة، فلقد هزمنا، بل إننا هزمنا هزيمة نكراء، وتلقينا ضربة كبيرة أي أن الوضع صعب للغاية" وذلك بحسب تسجيل صوتي لخطابه الذي ألقاه ونشره موقع عبدي ميديا الاخباري المتخصص في الشأن الإيراني في جنيف يوم الإثنين الماضي.

كما كشف الجنرال إسباتي بأن العلاقات الإيرانية مع الأسد شابها توتر خلال الشهور الأخيرة التي سبقت سقوطه، وذكر بأن الأسد رفض الطلبات المتكررة التي وجهتها له ميليشيات مدعومة إيرانياً لفتح جبهة ضد إسرائيل من سوريا عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول عام 2023.

وذكر هذا الجنرال بأن إيران قدمت للأسد مخططات عسكرية شاملة متعلقة بطرق الاستعانة بالموارد العسكرية الإيرانية الموجودة في سوريا بهدف مهاجمة إسرائيل.

واتهم الجنرال روسيا التي تعتبر أهم حليف للأسد بتضليل إيران عبر إبلاغها بأن الطائرات الروسية كانت تقصف ثوار سوريا في الوقت الذي كانت في الواقع تسقط براميلها على مساحات مفتوحة، وقال أيضاً إن إسرائيل ضربت خلال العام الفائت مواقع إيرانية في سوريا، حين قامت روسيا "بتعطيل راداراتها" لتسهيل تنفيذ تلك الهجمات.

الهيمنة الإيرانية في عهد النظام البائد

على مدار عقد ونيف، دعمت إيران الأسد عبر إرسال قادتها العسكريين وجنودها للوقوف بجانبه في قتاله لثوار المعارضة ولتنظيم الدولة.

وفي ظل حكم الأسد، تحولت سوريا إلى مركز قيادة عسكرية إيرانية في المنطقة، إذ من سوريا كانت إيران تمد شبكة ميليشياتها الإقليمية بالسلاح والمال، كما سيطرت إيران على المطارات في سوريا وعلى مستودعات الأسلحة وأسست مقارّ لتصنيع الصواريخ والمسيرات في ذلك البلد.

مخططات إيرانية جديدة

والآن، وبعد سيطرة تحالف الثوار على كامل أجزاء سوريا تقريباً، ومع سعيه لتشكيل حكومة، أعلن الجنرال إسباتي في خطابه بأن إيران ستبحث عن السبل الكفيلة بتجنيد المتمردين مهما اختلف شكل الدولة السورية الجديدة، وتعبيراً عن هذه الفكرة قال: "بوسعنا تنشيط عمل كامل الشبكات التي بقينا نتعاون معها طوال سنين مضت، كما بوسعنا تنشيط الطبقات الاجتماعية التي عاش ضمنها رجالنا طوال سنين، ويمكننا أن ننشط أيضاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما بوسعنا تشكيل خلايا للمقاومة".

وأضاف: "والآن، يمكننا أن نعمل هناك كما نعمل في ساحات دولية أخرى، ولقد بدأنا بذلك فعلاً".

بيد أن تصريحات هذا الجنرال صدمت الشعب الإيراني، بسبب فحواها الذي لم تشبه أي فلترة أو تصفية، وبسبب المنزلة الرفيعة التي يحتلها قائلها، بما أنه من كبار القادة العسكريين في القوات المسلحة الإيرانية التي تعد مظلة ينضوي تحتها الجيش والحرس الثوري الإيراني، كما أن لهذا الرجل باع طويل في تسلم الأدوار القيادية والتي شغل منها منصب القائد الأعلى لقسم الأمن السيبراني لدى القوات المسلحة.

أما في سوريا، فقد أشرف على العمليات العسكرية الإيرانية وكان ينسق مع الوزراء ومسؤولي الدفاع السوريين عن كثب، كما كان ينسق مع الجنرالات الروس، فتفوق في ذلك على القائد الأعلى لفيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني الذي يشرف على شبكة الميليشيات الإقليمية التي تدعمها إيران.

"تحذير للسياسة الداخلية" الإيرانية

يعلق على ذلك مهدي رحمتي وهو محلل سياسي كبير في طهران خبير بالشأن السوري، وقال إن خطاب الجنرال إسباتي مهم جداً لأنه كشف نأي بعض كبار المسؤولين عن الدعاية الرسمية لدولة إيران وصاروا يخاطبون الجمهور بكل صراحة، وأضاف: "الجميع يتحدث عن الخطاب في الاجتماعات ويتساءل عن سبب تفوهه بكل تلك الأمور في اجتماع عام، إذ شرح هذا الرجل وبكل وضوح ما حدث لإيران وأين أصبح موقعها اليوم، وفي ذلك تحذير موجه للسياسة الداخلية".

أعلن الجنرال إسباتي بأن سقوط نظام الأسد أمر محتم نظراً للفساد المتفشي والقمع السياسي والشدة الاقتصادية التي يعانى منها الشعب السوري، والتي شملت عدم توفر الطاقة والوقود إلى جانب ضعف الدخل الذي يمكن للسوري أن يعيش من خلاله. كما ذكر بأن الأسد تجاهل التحذيرات التي وجهت له بشأن ضرورة قيامه بإصلاحات. أما المحلل رحمتي فقد قال إنه من الصعب على المرء ألا يقارن ما جرى بسوريا مع الوضع الحالي بإيران.

