بدأت أروى دامون الصحفية في شبكة "سي إن إن" بتوحيد العالم، ولهذا نسمع عنها كل فترة أخباراً حول مساعيها في هذا السياق.
إذ تروي تلك المراسلة الدولية التي عملت في هذا المجال لردح من الزمن بأنها شاهدت أسوأ وأروع الحالات الإنسانية وهي تقوم بتغطية النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن خلال تواصلها مع أهالي تلك المناطق، استلهمت الصحفية أروى فكرة إقامة جمعية خيرية خاصة بها حملت اسم: الشبكة الدولية للمعونة والإغاثة والمساعدة (إنارة)، حيث تقدم هذه المنظمة غير الربحية العناية الطبية التي تغير حياة الأطفال الذين تعرضوا لإصابات في مناطق النزاع، أو الذين لم يتمكنوا من الحصول على العلاج بسبب الحرب وذلك وفقاً لما ورد في موقع تلك المنظمة.
وعن أعمال جمعيتها تخبرنا دامون فتقول: "عندما ترى الفرحة على وجوه هؤلاء الأطفال وأهاليهم، تشعر وكأنك حرفياً ترى طبقات من الظلام وهي ترفع عنهم. وفي كل مرة نشاهد فيها ما تركناه من أثر على وجه طفل، أتذكر أن هذا هو السبب الذي يدفعني للقيام بما أقوم به".
وتعود فكرة دامون لإقامة منظمة إنارة للعام 2007 بعدما ساعدت يافعاً في بغداد، اسمه يوسف، ذكرت أنه: "كان يعاني من حروق شديدة لدرجة أن وجهه تحول إلى قناع متصلب من الأنسجة المتقرحة والمليئة بالندوب".
وهكذا اتفقت دامون مع المنتج على مساعدة يوسف عبر القيام بتغطية قصته، بيد أنهما ترددا في ذلك بسبب: "اللامبالاة التي أبداها المشاهدون حيال الحرب في العراق". ولكن بعدما انتشرت قصة الصبي يوسف، رأت دامون مشاهدين عبروا عن ردة فعل إيجابية جياشة حيال تلك القصة الشخصية.
وعن ذلك تخبرنا أروى فتقول: "إنها الذكرى الأفضل في مخيلتي على الإطلاق... وقد أثار ذلك ضجة جنونية، إذ أصبح الناس من مختلف بقاع العالم يرسلون رسائل ويتصلون... فالجميع بات على استعداد لمساعدة ذلك الصبي".
وفي نهاية المطاف حصل يوسف وأسرته على حق اللجوء في الولايات المتحدة، كما صار بوسعه الحصول على عناية طبية، واليوم أصبح هذا الفتى في الجامعة، وهو يخطط لأن يصبح طبيباً أو مهندساً، ولم يعد يتذكر حتى الهجوم الذي تعرض له بحسب ما أخبرتنا أروى، التي أضافت: "بما أنه حصل على المساعدة التي كان بحاجتها، والتف جميع هؤلاء الغرباء حوله لتقديم المساعدة له، تغيرت قصة حياته، إذ غيرت تلك اللحظة الفارقة حياته فحولته من شخص تحيط به الوحشية من كل جانب، إلى شخص محاط باللطف والدماثة من كل جانب".
بعد مرور أربع سنوات على لقائها بيوسف، اندلعت الحرب في سوريا، التي تصفها أروى فتقول عنها إنها جرتها إلى: "دوامة تلك الحفرة المظلمة من الأفكار".
وبعدما فكرت مجدداً بقصة نجاح يوسف، أدركت أن هنالك: "المزيد الذي لابد من القيام به"، ولهذا قررت: "تأسيس منظمة بوسعها أن تفصل خصيصاً على قياس ما يجري لتقوم بملء الفراغ في مجال الرعاية الطبية، بحيث تكون موجودة من أجل الجرحى من الأطفال وغيرهم ممن تضرروا بسبب الحرب".
منظمة إنارة
وبالنتيجة ظهرت منظمة إنارة، التي اتخذت من لبنان مقراً لعملياتها بعدما جمعت تبرعات بقيمة أربعة ملايين دولار، وقدمت المساعدة لأكثر من 408 حالات للأطفال المصابين منذ أن تم إنشاؤها في عام 2015.
وتحكي لنا أروى عن تلك المنظمة فتقول: "انتشرت معظم الأخبار عنها بشكل شفوي، وهكذا أصبحت لدينا قائمة انتظار طويلة..." وأضافت أنهم أطلقوا مؤخراً برامج للصحة العقلية والنفسية، بالرغم من العقبات المالية التي وقفت في طريقهم بسبب تفشي كوفيد.
وعلى مدار سنوات عديدة، ركزت دامون على مساعدة الأطفال في سوريا، ذلك المكان الذي تعتبره أروى: "بحاجة لأكبر مساعدة" بسبب الحرب الدائرة فيه، ومع ذلك قوبل بدرجة غير عادية من عدم الاكتراث حسب وصفها.
وعن ذلك تخبرنا أروى فتقول: "إنه لأمر مزعج، إذ تحس حرفياً وكأن أحداً يحاول تمزيق أحشائك وانتزاعها من داخلك، فثمة أطفال في مخيمات اللجوء لم يسبق لهم أن وقفوا تحت مياه لأخذ حمام ساخن، كما لم يناموا في سرير بحياتهم قط، بل إنهم ينامون فوق مراتب قذرة صغيرة ورقيقة توضع فوق الأرضية داخل الخيام التي يعيشون فيها... وبعد أن تسافر إلى سوريا مرات ومرات... وتجد أشخاصاً يسألونك على الدوام: ألا يهتم العالم بأمرنا؟ ثم تراهم اليوم دون أن تكلف نفسك عناء طرح هذا السؤال.. تشعر بأن هذا بحد ذاته مؤلم".
ومن خلال عملها، تطمح أروى للمساهمة بنشر وعي واهتمام أكبر لما يجري خارج بلادها، لاسيما بما يتصل بالحرب في سوريا التي دخلت عامها العاشر خلال هذا الشهر.
وعن ذلك تقول أروى: "علينا أن نحاول وأن نبذل المزيد من الجهود كأفراد لنعترف بالنقاط التي نتشابه فيها مع غيرنا... إذ لا يهم سواء أعشت في منطقة حرب أم لم يسبق لك ذلك، لأن الجميع معني بالأمر.. وإذا كنت أباً أو أماً، فلابد وأنك عشت تلك اللحظة المرعبة عندما تشعر أنك لا تدري ما الذي يحل بابنك، وإن سبق لك وأن وقعت بالحب، فما الذي سيحدث لك إن انتزعوا حبيبك منك أو لم يعد بوسعك أن تجده؟ ولك أن تقس على ذلك وتضخمه... فهذه الشذرات الصغيرة هي التي تجمع بيننا.. وبوصفنا بشراً فإننا نتقاسم هذا الكوكب، ولهذا فإننا ملتزمون أخلاقياً بالاهتمام بأنفسنا وتثقيفها واطلاعها على كل ما يجري في أماكن أخرى. كنت أتمنى لو أننا نعيش في عالم أكثر لطفاً، حيث لا يستحق كونك إنساناً كل هذا الثناء والإطراء، بل يكون القاعدة. وإنني أؤمن بأننا بوسعنا أن نقدم أكثر من خلال بعضنا البعض، ولكن ولسبب ما، ثمة شيء علينا أن نحارب من أجله، وهذا ما أحارب من أجله".
المصدر: بيبول