يواجه العديد من السوريين في بلدان اللجوء صعوبات تتعلق بالتعامل مع أبنائهم في سن المراهقة، وسط محاولات لضبط الجو الأسري في ظل بيئة اجتماعية جديدة ومختلفة إضافة لصعوبات معيشية وقانونية.
يحاول موقع "تلفزيون سوريا" في هذا التقرير رصد ظاهرة خوف العائلات السورية في تركيا من تربية الجيل الناشئ وعرض الصعوبات التي يواجهونها وكيفية تعاملهم مع أبنائهم المراهقين.
ووفقا لما رصده الموقع من شهادات ودراسات، فإنّ الأهل يصارعون لضبط اندماج أبنائهم المراهقين في المجتمع الجديد والذي يرونه مختلفاً في كثير من الجوانب عن عاداتهم التي تربوا وكبروا عليها.
الخوف من تمرد الابن المراهق
يطلق بعض الآباء والأمهات السوريين صفات لسلوكيات أبنائهم المراهقين من قبيل تمرّد أو عصيان، على سبيل المثال ممارسة التدخين، الذي بات يبرره المراهقون ويفرضون التطبيع على الأهل مع واقع جديد عنوانه "كل العالم هيك".
تقول سعاد السيّد (50 عاماً): "أواجه تمرداً من ابني، فهو يرى أنّ من حقه أن يختبر ويجرّب كلَّ شيء، ولم تنفع كل محاولاتي لثنيه عن التدخين".
وتضيف السيدة الحمصية المقيمة في تركيا، أشعر بالعجز، إنّه يتصرّف من دون أن يعي أنّ ما يفعله سيضر بأسرتنا".
كذلك هو الأمر بالنسبة لفاديا شحود (44 عاما)، أم لخمسة أبناء، جاءت بهم من حلب قبل سنوات.
وتقول الأم فاديا عن "تحوّل" ابنها الكبير من شاب هادئ متّزن لآخر مختلف تماما، "ألفاظ نابية، سهر حتى وقت متأخر خارج المنزل، رفض لأي نصح، وعدم إقامة اعتبار للأهل".
وتضيف الأم بصوت فيه حسرة، أنّها كانت تغطي على ابنها وتبرر له أمام والده، إلى أن جاء ذات ليلة إلى المنزل وهو في حالة سكر، وهنا وجدت العائلة نفسها في مواجهة مع ابنها الذي قد يكون قدوة لباقي إخوته.
تتوقع فاديا أن يكون ابتعاد ابنها عن المدرسة، واختلاطه بجو العمل في الأسواق للمساعدة في توفير متطلبات الحياة، هو السبب في تغيير شخصيته، لهذا قرروا إرساله إلى أوروبا ليعيش بجوار أقاربه، في محاولة لإنقاذه، وفق وجهة نظرها.
المجتمعات الجديدة
يبدو لمن يعيش في تركيا أن التدخين أكثر شيوعاً منه في سوريا لا سيما بين الجنسين من المراهقين، وهذا ما عكّر صفو إيمان عيسى (38 عاما)، التي تعيش مع ابنتها معركة إقناع كما تقول.
فالفتاة ذات الـ 16 عاماً، تدخّن السجائر وتواصل الخروج مع "شلّتها" معظمهم من الجنسية التركية، من دون أن تقيم أي اعتبار لرفض أهلها هذه السلوكيات.
تشير إيمان إلى صعوبة الوضع، وتقول "صحيح أن الوضع كله يتغير، وأنّنا في مجتمع جديد، وحتى لو كنا في دمشق فإنّ التغيير بنمط الحياة لا شك سيحصل ولسنا نفرض على أبنائنا أن يعيشوا مثلما عشنا.
وتعرب عن خوفها بالقول، "لكن هنا الوضع مختلف، وأخشى أن تكون العواقب مرعبة".
وتضيف: "لا يدرك الأبناء مخاطر بعض السلوكيات، ولا يفهمون مخاوف الأهل عليهم، قد يظنون أنّها تعصّب، أو تخلّف، أو تضييق، المسألة ليست كذلك، فنحن نخاف على أبنائنا وليس منهم، هذه هي الفكرة".
ما الأسباب؟
تتعدّد المسببات الكامنة وراء سلوكيات المراهقين السوريين في تركيا التي تتصاعد فيها وتيرة العنصرية تجاه السوريين.
