منذ ستينيات القرن الماضي والمخرج كين لوتش يقدم لنا أفلاماً ملتزمة ذات رسالة نبيلة تدور حول مواضيع لا يجرؤ غيره من المخرجين على الاقتراب منها. ولهذا حظي هذا الرجل بإطراء كبير لتركيزه في أعماله على الفقراء والمهمشين، ويقدم لنا لوتش اليوم أحدث أفلامه حيث صوره في قرية متهالكة، كانت في السابق تعيش على مناجم المعادن، وتتبع لمقاطعة دورهام، بيد أن هذا الفيلم يعبر عن حالة التوتر بين أهالي تلك القرية واللاجئين السوريين، وفي ذلك قصة جديرة بالاهتمام، يتمنى من يتابعها لو أنها طرحت بجدية أقل.
دراما تلفزيونية لا سينمائية
كان الحوار في هذا الفيلم بسيطاً وسطحياً، أما حبكته فمن العيار الثقيل، وكان أداء بعض من مثلوا أدواراً ثانوية أقرب للهزلي، وذلك مؤسف نظراً للأهمية الكبيرة التي تتمتع بها أهم شخصيتين في العمل، وهما شخصية تي جي التي لعبها ديف تيرنر، التي تمثل صاحب حانة شجرة البلوط العتيقة، وهو رجل مطلق في أواسط العمر، وتسعى هذه الشخصية جاهدة لتبقي الحانة مفتوحة على الرغم من قلة عدد مرتاديها. أما شخصية يارا التي مثلتها إيبلا ماري، فهي شابة سورية وصلت منذ فترة قريبة إلى تلك القرية برفقة أمها وأشقائها، بعدما تركوا أباهم في بلدهم وأغلب الظن أنه توفي هناك.
إلا أن كل الأمور تختلف عما بدت عليه في البداية، إذ نجد بأن شخصية تي جي شخصية رقيقة وحساسة تربي كلباً صغيراً، أما يارا، فقد تحولت إلى فتاة قاسية وواسعة الحيلة بعدما أمضت عامين في مخيم للاجئين، ومن هنا يبدأ الصدام بين الشخصيتين، وهنا أيضاً يختفي الفارق الضئيل، فيارا التي تطمح لأن تصبح مصورة فوتوغرافية، تتعطل آلة التصوير خاصتها بعدما دفعها متعصب بصمت وبطريقة غير مقنعة في أثناء تهجمه على الحمقى الذين أطلقوا النار على صديقه في العراق. وهنا نكتشف أنه في الوقت الذي يعجب فيه المرء باستعانة لوتش بممثلين غير محترفين في أعماله، قد ينقلب هذا الأمر ضده في بعض الأحيان، عندما يتصل الأمر بالتمثيل الحقيقي.
هل سيكون آخر أفلام كين لوتش؟
أفضل ما يوصف الفيلم به ومعايير التمثيل فيه هو أنه دراما الهواة المحلية، على الرغم من أن النص التقريري للفيلم لم يخدم الممثلين كثيراً، إذ ظهرت أسوأ الحوارات بين الممثلين في الحانة، وذلك عندما يتهجم السكارى على يارا ويصفونها بأنها تدخل المكان وكأنها صاحبته، ثم يتهجمون بفظاظة أكبر عندما يسمح لها تي جي ولغيرها من السوريين باستخدام القاعة الخلفية كمقصف، وهنا يتحول الحوار والتمثيل إلى دراما تلفزيونية لا سينمائية.
إن أي عمل تخريبي يحدث بدون تبرير منطقي لا بد أن يخلف بعض التعاطف، وعندما يتحول الأهالي بقدرة قادر من شخصيات كاريكاتورية تدعي أنها ليست عنصرية، ولكن.. إلى شخصيات متعاطفة مع إظهار امتعاض كبير، تصل السذاجة لمرحلة محرجة، ثم يبدأ المخرج بمقاومة الرغبة بجعل تي جي ويارا يقعان بحب بعضهما، ولهذا يختار لهما أن يفتتحا معا استوديو للتصوير الفوتوغرافي.
يخبرنا المخرج لوتش الذي بلغ السادسة والثمانين من العمر أنه يعتقد أن فيلم شجرة البلوط العتيقة قد يكون آخر أفلامه، غير أنه ليس فيلماً عظيماً لينهي به حياته المهنية، خاصة عندما نتذكر بأنه فاز بجائزة السعفة الذهبية وقدم لنا أفلاماً رائعة خلال مسيرته الفنية.
المصدر: The Times