في مشهد غريب، أزالت بعض محال الذهب في العاصمة دمشق المصوغات من الواجهات، بينما امتنعت محال أخرى عن البيع منذ يومين على الأقل، بسبب إلزام الصاغة بنظام الربط الإلكتروني للفواتير، والذي اعتبره التجار قرارا غير مكتمل ويحتاج الكثير من الضبط والتوضيح قبل تطبيقه، على حد تعبير من التقاهم موقع تلفزيون سوريا.
وأصدرت الهيئة العامة للضرائب والرسوم التابعة للنظام السوري في آذار الماضي، قراراً يلزم كل مكلفي مهنة صياغة وبيع الحلي والمجوهرات والأحجار الثمينة في دمشق باستخدام آلية الربط الإلكتروني للفواتير المصدرة، بحيث يجري اعتماد رمز الاستجابة السريعة (QR) على كل فاتورة صادرة، والربط مع قاعدة البيانات المركزية لـ"الإدارة الضريبية"، على أن يبدأ تطبيق ذلك بداية الشهر الجاري.
لماذا أزالوا المصوغات الذهبية؟
وفي جولة على بعض محال الذهب في دمشق التي أزالت الذهب من الواجهات، استفسر الموقع إن كانت هناك بعض المصوغات للبيع أم أن المحلات فارغة نهائياً، طلب بعضهم منا الانتظار لليوم التالي للحصول على طلبنا على مبدأ (التوصية) لأنه لا يوجد ذهب في المحل حالياً، والبعض الآخر أكد أنه متوقف عن البيع حتى إشعار آخر.
لم يفصح أصحاب المحال الذين أزالوا المصوغات الذهبية من الواجهات عن سبب قيامهم بهذه الحركة منذ أكثر من يومين، إلا أن صاغة آخرين أكدوا لموقع تلفزيون سوريا أنهم قاموا بذلك لخشيتهم من جولات مفاجئة متوقعة لوزارة مالية النظام بعد فرض الربط الإلكتروني عليهم، ودفتر فواتير جديد مع لصاقات (QR) لوضعها عند بيع أي قطعة، حيث تتم عمليات البيع عبر تلك المحال خارج نظام الفوترة الجديدة ودون أي باركود كما هو مفروض بالقرار.
يوضح صائغ فضل عدم ذكر اسمه، أن ضريبة الدخل المفروضة على الصاغة والحرفيين، لا تتناسب مع الواقع، وهناك مخاوف من أن يتم احتساب كل إيرادات المبيع على أنها دخل، كأن يبيع الصائغ مثلاً 5 غرامات ويحتسب ذلك دخلاً دون فصل سعر الغرام عن الأرباح وعن الضريبة وعن أجرة الصياغة، وهذا ما أثار الهلع لدى الصاغة ودفعهم إما للتوقف عن البيع أو لحجب مشغولاتهم والبيع للمعارف أو البيع على فواتير قديمة.
أجرة الصياغة "ليست مربحا"
ضريبة الإنفاق الاستهلاكي غير منطقية وسيدفعها المواطن فقط، بحسب أحد الصاغة الذي فضل عدم ذكره مؤكداً أن ربح الصائغ من الغرام هو 10 – 15 ألف ليرة، بينما أجرة الصياغة هي أجور تشكيل الذهب وحرفيته وليست أرباحا. وفي حال سيدفع المنتج والصائغ وكل سلسلة إنتاج الذهب ضرائب بدلاً من الطريقة القديمة، سترتفع الأسعار أكثر، وسيتجه المواطن إلى تبديل العملة السورية بالدولار بدلاً من الذهب للادخار.
يشير الصائغ إلى أن سعر الذهب في سورية يسعر بحسب السعر الوسطي وليس سعر الدولار في السوق السوداء الحقيقي، وهذا يرتب خسائر من الأساس للصاغة، وهو ما يدفعهم أحياناً لرفع أسعار الصياغة.
أساليب للتهرب
على صعيد ثان، كشف باعة آخرون أسلوباً آخر بدأ يتبعه من لا يزالوا يعملون ويعرضون الذهب للبيع، حيث إنهم لم يلتزموا بالنظام الجديد، ولا يزالون يستخدمون الفواتير القديمة المختومة بختم البائع نفسه، وفي نهاية اليوم يقومون بتسجيل فاتورتين أو ثلاثة مع وضع الباركود أو لا يسجلون شيئا على دفتر الفواتير الجديد وكأنهم لم يبيعوا شيئاً.
يؤكد بائع في سوق الحريقة للموقع، أن "النظام الجديد لن يفلح، وسيجعل الصاغة يتحايلون أكثر على القانون، لأنه من غير المنطقي أن يدفع البائع مثلاً ضريبة على استبدال قطعة ذهبية، أو أن يدفع ضرائب على مصوغات دفع ضرائب عنها مسبقاً للمالية بالنظام القديم وهي لا تزال موجودة لديه، وليس من المنطقي أن يدفع الزبون ضريبة إنفاق استهلاكي على استبدال قطعة كان قد دفع عليها ضريبة سابقاً".
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد أصدر القانون 15 لعام 2024، المتضمن تعديل مواد المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2015 الخاص برسم الإنفاق الاستهلاكي، والذي فرض ضريبة 1% على فاتورة المستهلك النهائي الذي يشتري ذهباً.
ثغرات وسلبيات
أشار بعض الصاغة الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا، إلى أنهم اضطروا مؤخراً لرفع أجور الصياغة كي لا يخسروا بسبب تراجع المبيعات وارتفاع التكاليف عليهم، موضحين أنهم رغم ذلك سيدفعون ضريبة للمالية على هذه الأجرة. ويقول الصاغة للموقع إن "تطبيق الربط مربك جداً وكان يتطلب المزيد من الوقت، فلكل موديل ذهب أجرة مختلفة، ولا أحد يعرف كيفية احتساب الضريبة".
وكان الصاغة قد هددوا بإغلاق محالهم مؤخراً في اجتماع مع مدير هيئة الضرائب والرسوم منذر ونوس لمناقشة الربط الإلكتروني، التي وجدوا فيها كثيراً من الثغرات على حد تعبيرهم مطالبين بتأجيلها، لكن ذلك لم يتم وبدأ التطبيق فعلياً مع نهاية العطلة الرسمية الأخيرة.
وكانت الضريبة سابقا تدفع عند دمغ أي مصوغات جديدة، واليوم تجبى الضريبة عند أي عملية بيع، إضافةً إلى أن ضريبة الإنفاق الاستهلاكي التي فرضت عند البيع النهائي على المستهلك، ستكون بحسب الصاغة مرتفعة عند شراء الأونصات والليرات ما يقلل من جدواها كادخار إذا ما أضيفت لها أجرة الصياغة.
وجاء في قرار الهيئة العامة للضرائب، بأنه يترتب على المكلفين استخدام أحد البرامج المحاسبية المعتمدة لدى "الإدارة الضريبية"، والمدرجة أسماؤها على الموقع الإلكتروني لـ"الهيئة العامة للضرائب والرسوم" بمسك السجلات وإصدار الفواتير بشكل إلكتروني، أو التطبيق الإلكتروني لإصدار الفواتير، بحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري، على أن يتم تطبيق النظام الجديد في دمشق ثم يعمم على باقي المحافظات.