وبحسب الاستشارية النفسية والمرشدة الاجتماعية عائشة عبد الرحيم، فإن المراهقين السوريين في تركيا يعيشون وضعاً مخيفاً، لكونهم مهددين بالترحيل إلى سوريا، بالإضافة إلى مخاوف الأهل عليهم، هذا الشعور بالخطر لدى المراهق يدفعه للبحث عن الأمان.
وقد يكون الأمان بالنسبة للمراهق التدخين، أو السهر مع "الشلّة"، وحياة الطيش، وقد تكون ردة الفعل للمراهق نتيجة تعرّضه لمواقف ما سلبية.
وترى عائشة عبد الرحيم أنّ كثيرا من المراهقين -هنا في تركيا- تركوا الدراسة والتحقوا بسوق العمل، وبالتَّالي تقمّصوا دور ربِّ الأسرة، ممَّا يجعل الأهل يتغاضون عن كثير من أخطائهم.
بدورها، الدكتورة راوية هاني زين العابدين اختصاصية نفسية ومؤسسة منصة جد نفسك تقول، إنّ مشكلات المراهقين تتمثل غالباً بالإصرار على اتخاذ القرار وقد يقع بالخطأ، الإصرار على حل مشكلاته بمفرده، مع بدء ظهور ميوله الجنسية.
وتضيف زين الدين، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، من السلوكيات المقلقة للأهل تتمثل برغبة المراهق لخوض تجارب جديدة والتمرد على العائلة، كالرغبة بالسهر، وتفضيل الأصدقاء، والتعلق بالألعاب الإلكترونية، وحرصه على الاستقلالية وعدم الاستجابة لأوامر الأهل مما يودي به للوقع بالمشكلات، ومنها أيضاً تعرضهم للتنمر أو ممارستهم التنمر على الآخرين، المبالغة بالعلاقات الاجتماعية، تدني المستوى الدراسي، عدم تقبل الذات أو رفضها أو المبالغة بحب الذات والغرور.
طرق التعامل مع المراهق
وعن طرق التعامل مع هذه الإشكالات ترى زين الدين، أنّ على الأهل "الاستماع للمراهق بإنصات وتفهم، وترك مساحة خاصة به، جعله ينخرط بأمور مشتركة مع العائلة، بناء علاقة صداقة وفتح سبل الحوار معه، تحميله مسؤوليات تتناسب مع عمره، وتقليل الانتقاد الموجه له، الابتعاد عن انتقاد الشكل والجسم، عدم فرض الرأي عليه، وإشراكه في اتخاذ القرارات، الهدوء في التعامل معه وتجنب الشتائم، التعامل معه كشخص بالغ لا كطفل.
إحصائيات وأرقام
يبقى وجود الأهل بجانب المراهقين أمراً مساعداً لا سيما إذا عمل الأهل على علاج الخلل، كما يقول خبراء نفسيون، إلا أنّ الوضع غالباً ما يكون كارثياً بالنسبة للمراهقين الذين جاؤوا من دون أهلهم، وسلكوا طرقاً لم يكن عليهم الولوج فيها.
ونشر مركز الحوار السوري، دراسة بعنوان "تأثير تجربة اللجوء على اللاجئين القُصّر غير المصحوبين بعد سنوات من وصولهم إلى تركيا".
حاولت الدراسة التعرّف إلى واقع هذه الشّريحة التي كانت عينتها ممّن أعمارهم دون 18 عاماً، ومن الإحصائيات التي عرضتها هي المظاهر السّلبيّة التي تعرضت لها شريحة القصر، وكانت النّسب على الشكل الآتي:
- أعمال غير قانونية: 82%.
- علاقات غير شرعية: 73%.
- مخدرات أو حشيش: 70%.
-مشروبات كحولية: 62%.
- أفكار إلحادية: 63%.
- كفر وألفاظ نابية: 23%.
وهذه النسب هي إحصائية لتكرار هذه السلوكيات السّيئة أكثر من (10 مرات)، والتي صادفت المراهق خلال فترة سكنه في تركيا، بحسب الدراسة.
ولا يعني تسليط الضوء على هذه الحالات أن السوريين في تركيا يتشاركون جميعهم بنفس المشكلات، فحوامل هذه الأزمات تختلف باختلاف العائلات وظروفها الاقتصادية والتربوية، وهذا ما يفسّر اكتظاظ وسائل الإعلام بأخبار تفوّق السوريين في تركيا علمياً أو مهنياً أو فنياً.