شهدت المظاهرات منذ بداياتها ضد نظام الأسد مشاركة نسائية فاعلة، ما أدى بهن إلى مواجهة أشكال كثيرة من الإساءات التي تعدت إلى التعذيب الجسدي والنفسي، والعنف الجنسي، لتصل تلك الإساءات إلى حدود القتل.
ومع مرور عشر سنوات لا تزال المرأة السورية تناضل من أجل حقوقها الأساسية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وذلك من خلال مواجهة المجموعات التي توالت على حكم مناطق عدة من سوريا، بدءاً من نظام الأسد، مروراً بالجماعات التي تفرضُ أصولية للأحكام والنصوص الدينية، وحتى المدنية.
كل ذلك وتواصل المرأة السورية التعامل وفق معايير "الجندرية" المُتعارَفة في الثقافة المحلية، والتي تقيد المرأة في إطار صورة نمطية رسمها مجتمعها.
وأحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 8029 امرأة ما زالت قيد الاعتقال في سجون النظام منذ بداية الثورة السورية ووثقت بينهن 74 امرأة قتلت تحت التعذيب. وتظهر الأدلة التي غطت الفترة ما بين عامي 2011 - 2015 تعرض النساء في سجون نظام الأسد للضرب، والتعنيف الجسدي واللفظي، وهو ما أكد عليه التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة عام 2011 بأن النظام السوري يجبر الشابات والبالغات على الخضوع للتفتيش الجسدي المهين، في حين يتعرض قسم منهن لشكل من أشكال الاغتصاب خلال فترة سجنهن واستجوابهن.
المرأة السورية وصراعها البطولي
ومع التحاق الجماعات المتطرفة برَكب الصراع في سوريا، والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في شمالي وشمال شرقي البلاد، واجهت النساء السوريات معاناة الأمس نفسها، من تهميش، وقمع شديد، ويبقى الاسم الأبرز لأحد تلك المجموعات تنظيم الدولة والذي قام بتقييد النساء من خلال أساليب إضافية، أضفاها بحسب شريعته، بما في ذلك الرجم حتى الموت بحجة الزنا، وهي أكبرها، ونزولاً بفرض قوانين تحد من تحركاتهن وطريقة لباسهن ومنعهن من العمل وحتى التعليم، -إلا فيما يخص مصلحة التنظيم-، بالإضافة إلى سياسة الترهيب بالسلاح، والترغيب بالمال من أجل الزواج بعناصر التنظيم، مستغلين حالتهن، وظروفهن المادية الصعبة.
ومع توسع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" عام 2017، وخروج تنظيم داعش من المنطقة، لا يمكننا القول إن ظروف النساء أخذت بالتحسن، ولكن وبحسب القول "الرمد أهوَن من العمى" إلا أنه لا تزال هناك الكثير من التحديات تواجه النساء السوريات، ولكن بطرق جديدة، وفي الوقت نفسه نراهن يعملن بجديةِ بطلٍ يسعى لنيل اللقب، من خلال إثبات دورهن في المجتمع.
ومن هذه القوة للمرأة تستمر "قسد" برفع الشعارات الطنانة والفارغة في مضمونها، من أجل مناشدة دول الغرب وبقية العالم لدعم حقوق المرأة، إلا أنها تفشل في كل مرة في إعطاء المرأة حقها في تأدية دورها، وهو ما تجلى من خلال نظام "الرئاسة المشتركة" القائم في شمال شرقي سوريا، إذ يقوم هذا النظام على أساس إداري على المستوى المحلي يتألف من رجل وامرأة كقياديين، إلا أن هذا الدور لم يرق حد الكومبارس.
ورغم عمل مجالس الرقة المحلية على تشكيل لجان تصب تركيزها على دور وقضايا المرأة وتوفير مناصب لها في المجتمع، إلا أنها في الوقت نفسه تغض هذه اللجان طرفها عن الدور المؤثر للمرأة بالرغم من توفير تلك المجالس مشاريع جديدة تستهدف المرأة، كتدريبها على مهارات مهنية جديدة.
