يعاني السوريون وخاصة كبار السن والذين لا يجيدون التعامل مع التطبيقات الإلكترونية، من عدم قدرتهم على دفع الفواتير التي أجبروا على تسديدها عبر وسائل الدفع الإلكتروني، حيث صدم أغلبهم بصعوبة تحميل تطبيقات الهاتف النقال مثل سيريتيل كاش، وصعوبة تغذية الحساب عبر الصرافات الخاصة بالشركة المنتشرة بالعاصمة دمشق.
أبو رامي وهو في الـ65 من عمره، يعيش وحده مع زوجته. منذ بداية الشهر وهو يحاول إيجاد طريقة لدفع فواتير المياه والكهرباء والإنترنت والهاتف الأرضي إلكترونياً. لا يملك أبو رامي حساباً في البنوك ويستصعب أصلاً التعامل مع الإنترنت، فكيف ستكون الحال معه بفتح حساب بنكي عبر الإنترنت لدفع فواتيره من خلال التطبيقات الإلكترونية؟، لذلك اتجه نحو الدفع عبر هاتفه النقال كما نصحه البعض.
ورغم ذلك، لم يستطع أبو رامي تشغيل تطبيق سيريتيل كاش على هاتفه القديم رغم محاولاته ومحاولات أصحاب المحال المختصين، الذين نصحوه بالتوجه نحو أقرب مركز سيريتيل، وفعلاً هذا ما قام به، وبعد انتظار ساعة تقريباً حصل على التطبيق المناسب لهاتفه، لكنه وقع في مشكلة أخرى، وهي عدم قدرته على تغذية حسابه من الصرافات المنتشرة في الشوارع.
يقول أبو رامي لموقع تلفزيون سوريا "منذ بداية الشهر وأنا أحاول الوصول إلى صراف يعمل بعد انتهاء دوامي فأنا أعمل آذنا في أحد المكاتب في شارع الثورة، وهناك يوجد صرافان، لكنهما دائماً خارج الخدمة، وحاولت الوصول إلى أكثر من صراف في أكثر من مكان لكن دون جدوى، لذلك دفعت الفواتير عبر شخص في حيّنا لديه بسطة دخان وبدأ يقدم الخدمة للجوار".
صرافات سيريتل خارج الخدمة
يجب على الشخص الذي يريد دفع فواتيره عبر سيريتيل كاش أو إم تي إن، أن يغذّي حسابه بالنقود أولاً عبر أي صراف تابع للشركة، لكن أغلب المشتركين في شركتي الهاتف المحمول يعانون من قدرتهم على تغذية حساباتهم للدفع الإلكتروني نتيجة الضغط الهائل عليها، وتوقفها عن الخدمة في ساعات مبكرة يومياً وفقاً لمن تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا.
وأكد مصدر في شركة سيريتل، أن الصرافات صارت تتملئ بالأموال باكراً نتيجة التوجه نحو الدفع الإلكتروني، وهي غير مجهزة لهذا الحجم من الضغط، لذلك تتوقف الخدمات باكراً ريثما تتم تفرغة الصرافات في اليوم التالي.
ينصح المصدر الزبائن بتعبئة حساباتهم بمبالغ أكبر من قيمة فواتير شهر واحد، كي لا يحتاجوا إلى الوقوف في الطوابير أو السعي نحو العثور على صراف يعمل بصعوبة، وخاصة في الأسبوع الأول من كل شهر.
التوجه لتغذية الحساب مع كل فاتورة
نصيحة المصدر تبدو بعيدة عن الواقع بالنسبة للشريحة الأوسع من السوريين، الذين لا يملكون قوت يومهم في أغلب الأحيان حتى يقوموا بتغذية حساباتهم بمبالغ تكفي شهرين أو ثلاثة، ويبدو أن السبب الأساسي في الضغط على منافذ تغذية الدفع الإلكتروني سواء في المصارف أو صرافات سيريتيل، هو التوجه بأعداد ضخمة وفي أوقات متقاربة بداية كل شهر وبشكل شهري لتلك المراكز لتغذية الحسابات بمبالغ تساوي قيمة الفواتير أو الرسوم، بدلاً من تحويل هذه الحسابات إلى محفظة إلكترونية فيها مبلغ يمكن استخدامه في أي وقت.
