بعد أيام قليلة من الإعلان عن تشكيل "جبهة تحرير سوريا" من قبل حركتي "أحرار الشام" و"نور الدين الزنكي"، أعلنت هيئة تحرير الشام حرباً مفتوحة على التشكيل الجديد، حيث استهدفت مواقعه في ريف حلب الغربي، الخاضع لسيطرة "الزنكي"، وريف إدلب الجنوبي، الخاضع لسيطرة "أحرار الشام"، وجبل الزاوية، الذي يسيطر عليه التشكيل الجديد، مع فصيل "صقور الشام".
توسع الاشتباكات وتداخل مناطق السيطرة
استُخدِمت في الاشتباكات الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتوسعت لتشمل مناطق واسعة تسيطر عليها المعارضة السورية في الشمال السوري.
ومع مطلع الأسبوع الماضي، بدأت المعارك في ريف حلب الغربي، في أطراف بلدة "أورم الكبرى"، وحاولت "هيئة تحرير الشام" التقدم والسيطرة على مواقع تابعة لـ"جبهة تحرير سورية" في محيط الفوج 111، بالإضافة إلى اشتباكات في محيط بلدة "باتبو".
وقالت "هيئة تحرير الشام" في بيان لها إن مقتل الشرعي التابع لها "أبو أيمن المصري" المسؤول عن إدارة شؤون المهجرين على أحد حواجز "الزنكي" في ريف حلب الغربي، كان الشرارة الأولى للقتال، وأضافت أن أسباباً أخرى دفعتها لبدء القتال، أبرزها تعاملهم مع "جيش الثوار" التابع "لقوات سوريا الديمقراطية" وعدم خضوعهم للمحاكمة الشرعية.
امتدت المواجهات إلى "جبل الزاوية" وريف إدلب الجنوبي، ليدخل فصيل "صقور الشام" المعركة رسمياً، ببثه تسجيلاً صوتياً في موقع التواصل الاجتماعي لقائده "أبو عيسى الشيخ"، وسرعان ما تمكن الفصيل من السيطرة على مدينة "أريحا" جنوب مدينة "إدلب"، وأكثر من سبع قرى في الجهة الشرقية "لجبل الزاوية"، ومدن وبلدات "كفرنبل" و"حزارين" و"كفروما" و"حاس" في ريف معرة النعمان الغربي، وبلدة "معرشورين" في الريف الشرقي، و"حزانو" و"معرة مصرين" و"رام حمدان" و"أطمة" في ريف إدلب الشمالي، ومدينة "دارة عزة" وقرى مختلفة في ريف حلب الغربي.
تبادل للاتهامات
يقول القيادي في فصيل "صقور الشام" المشارك في المعارك "زاهر أبو همام": إن سبب الاقتتال هو طمع هيئة تحرير الشام في السيطرة على جميع المعابر التي تصل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة مع محيطها، وأهمها معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا ومعبر "مورك" في ريف حماه الشمالي، الذي افتُتح في الفترة الأخيرة مع مناطق سيطرة النظام، وآخرها معبر الراشدين الذي تسعى الهيئة لفتحه مع مناطق سيطرة النظام في حلب، وهو ما عارضته "الزنكي".
ويضيف أبو همام أن الحفاظ على ما تبقى من ثورة دفع ثمنها الشعب السوري فلذات كبده وأبناءه وقوداً لها، وفكر السيطرة والتفرد بمصير مناطق المعارضة من قبل الهيئة دون أن يكون لباقي الفصائل أي دور في إدارة هذه المناطق، كلها أسباب دفعتنا إلى مواجهة "تحرير الشام".
كما ذكّر بحديث "أبو محمد الجولاني" قائد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في تسجيل مسرب، تم تداوله في تموز عام 2014 حول نيته إقامة إمارة في الشمال السوري، مما دفع "صقور الشام" و"أحرار الشام" إلى دخول القتال في جانب "الزنكي"، لقطع الطريق على الهيئة التي تنوي إنهاء الفصائل، كما حصل سابقاً عندما قضت على عدد كبير من فصائل الشمال السوري، أبرزها "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم" وغيرها من فصائل الجيش الحر.
