تزداد معاناة السوريين بالحصول على الأموال القادمة من أقاربهم في الخارج، وسط استمرار المضايقات الأمنية عند الحصول عليها من السوق السوداء بالسعر الحقيقي، مقابل انخفاض سعر الصرف الرسمي للحوالات عبر القنوات الحكومية عن السعر الحقيقي بقرابة 1000 ليرة سورية، وهو مبلغ كبير يمكنه إحداث فرق لأي شخص أو عائلة.
وثّبت مصرف سورية المركزي سعر دولار الحوالات مؤخراً عند 1250 ليرة سورية، بينما يصل سعره في السوق السوداء إلى 2180 ليرة سورية.
الإقبال نحو السوق السوداء لا يزال أكثر من الإقبال على التحويل عبر القنوات الرسمية بسبب الفارق الكبير بسعر الصرف الذي يصل إلى نحو 100%، أي أن الـ 100 دولار التي يتم تحويلها عبر السوق السوداء تساوي نحو 218 ألف ليرة سورية، بينما يصل سعرها إلى 125 ألف ليرة عبر الطرق الرسمية.
الملاحقة حتى للحوالات النظامية
وأكد أكثر من شخص يتلقى حوالات من الخارج، أن عدم الإقبال على التحويل عبر القنوات الرسمية يعود إلى شقين، الأول هو سعر الصرف، والثاني هو الرقابة والمساءلة التي يتبعها النظام وخاصة على الحوالات التي تفوق المليون ليرة سورية والتي بالكاد تساوي 400 دولار.
وأضافوا أن "تكرار الحوالة شهرياً بهذا المبلغ أو أكثر، عرّض الكثيرين للمساءلة في فروع الأمن عن مصدرها وسبب وصولها وتواتر ورودها، ومن هو المرسل وغيرها من الأسئلة"، مشيرين إلى أن "الجميع بات بغنى عن هذه التصرفات الأمنية والرقابة المزعجة والتي تهدد حرية الأشخاص فقط لأنهم يريدون العيش".
وبدأ تضييق الخناق على الحوالات بعد صدور مرسومين من بشار الأسد بداية العام الجاري مع تدهور قيمة الليرة السورية إلى حدود مفاجئة، وجرّم المرسومان التعامل بغير الليرة السورية أو حتى الحديث بالدولار، وباتت الملاحقة الأمنية بعد المرسوم تطال المارة بالشوارع في سوق الحميدية والحريقة، وحتى التجار والشركات التجارية والفنية، ما أثر بشكل سلبي على الاقتصاد.
شبكات السوق السوداء ترفض التحويل
تشديد القبضة الأمنية على تسلّم الحوالات عبر السوق السوداء، جعلت عمليات التحويل من الخارج صعبة جداً، وخاصة بتزامن المرسومين مع إغلاق النظام للعديد من شركات الصرافة، إضافة إلى تشديد العقوبات على النظام وتطبيق قانون قيصر الذي يمكن أن يشمل حتى الأشخاص إن تبين دعمهم لنظام الأسد.
يقول وسام سوري الذي يعيش في ألمانيا إنه عانى كثيراً ليجد شبكة للتحويل عبر السوق السوداء في عيد الأضحى الماضي، علماً أن ما أرسله كان مبلغاً غير ضخم بالكاد يصل إلى 200 يورو لشراء خروفين من قبل ذويه والتضحية بهما.
وتابع "هناك بعض الأشخاص الذين اعتدنا أن نرسل عبرهم، لكنهم رفضوا، حتى إن البعض منهم أكد تخليه عن مهنة تحويل الأموال نهائياً، لأنهم لا يريدون تعريض ذويهم أو شركائهم في سوريا للخطر، ولا يريدون أن يتعرّضوا للمساءلة في ألمانيا حتى بتهم مثل تمويل النظام أو جماعات مسلحة، وخاصة أن أغلب الحوالات الخارجية تتم عبر شبكات وليس شركات صرافة".
وأضاف "سابقاً كنا نعتمد على شخص واحد في القامشلي نرسل له حوالة بنكية إلى حسابه في تركيا وهو يقوم بتحويل قيمتها بالليرة السورية إلى صاحب الحوالة ضمن أراضي النظام مقابل عمولة وعبر شركات االتحويل المرخصة، وفي كل فترة يقوم بسحب الحوالة البنكية الخاصة به".