"إن كانوا غير جاهزين في بناهم التحتية لماذا أجبرونا على الدفع الإلكتروني؟" يقول فادي هو ربّ أسرة من شخصين، مضيفاً أن خط هاتفه الأرضي توقف لأسباب مالية بسبب صعوبة قدرته على الدفع إلكترونياً، ليعتمد في النهاية الأسلوب التقليدي الذي باتت توفره بعض البسطات والمحال بدمشق".
ويتابع "أغلب الأحيان لا توجد كهرباء وفي حال عدم وجود كهرباء لا توجد تغطية وفي حال عدم وجود تغطية لا توجد 4G، إضافةً إلى أن توفر إنترنت سريع في المنزل بات من سابع المستحيلات، فكيف سندفع إلكترونياً؟"، ويضيف "لا أملك مالاً كافياً لأفتح حساباً في بنك ما وأغذيه بمال كافٍ فهل أفتح حساباً وأضطر للنزول إلى المصرف كل أسبوع لأغذي حسابي بما يتوفر معي من نقود؟".
بسطات دفع إلكتروني في دمشق
نتيجة صعوبة تعبئة الرصيد كل شهر، وضرورة الاصطفاف بطوابير في المصارف وعلى الصرافات، أو البحث عن صراف يعمل لتغذية الحساب الإلكتروني، انتشرت في دمشق بسطات تقدم خدمة دفع جميع الفواتير والرسوم بالطريقة التقليدية بينما مقدم الخدمة يدفع من حسابه إلكترونياً.
تقوم تلك البسطات أيضاً بدور الصراف عبر تحويل مبلغ لحساب الزبون وهو بدوره يقوم بدفع فواتيره بنفسه ليضم تسديدها، حيث تعرض بعض الزبائن بالفعل للغش حيث دفعوا فواتيرهم عبر البسطات لكن هواتفهم انقطعت لأسباب مالية ليتبين لاحقاً أنها لم تسدد.
بدلاً من توجه الناس إلى كوات الكهرباء والمياه والهاتف، باتوا يتوجهون للبسطات هذه، أو لمحال الموبايلات التي باتت تقدم هذه الخدمة أيضاً، ويقومون بتقديمها سواء عبر حساباتهم البنكية أو عبر سيريتيل وإم تي إن كاش.
غالباً تلك البسطات تبيع الدخان أو إكسسوارات الجوالات أو حتى بسطات تبيع الجوارب والأحذية قرب جامعة دمشق، أو حتى بسطات افتتحت فقط لدفع الفواتير وتعبئة الرصيد للهواتف النقالة.
وضعت تلك البسطات أو المحال قصاصات من الورق تعلن فيها عن وجود خدمة الدفع الإلكتروني لجميع الفواتير والرسوم الحكومية، وهي تجارة جديدة بدأت تروج في العاصمة بعوائد تختلف بين مقدم خدمة وآخر. وبعد جولة على بعضهم، تراوحت الأجرة التي يتقاضاها مقدمو خدمة الدفع الإلكتروني من 1000 ليرة عن كل 10 آلاف ليرة إلى 2000 ليرة عن كل 10 آلاف ليرة، وعن الفواتير الأقل من 10 آلاف ليرة يتم تقاضي 1500 ليرة.
وفرضت الحكومة منذ بداية العام الحالي آلية الدفع الإلكتروني على السوريين جميعاً، لاستيفاء فواتير الاتصالات والكهرباء والمياه إضافةً إلى الرسوم الحكومية، وهذا الإلزام أربك أغلب السوريين وما يزال نتيجة ضعف البنى التحتية والملاءة المالية للسوريين، وهذا دفع وزير التجارة السابق في حكومة النظام عمرو سالم إلى المطالبة بإيقاف إلزامية الدفع الإلكتروني لحين "معالجة البديهيات التي لم يتم الانتباه لها ولا حسبانها قبل هذا التحوّل" على حد تعبيره.
وعدد سالم في منشور على فيس بوك البديهيات غير المتوفرة بـ"عدم وجود تغطية للإنترنت في أقسام واسعة من الريف السوري، وعدم تحمل الشبكات والمخدمات ضغط ملايين عمليات الدفع في أوقات محددة"، مشيراً إلى أن "الوضع الحالي للدفع الإلكتروني يتعارض مع الغاية منه، بل يزيد المعاناة ولا يقدم فائدة".