ومن جانبه "نور الدين الإبراهيم" العضو في المكتب الإعلامي "لهيئة تحرير الشام"، أضاف إلى الأسباب المذكورة في بيان الهيئة أن "السبب الرئيسي في قتال "الزنكي" هو أن قيادة هذا الفصيل ممثلة "بتوفيق شهاب الدين" و"حسام الأطرش"، كانت معول هدم للساحة، مفضلة مصالحها الشخصية على المصلحة العامة، حتى وصل بهم الحال للتحالف مع "جيش الثوار" أحد مكونات قوات سوريا الديمقراطية، حيث أثبتت الأدلة والبراهين تورطهم بإدخال العشرات من الجنود والأسلحة لقتال الهيئة، إضافة إلى ضلوعهم في عمليات الاغتيال، وتهديد الأمن في المناطق المحررة، بموافقة "أحرار الشام" و"صقور الشام"، فقد قتل غدراً عشرات الكوادر والجنود المنتمين للهيئة وكانت عملياتهم تنشر تحت اسم تجمع "نصرة المظلوم".
ويضيف الإبراهيم : أننا طوال أربعة أشهر نقاتل على جبهات ريف "حماة" و"إدلب"، ونواجه حملة النظام و"تنظيم الدولة"، ولم يشارك "الزنكي" بكل ما يملك من سلاح ثقيل وإمكانيات في معارك شرق السكة إلا بعد سقوط "سنجار"، حيث شارك بمجموعات قليلة، وكان يختلق المشكلات معنا ويشغلنا باستنفارات وهجمات على مقارنا في ريف حلب الغربي أثناء وجود إمكانياتنا العسكرية شرق السكة لوقف تقدم النظام.
خارطة السيطرة
وبالعودة إلى "أبو همام" القيادي في صقور الشام حيث قال: "تقدمنا في مناطق كثيرة على حساب الهيئة، أبرزها مدينتا "أريحا" و"معرة النعمان" وأجزاء من جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي، وفي الشمال تمكنا من السيطرة على مدينة "دارة عزة" و"جبل الشيخ بركات" الاستراتيجي، وبلدات اخرى على الشريط الحدودي مع تركيا أبرزها بلدة "أطمه" والمعبر الإنساني الذي يصل مناطق الشمال السوري بالأراضي التركية، والذي يعتبر من أهم المعابر العسكرية والإنسانية، كما تمكنا من السيطرة على مدينة "معرة مصرين" و"حزانو" و"كفر يحمول" و"رام حمدان" وغيرها من بلدات ريف إدلب الشمالي وريف حلب الغربي، وهذا بعد معارك عنيفة خاضتها قواتنا مع "الهيئة"، وستستمر العمليات حتى إنهائها بشكل كامل وإخراجها من ريفي "إدلب" و" حلب"، ونتوقع لها سقوطاً مدوياً في الأيام القليلة القادمة"، وفق تعبير القيادي في "صقور الشام".
المدنيون هم الضحية
وعن إقحام المدنيين في القتال وحالة الغليان الشعبي التي شهدتها المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يقول "أبو همام" هيئة تحرير الشام تتحمل مسؤولية مقتل أي مدني، وهي تأخذ دور "نظام الأسد" في قتل المدنيين، فعندما تكف طائراته عن قصف المدنيين، تفتعل الهيئة صراعات بينية مع الفصائل المعارضة ليكون المدنيون هم الضحية جراء فتاوى الشرعيين التابعين لها، وأبرزهم "أبو اليقظان المصري" حيث دعوا بشكل علني وآخر مسرب إلى استهداف المدنيين والتترس بهم، وقاموا بقصف المساجد وحصار المدنيين، وما شهدته بلدة "حزانو" في اليومين الماضيين من حصار واستهداف بالسلاح الثقيل دليل على استهدافهم المدنيين، ما دفع الأهالي إلى الخروج بمظاهرات تنادي بخروج جنود الهيئة من المدن والبلدات، والمطالبة بوقف الاقتتال.