صعوبات وعمولات كبيرة
وتابع "لكن مع إغلاق النظام لشركات الحوالات النشطة في شمال شرقي سوريا مثل آراك والحافظ ومرسال، ومراقبة الحوالات ومقدار ترددها وقيمتها عبر شركة الهرم، بات الأمر صعباً جداً".
ويؤكد أحد العاملين بمهنة تسليم الحوالات في دمشق مفضلاً عدم ذكر اسمه "كنا نعتمد على القادمين من الخارج لتسليمنا الدولارات المودعة من المحولين في الخارج، لكن مع أزمة كورونا بات الحصول على تلك المبالغ كل فترة أمراً في بالغ الصعوبة، وبات التسليم في سوريا صعباً جداً مع تآكل رأس المال لعدم القدرة على تأمين مبالغ من الخارج بشكل دوري".
وأشار إلى أن أسلوب العمل المتبع لديهم سابقاً بسيط جداً، يعتمد على وجود رأسمال بالليرة السورية في سورية لدى الموزع الرئيسي، وفي كل فترة يقوم شخص من الشبكة بتوصيل مبلغ من الخارج إليه من الدولارات أو اليوروات المودعة من أجل التحويل، ليقوم بدوره بتصريفها من التجار في أسواق الحميدية والحريقة لإعادة كتلة نقدية تتيح لهم العمل لفترة جديدة".
كل تلك الصعوبات بالتحويل والتسليم، ساهمت برفع نسبة العمولة التي كانت تتراوح بين 2 – 5% فقط من كامل المبلغ، حتى وصلت اليوم إلى 10%، بحسب حديث سامي الذي يحصل على حوالات دورية من أقاربه في تركيا، وأكد أن "العاملين في التحويل باتوا قلّة، ويستغلون الوضع القائم في سوريا من تشديد القبضة الأمنية، فقاموا برفع سعر التحويل إلى 10%، وهذا المبلغ ضخم جداً".
وأضاف أن الـ "10% يعني أنه مع كل 1000 دولار يعود 100 دولار للشبكة، وهذا المبلغ يكفي شخصاً لشهر تقريباً في سوريا، ونحن عائلة كبيرة بحاجة إلى أي ليرة سورية، لكننا مضطرون للاستمرار بالتعامل مع هذه الشبكة خوفاً من المخاطرة مع غيرها".
سياسة النظام في الحوالات تزيد من البطالة
ويشار إلى أن الكثير من الشركات التي تعمل في مناطق سيطرة النظام في سوريا يديرها أشخاص مغتربون ويعتمدون على حوالات السوداء لصرف رواتب الموظفين نتيجة الفارق الكبير جداً بين السعر الرسمي والأسود الذي يساعد بتشغيل عمالة أكبر، وبعد التشديد الأخير بات من الصعب جداً الإبقاء على جميع العاملين وزادت البطالة؛ لأنه من الصعب أن تبقى الكتلة النقدية المنفقة على الرواتب ضخمة لصعوبة التحويل واستغراقه وقتاً طويلاً.
وبعد صدور مرسومي الأسد، وتحديداً في آذار الماضي، قال أستاذ المصارف في جامعة دمشق علي كنعان، إنه من المتوقع أن تنخفض الحوالات إلى مليوني دولار يومياً في 2020 بسبب قلة تحركات الأشخاص المقيمين خارجاً وصعوبة تنقلهم، مع تطبيق إجراءات حظر التجول، إضافة إلى توقف عمل عدد كبير من شركات التحويل عالمياً.
وتعتمد أغلب الأسر التي تعيش في مناطق سيطرة النظام، على أموال يحولها أقرباء لها خارج سوريا، وقدر "البنك الدولي" حجم الحوالات الداخلة إلى سوريا في 2016، بحوالي 1.6 مليار دولار، أي نحو 4.5 ملايين دولار يومياً، وارتفعت في 2017 إلى نحو 6 ملايين، في حين قال كنعان إن الحوالات في 2018 انتعشت أكثر ووصلت إلى نحو 12 مليون دولار شهرياً للواردة فقط.