سوريا ليست العراق

وعلى الرغم من تأكيد الجنرال تنشيط إيران لشبكاتها، لم يتضح بعد ما يمكن لإيران أن تفعله على أرض الواقع في سوريا، نظراً للمعارضة الشعبية والسياسية التي تواجهها في ذلك البلد والتحديات التي قطعت وصولها إلى هناك براً وجواً، كما حذرت إسرائيل إيران من أنها ستقضي على أي مساع إيرانية في سوريا بمجرد اكتشافها لها على الأرض.

صحيح أن إيران تتمتع بخبرة كبيرة في مجال العمل في الداخل العراقي بعد الغزو الأميركي في عام 2003، وقد شمل ذلك نشرها لبذور الاضطرابات في ذلك البلد، إلا أن جغرافية المشهد السياسي السوري تختلف اختلافاً جذرياً، مما يزيد من حجم التحديات أمام إيران.

مطامح لا واقع

في مقابلة هاتفية أجريت مع أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني والذي أمضى سنوات في العراق بالعمل كمخطط استراتيجي عسكري إلى جانب كبار القادة، ذكر هذا الرجل بأن تصريحات الجنرال إسباتي عن تجنيد إيران لمتمردين ليست أكثر من مطامح خلال هذه المرحلة وبأن بلده لم تطبق ذلك عملياً، وذكر بأنه في الوقت الذي اعترف الجنرال إسباتي بالهزيمة التي لحقت بإيران، سعى في الوقت نفسه لرفع المعنويات وتهدئة نفوس المحافظين الذين طالبوا إيران بفرض قوة أكبر.

وهذا المسؤول في الحرس الثوري الذي رفض أن يرد اسمه بعد أن ناقش قضايا حساسة، ذكر بأن سياسة إيران لم تحسم بعد، وبأنهم خرجوا بإجماع من الاجتماعات التي حضرها والتي جرت خلالها مناقشة استراتيجية إيران، وقال بإن إيران لابد أن تستفيد في حال غرقت سوريا في الفوضى، لأن إيران تعرف جيداً كيف تنجح وتضمن مصالحها في بيئة تسودها الاضطرابات.

في إيران، يتمتع الحرس الثوري بسلطة وضع السياسة الإقليمية للبلد، متجاوزاً بذلك السلطات التي تتمتع بها وزارة الخارجية الإيرانية.

أما المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، فله الكلمة الفصل في أهم شؤون الدولة، وهذا ما دفعه للتصريح في خطابين من خطاباته على الأقل بأن "المقاومة في سوريا لم تسقط بسقوط الأسد"، وأضاف بأن شباب سوريا سيستعيدون بلدهم من يد الثوار الذين يحكمونها اليوم والذين وصفهم بأنهم عملاء لإسرائيل والولايات المتحدة. في حين أبدى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي نبرة أكثر تصالحية، إذ أعلنا أنهما يريدان الاستقرار لسوريا مع إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة الجديدة.

"حملة رفع الضرر"

غير أن التوتر الذي يحيط بالآراء المتضاربة حول سوريا شغل بال المسؤولين الإيرانيين لدرجة دفعتهم إلى إطلاق حملة لرفع الضرر الذي لحق بالجمهور خلال الأسبوع الماضي، إذ ألقى كبار القادة العسكريين والخبراء المتخصصون في هذا الشأن والمقربين من الحكومة خطابات وعقدوا جلسات لتلقي أسئلة الناس والإجابة عليها في المساجد والمراكز الشعبية في عدة مدن إيرانية.

وفي الخطاب الذي ألقاه الجنرال إسباتي في 31 كانون الأول بمسجد فاليسر بوسط طهران، توجه بكلامه للعساكر من ذوي الرتب المتدنية في الجيش وللحاضرين في المسجد، وذلك بحسب ما ورد في وثيقة عامة عن الحدث عنونت بـ: (الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بانهيار سوريا).

بدأت تلك الجلسة عندما أخبر الجنرال إسباتي الجمهور بأنه غادر سوريا على متن آخر طائرة عسكرية خرجت منها متوجهة إلى طهران في الليلة التي سبقت سيطرة الثوار على دمشق، واختتمت الجلسة بإجابته على أسئلة الناس، كما قدم خلال الجلسة أكثر تقييماته جدية حول الإمكانات العسكرية الإيرانية الموجهة لمحاربة إسرائيل والولايات المتحدة.

وعندما طرح عليه سؤال عن قدرة إيران على الانتقام من إسرائيل بسبب اغتيالها لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، رد بأن إيران انتقمت من إسرائيل بالفعل وذلك عبر الوابل الأخير من الصواريخ التي أسقطتها عليها، ولدى سؤاله عما إذا كانت إيران قد خططت لتنفيذ جولة ثالثة من الغارات المباشرة التي تستهدف إسرائيل، رد بأن الوضع على أرض الواقع لا يحمل شن هجوم آخر على إسرائيل في الوقت الراهن.

وبالنسبة للسؤال: لماذا لا تطلق إيران صواريخها على القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في المنطقة، أجاب بأن ذلك قد يستدعي هجمات انتقامية أميركية أوسع ضد إيران وحلفائها، مضيفاً بأن الصواريخ العادية الموجودة لدى إيران لا يمكنها اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتطورة، واستثنى من ذلك الصواريخ الإيرانية المتطورة التي بوسعها تنفيذ تلك المهمة.

وعلى الرغم من تقديم تلك التقييمات، أعلن الجنرال إسباتي عن رغبته بطمأنة الجميع وتبديد قلقهم، إذ قال إن إيران وحلفائها ماتزال لهم اليد العليا على الأرض في هذه المنطقة.

 

المصدر: The New York Times