أما "الإبراهيم" عضو المكتب الإعلامي للهيئة فيقول"بدأت حشود "الزنكي" ومعسكرات التدريب تعد للهجوم على مواقع الهيئة في ريفي "حلب" و"إدلب" مستخدمين الأسلحة الثقيلة من دبابات ومدفعية ثقيلة، ما تسبب بمقتل عشرات الأهالي الآمنين في بيوتهم وترويع القرى الآمنة، في الوقت الذي كانت فيه الهيئة تقدم جانب الصلح والتهدئة معهم وتحاول تحييد القرى والبلدات والتجمعات عن القتال، نظراً للظرف العصيب الذي تمر به الساحة في غوطة دمشق، التي تتعرض لحملة همجية شرسة".
مبادرات ومصير مجهول
وسط هذه الأحداث المتسارعة وتغير خارطة السيطرة في مناطق الشمال السوري، تقدمت "حكومة الإنقاذ" بما سمته مبادرة لفض النزاع وإيقاف الاقتتال بين الفصائل العسكرية، حيث دعت في بيان نشرته أمس الإثنين إلى وقف الاقتتال، والاحتكام إلى الشرع، وإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين، وإلغاء جميع المظاهر المسلحة في القرى والبلدات، وتسليم حفظ الأمن إلى وزارة الداخلية في "حكومة الإنقاذ"، والدعوة إلى مؤتمر عام يضم جميع الفعاليات الاجتماعية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والعشائرية والمجالس المحلية والمعارضة في الخارج، لينبثق عنه مجلس شورى وحكومة كفاءات ومجلس عسكري وقضاء أعلى مستقل عن جميع الأطراف، وجاءت هذه المبادرة بعد أيام من مباردة أطلقها علماء دين لحل النزاع الحاصل بين الفصائل، والتي لم تلقَ استجابة من أي طرف من أطراف النزاع.
وعن هذه المبادرة التي أطلقتها "حكومة الإنقاذ" يقول "ياسر النجار" وزير الإسكان وإعادة الإعمار في الحكومة "نحن كحكومة موجودة في الداخل نشعر كأي مواطن سوري أن البندقية يجب أن توجه إلى النظام في الوقت الذي تتعرض فيه الغوطة الشرقية إلى أوسع هجمة عسكرية يذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، فكان الأولى بالفصائل أن تفتح الجبهات مع النظام لتخفيف الضغط عن الغوطة، لا أن تتوجه بنادقهم إلى صدور رفاق السلاح، ونحن نرى أن النظام سيتجه إلى "إدلب" بعد أن ينتهي من الغوطة، لذا يتوجب على الفصائل العسكرية أن تحافظ على المناطق المحررة وليس الدخول في الصراعات الداخلية، إلى أن يتم توحيد العمل العسكري تحت مظلة الحكومة ووزارة الدفاع، التي لم نستطع إعلانها بسبب الخلافات الكبيرة بين قادة الفصائل، حيث لا يمكن الوصول إلى توافق في المرحلة الحالية".
وعن تأخر الحكومة في إطلاق المبادرة بعد مرور أكثر من ستة أيام على الاقتتال يقول النجار، إن مبادرة العلماء والشرعيين التي تم إطلاقها منذ اليوم الأول للاقتتال، وعدم استجابة الفصائل لها دفعنا لإعادة تنشيط هذه المبادرة، لحقن الدماء والدعوة إلى تأسيس مجلس قضاء مستقل يتم التحاكم إليه في القضايا الخلافية، وقدمنا المبادرة الى الجهات المعنية بالقتال والنخب الثورية في الداخل والخارج بهدف إنهاء حالة الصراع بشكل نهائي، ولم نتلقَّ استجابة من الأطراف المتصارعة".
على الرغم من توسع دائرة الصراع وتقدم "تحرير سوريا" على حساب "هيئة تحرير الشام"، ما تزال الاشتباكات مستمرة ويسود المشهد الميداني غموض كبير وتغير سريع في موازين القوة والسيطرة في ريفي إدلب وحلب، وسط احتقان شعبي كبير يعم قرى وبلدات ريف إدلب، فهل تستطيع "تحرير سوريا" إحكام سيطرتها على هذه المنطقة أم أن هناك سيناريوهات أخرى قد تشهدها المنطقة.