وبالرغم من ضعف الدعم المجتمعي، فإن هذه اللجان تشكل مع منظمات المجتمع المدني المحلية دوراً مهماً في تمكين النساء الهاربات من تنظيم داعش، إذ يظهر تأثير هذه اللجان في تحسين دور المرأة وبناء قدراتها، وجعلها تنظر بعين المساواة مع الرجل من خلال دمجها في سوق العمل، وهذا ما أشار إليه القائمون على ورش العمل التدريبية، من خلال إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي، وذلك عن طريق إشراك النساء متساويات، ومدركات أنهن نصف المجتمع، خاصة بعد معاناة دامت نحو أربعة أعوام تحت حكم تنظيم داعش، الذي خلق نظرة عدائية للمرأة من قبل الجنس الآخر.
ويأتي هذا الإشراك للمرأة في سوق العمل بالتزامن مع النقص في صفوف الشباب، وذلك إما بسبب الهجرة إلى خارج سوريا، أو بسبب حملات التجنيد ضمن صفوف "قسد"، إذ تعدى هذا الإشراك إلى دخول المرأة ضمن قوة الشرطة والأمن الداخلي، في حين كانت تقتصر في السابق على الرجال، ويعد هذا نموذجاً جديداً ضمن المجتمع الشرقي الريفي والقبلي الذي تتمتع به الطبيعة المجتمعية في المناطق الشمالية الشرقية، حيث يكون دور المرأة محدداً جداً، إما في المنزل، أو المؤسسات الحكومية، وبعض الأعمال المكتبية ومثيلاتها.
وكانت "قسد" قد أنشأت قوة أمن داخلي، وشرطة مدنية من أجل إدارة الوضع الأمني في ريف الرقة ومدينتها، وتتألف هذه القوة من نساء عربيات وكرديات بالإضافة إلى الرجال، حيث يمرون بفترة تدريب تتراوح بين 25 - 45 يوماً، يتلقون خلالها محاضرات أكاديمية وسياسية وتدريبات عسكرية، مقابل راتب شهري ومساعدات غذائية، وهو ما يدفع كثيراً من الفتيات إلى الانضمام إلى أحد فروع قوة الأمن الداخلي.
التغيير الذي استطاعت "قسد" تحقيقه في دور المرأة، يعيه الأهالي ويصفون هذه الأساليب بـ "العدوانية" واستغلال الوضع المادي غير المستقر للمرأة لتحقق "قسد" أهدافها الخاصة، من خلال إجبار النساء في شمال شرقي سوريا على حضور التجمعات والمؤتمرات، والتهديد بقطع الرواتب والمنح الشهرية عنهن إذا رفضن المشاركة.
كما قامت قسد بتنفيذ حملات تجنيد إجباري للنساء، وخطف الفتيات دون سن السادسة عشرة، وإلحاقهن بقواتها، بحسب ناشطين.
وليست النساء النازحات، القاطنات في مخيمات اللجوء على الأراضي الشمالية الشرقية بأفضل حالاً من النساء خارجها، فهن يعشنَ ليس فقط شظف عيش وقسوة المخيم، بل سوء المعاملة والانتقام بحجة التعامل والتواصل المزعوم مع تنظيم الدولة، كما تحدثت تقارير عن استغلال نساء المخيمات في التجارة الجنسية مقابل المساعدة.
التمكين لهدف سياسي ليس تمكيناً
فقدت المرأة السورية الكثير في هذه الحرب الطويلة، سواء أكان أهلاً أو إخوة أو أزواجاً، وحتى بيتها وعملها ومالها، ولذا فإن تمكينها أصبح ضرورة لضمان حقها في الحياة والأمن، فاليوم تعيش العديد من النساء في المخيمات، ولذا فقدنَ حقهن في التعلم والعمل.
وإذا أصبح دمجها في القوات الأمنية، والمجالس المحلية هدفاً سياسياً، فإن هذا الدمج لن يؤدي إلى تمكينها، ولذا كي تكون المرأة في مكانها الحقيقي، وتتولى أدواراً قيادية من أجل تغيير جذري وحقيقي، فإن ذلك يتطلب ضغطاً أممياً ودولياً يضمن تعليم النساء وتمكينهن، من أجل قدرتهن على إعادة هيكلتهن ضمن مجتمعاتهن، هنا فقط تكون المرأة لاعباً أساسياً في النهوض بالمجتمع، وإلا كان تمكينها عقيماً.