ساعة طلوع الفجر فوق مشهد دمرته الحرب في الشمال السوري، تلتمع بارقة صمود بين الركام، إذ رسم أحدث تقرير قدمه نظام رصد توفر الموارد والخدمات الصحية للربع الثالث من عام 2023 صورة نظام صحي يحارب ليبقى صامداً وسط الفوضى، فمع زيادة العدد الإجمالي للمرافق الصحية، مايزال هنالك تراجع في المرافق العاملة، أي أن سردية الرعاية الصحية في سوريا ما هي إلا سردية تتمثل بمعاناة يرافقها الأمل.
وضع الرعاية الصحية: صورة مختلطة
تنبئنا الأرقام بمدى التطور والتحديات، إذ منذ الربع الثاني والثالث لعام 2023، شهدت سوريا زيادة في المرافق الصحية التي ارتفعت أعدادها من 618 إلى 629، إلا أن المجال العملياتي لتلك المرافق يكشف عن تراجع طفيف، إذ بقيت 435 منشأة صحية تعمل من أصل 442، ويعبر هذا التأرجح العددي عن حقيقة صارخة ألا وهي أن النزاع المستمر وتبعاته ما يزال يعيق وصول الرعاية الصحية لمن يحتاجها.
من بين المرافق العاملة، هنالك 74 مستشفى و198 مركزاً للرعاية الصحية الأساسية، وهذا يدل على أن عصب الخدمات الصحية يعاني في تلبية احتياجات السكان، أما العيادات المتنقلة ومراكز الرعاية المتخصصة المكملة لهذه المنظومة، فتقدم بصيص أمل للمناطق التي يصعب الوصول إليها أو التي تحتاج إلى معاملة خاصة. بيد أن الزيادة في عدد المرافق غير العاملة من 169 إلى 187 تؤكد على مدى هشاشة هذا الأمل، بعدما عجزت مزيد من المراكز على تقديم كثير من خدمات الرعاية الصحية لمن يحتاجها.
تباينات جغرافية في الوصول
يحدد التباين في مرافق الخدمات الصحية العاملة وبكل وضوح التباينات الجغرافية في الوصول إلى الرعاية الصحية في الداخل السوري، إذ تؤوي محافظتا إدلب وحلب في الشمال غالبية المرافق العاملة، حيث تصل نسبتها إلى 55.8% في إدلب و41.2% في حلب. ويعبر هذا التركز عن اعتماد كبير على تلك المناطق لتقديم الرعاية الصحية، وفي الوقت الذي يستفيد منه أهالي هاتين المحافظتين من تلك الخدمات، يبقى الوصول محدوداً إلى تلك الخدمات بالنسبة لأهالي شمال شرقي سوريا، وتحديداً في محافظتي الحسكة والرقة، التي يوجد فيهما 3.0% فقط من المرافق العاملة.
لا تكتفي التباينات بإظهار الدمار المادي الذي خلفه النزاع فحسب، بل تعبر أيضاً عن توزيع غير عادل للموارد والدعم، كما أن التحديات المتصلة بتقديم الرعاية الصحية في تلك البيئة كبيرة، إذ هنالك 52 منظمة صحية شريكة تعمل بلا كلل أو ملل على إدارة ودعم المرافق العاملة، وهذه الجهود خير شاهد على دور المجتمع الدولي في التخفيف من وطأة أزمة الرعاية الصحية في سوريا.
التطلع للمستقبل: الطريق إلى التعافي
إن طريق التعافي بالنسبة للنظام الصحي في سوريا محفوف بالتحديات، إلا أنه يتسم بجهود حثيثة نحو إعادة التأهيل والتحسن، إذ تشير الزيادة في إجمالي عدد المرافق الصحية، على الرغم من تناقص المرافق العاملة بينها، إلا أننا خطونا خطوة مهمة باتجاه إعادة البناء، وهذا يعبر عن التزام ليس فقط بالإصلاح بل أيضاً بتوسيع خدمات الرعاية الصحية حتى تلبي الاحتياجات المتزايدة لسكان سوريا.
هذا وتتطلب التباينات الجغرافية في الوصول إلى المرافق الصحية إلى اهتمام وعمل مكثفين، كما أن عملية رأب الفجوة بين الشمال السوري وشمال شرقي سوريا تحتاج إلى جهود منظمة يقدمها المجتمع الدولي، والجهات المحلية العاملة في المجال الصحي، والمنظمات غير الحكومية، وذلك لأن ضمان وصول عادل لخدمات الرعاية الصحية في سوريا يعتبر أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لتعافي سوريا وشعبها.
إن صمود المنظومة الصحية في سوريا وسط دمار الحرب يعتبر منارة للأمل، ويذكرنا بروح الإنسان القادرة على التحمل والصبر، وبالمحاولات الجماعية للنهوض من قلب الرماد، وفي الوقت الذي يراقب فيه العالم رحلة سوريا نحو التعافي ويدعمها في ذلك، تقف المرافق الصحية مثل دعامات للقوة، لتجسد نضال هذا الشعب والأمل الذي يحدوه.
المصدر: BNN