رغم الدمار الذي خلفه الزلزال المدمّر في مناطق متفرقة من الجنوب التركي، وخاصة في ولاية هاتاي التي طالها الجزء الأعظم من ذلك الدمار؛ إلا أن بناء مقر ولاية هاتاي التاريخي بقي صامداً بالرغم من مرور نحو 95 عاماً على تشييده.
وبحسب ما ذكرت صحيفة "حريت" (Hurriyet) التركية أمس الجمعة، فقد تعرّض مبنى ولاية هاتاي للضرر بفعل زلزال الـ6 من شباط الجاري، إلا أنه بقي صامداً ولم ينهار بالرغم من دمار الأبنية المحيطة به من كل جانب. فما قصة هذا البناء؟ ولماذا بقي محافظاً على هيكله وأساساته تحت ضغط أعنف هزّة تتعرض لها المنطقة؟
مهندسون من حلب وبيروت
شيّد المبنى التاريخي في عام 1927، وأشرف على تخطيطه وبنائه مهندسون سوريون من حلب ولبنانيون من بيروت. واستُخدم كمبنى لرئاسة الجمهورية عندما كانت هاتاي "دولة مستقلة" وخارج حدود الدولة التركية حينذاك، واعتُبر المبنى منذ ذلك الوقت "قلب هاتاي الإداري"، كما أن التواصل والمشاورات مع تركيا كانت تُعقد في هذا المبنى.
وتحت إشراف المهندسين الحلبيين والبيروتيين، تم تشييد المبنى من قبل الحرفيين المحليين من أبناء الولاية/ الدولة، وعلى نفقة "سنجق إسكندرون" الذي قدّم الأموال اللازمة لإنجازه.
ويتميز المبنى بطرازه الذي يحاكي العمارة المتوسطية؛ إذ تشكّلت جوانبه الخشنة وجدرانه الرئيسية الخارجية من الأحجار الأثرية القديمة في المنطقة، وشكّلت الأعمدة الخرسانية المسلحة اللب الداخلي المحيط بالفناء، ما أكسبه الصلابة والمتانة إلى جانب تصميمه الجميل.
مقر الحياة السياسية لهاتاي
استمرت الحياة السياسية لدولة هاتاي المستقلة التي تبلورت في مطلع أيلول 1938، لمدة عشرة أشهر و21 يوماً. حيث عقدت الجمعية الوطنية في دولة هاتاي اجتماعاتها الثلاثة (في 2 ،3 ،6 أيلول 1938) داخل ذلك المبنى.
وعدا تلك الأيام الثلاثة، شكّل المبنى مقراً للرئيس الأول والوحيد لهاتاي "طيفور سوكمان، ولرئيس الوزراء أيضاً وللجمعية الوطنية لهاتاي، طوال حياتها السياسية. وفي الـ29 من حزيران 1939 اختارت هاتاي أن تكون إحدى ولايات الجمهورية التركية بدلاً من كونها دولة مستقلة. إذ اتخذت الجمعية الوطنية لهاتاي، والمكونة حينذاك من 40 نائباً، قراراً بالانضمام إلى جمهورية تركيا بالإجماع داخل هذا المبنى.
بسبب كل تلك الأحداث، نال المبنى أهمية خاصة وقيمة تذكارية استثنائية في التاريخ السياسي الحديث لهاتاي وتركيا. وفي نهاية عام 2009، بدأت عمليات المسح والترميم للمبنى واستمرت لنحو عام. وبعد أن تم إصلاحه مع الحفاظ على حالته الأصلية، أعيد فتحه كمقر لولاية هاتاي في عام 2011.
لمحة عن تاريخ مدينة هاتاي
أسست هاتاي بوساطة "سلوقس الأول نيكاتور" (358- 281 ق.م)، وهو أحد قادة الإسكندر المقدوني الذين تقاسموا إمبراطوريته بعد وفاته. بعد ذلك دخلت تحت سيادة الدولة البارثية والساسانية (الفرس)، ثم البيزنطية فالعباسية والطولونية، والإكسهيدانية، والحمدانية، والسلجوقية، والصليبية والمماليك على التوالي.
ودخلت المدينة تحت سيادة العثمانيين في أثناء حملة السلطان سليم الأول (1470- 1520م) على الشام ومصر. وأسست هاتاي كدولة مستقلة خلال عامي 1938- 1939 قبل أن تنظم إلى تركيا.
زلزال تركيا وسوريا المدمّر
في تلك الليلة الرهيبة التي اهتزت فيها هاتاي ودُمرت فيها غالبية عمائرها بفعل زلزال تركيا وسوريا المدمّر؛ اهتز المبنى هو الآخر، فتشققت جدرانه وتضررت بعض أحجاره التاريخية، لكنه لم ينهار. وبقي محافظاً على تصميمه وأساساته القوية، محتضناً ماضيه وذكرياته العزيزة وسط الحطام الذي أصاب المدينة.
وفي تلك اللحظة المؤلمة، لحظة وقوع الزلزال، توقفت الساعة المنتصبة فوق واجهة البناء كشاهد صامت على مقاومته وصموده في تلك الليلة المرعبة التي اهتزت فيها أيضاً مدينتا حلب وبيروت، مسقط رأس مهندسيه البارعين.