يعتبر الصاروخ الذي أطلقه النظام السوري تصعيداً غير مسبوق ومستغرباً منه، فالنظام السوري يسعى حالياً للتطبيع في عموم المنطقة، خاصة من خلال التقارب مع دول الخليج ومصر الذي تم خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن إطلاق صاروخ من قبل سوريا، عشية يوم 8 وصباح يوم 9 نيسان، بالإضافة إلى إطلاق مسيّرة من قبل سوريا تستهدف إسرائيل في الأول من نيسان، يوضح كيف يسعى النظام للتطبيع من دون أن يقوم بكبح جماح الجماعات الإرهابية المقاتلة الخطرة.
ولقد ردت إسرائيل على الصواريخ السورية التي أطلقت في ساعة مبكرة من صباح يوم الأحد، إلا أن أهمية إطلاق الصواريخ تتجاوز الصواريخ نفسها أو حتى أي رد عليها.
من المفترض أن يعمل النظام السوري على نشر الاستقرار والهدوء في المنطقة، ولكنه على ما يبدو يتيح للجماعات الإرهابية مواصلة عملها علناً وتهديد الآخرين، بيد أن ذلك ليس بجديد، وذلك لأن النظام بقي على مدار سنوات يتسامح مع العديد من الجماعات المدعومة إيرانياً، نظراً لقيامها بدعم جيش النظام في سوريا خلال الحرب.
النظام السوري يلعب لعبة خطرة اليوم
الجديد في الأمر هو أن النظام صار اليوم يلعب لعبة خطيرة وذلك عبر عدم كبحه لجماح الجماعات الإرهابية حتى في الوقت الذي يستعرض فيه نفسه وهو يسعى للتطبيع. ما يعني بأن التطبيع يفيد بأن النظام يسيطر على كامل أراضيه، بيد أن النظام لا يمكنه أن يلعب على الحبلين، أي أن يدعي السيطرة على كل المناطق السورية، وهو يسمح في الوقت ذاته بوقوع هجمات تستهدف دولاً أخرى في المنطقة.
سافر رأس النظام، بشار الأسد، إلى الإمارات في 19 آذار الماضي، في إشارة رمزية للتعبير عن كسبه لعلاقات جديدة في المنطقة، أما وزير خارجية سوريا فقد سافر هو الآخر إلى مصر في الأول من نيسان، لتكون تلك أول زيارة رسمية لمصر منذ اندلاع الحرب في سوريا، وفي كلتا الحالتين ثمة أمثلة واضحة على سعي سوريا للتطبيع في المنطقة، والآن بعد المصالحة بين إيران والسعودية، والمفاوضات الجارية في عُمان لإنهاء الحرب في اليمن، بات من الواضح بأن هنالك فرصة تلوح أمام النظام لإصلاح أموره.
وبالمقابل، فإن الجماعات المدعومة إيرانياً في سوريا قد نفذت العديد من الهجمات التي استهدفت القوات الأميركية في المنطقة الشرقية خلال أواسط شهر آذار الماضي، وقد ردت الولايات المتحدة على ذلك بغارات جوية في 23 آذار، وذلك لأن نيران الصواريخ التي استهدفت القوات الأميركية في المنطقة الشرقية بدت من حيث أسلوبها شبيهة بما فعلته سوريا لتمكن "الجماعات الإرهابية" من استهداف إسرائيل في 8 و9 نيسان، وتظهر هاتان الحادثتان كيف يواصل النظام إبداء تسامحه تجاه مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة، بدءاً من حزب الله، وصولاً إلى العديد من الميليشيات المدعومة إيرانياً، وهذا ما يقوض سردية النظام حول الاستقرار.
من الضروري لنا أن نتذكر هنا بأن النظام يحد بالفعل من محاولاته الساعية لنشر الاستقرار من خلال تلك التحركات. إذ بالعودة إلى عام 2018، نجد بأن النظام السوري كان قادراً على استعادة منطقة شاسعة في البلد إلى جانب عودة قواته إلى الجولان، وفي الوقت الذي استعد فيه النظام لذلك، مع دحره للثوار السوريين الذين نشطوا على الجانب السوري منذ عام 2012، أخذ يرسل من خلال ذلك رسائل حول طريقته بإعادة نشر النظام في المنطقة.
وكانت تلك خطوة ضرورية نظراً لوجود تخوف من تسهيل سوريا لوصول حزب الله إلى الحدود مع إسرائيل، لأن ذلك من شأنه أن يشكل تهديداً لا يحتمل. وفي الأخبار التي ظهرت في أيلول من عام 2017 حول إمكانية إنشاء منطقة عازلة على الحدود بوساطة روسية، وذلك لمنع ظهور كل ما يهدد حدود إسرائيل، قامت الشرطة العسكرية الروسية في بداية الأمر بالانتشار في تلك المنطقة عند عودة النظام إليها، وفي آب من عام 2018، كان من المفترض للروس أن يصلوا إلى عدة نقاط قريبة من الحدود.
تغيرت الأمور في جنوبي سوريا
إلا أن الأمور قد تغيرت على مدار السنوات الماضية في الجنوب السوري، إذ زاد التوتر بين من كانوا في السابق ثواراً ثم تصالحوا مع النظام، والنظام، كما زادت نسبة تهريب المخدرات على يد الميليشيات بالقرب من الحدود الأردنية، غير أن سوريا ماتزال تهدد القوات الأميركية في قاعدة التنف القريبة من الحدود مع الأردن والعراق، إلى جانب نشاط جماعات مثل الجهاد الإسلامي الفلسطينية في دمشق، ومواصلة حزب الله لنشاطه في الجنوب السوري.
إن نيران الصواريخ التي أطلقت عشية يوم 8 وصبيحة يوم 9 نيسان تعتبر تصعيداً كبيراً على الجبهة السورية، وإبرازاً لقدرة الميليشيات على النشاط بالقرب من الجولان بما يمثل تهديداً لإسرائيل، وهذا يعود بذاكرتنا إلى حالة الفوضى التي عمت خلال الحرب السورية، عندما كانت تظهر تهديدات ومخاوف أمنية على حدود الجولان في أغلب الأحيان، إلا أن النظام السوري اليوم تجاوز تلك المرحلة التي عاشها في عام 2015 و2016، ولهذا فهو اليوم يسعى لاستعادة المزيد من المناطق في سوريا، كما يتعاون مع روسيا بشأن المحادثات مع إيران وتركيا.
بيد أن هذه المحادثات ماتزال في طور التعثر فيما يتصل بالانسحاب التركي من الشمال السوري، إلا أن التوجه برمته بات واضحاً، إذ يرغب النظام بتصوير نفسه على أنه المسؤول عن إدارة البلد، وفي الوقت ذاته يسهم في نشر حالة انعدام الاستقرار وذلك عبر حوادث مثل نيران الصواريخ التي أطلقت ليلة يوم السبت وصباح يوم الأحد الماضيين.
المصدر: Jerusalem Post