انقضى التاسع من ذي الحجة، وحلّ عيد الأضحى الذي يحمل أجواء روحانية واجتماعية تزداد أهميتها في البلدان غير الإسلامية بين أبناء الجاليات المسلمة، مهما اختلف المكان الذي تحل فيه تلك التقاليد
في ألمانيا كما كل البلدان التي لا تعتبر الأعياد الإسلامية عطلا رسمية، يكون يوم عمل وبالنسبة للمدراس يوم دوام رسمي، إلا أن العرف جرى بأن يعطل أبناء الجالية الإسلامية دون أي تبعات، ورغم ذلك يفضل بعض الأهالي إخطار المدرسة بأن عيدا أو مناسبة ما تصادف في هذا اليوم.
سوريون وعرب يحاكون أجواء العيد في بلادهم
يحاول أبناء الجالية العربية أن يحاكوا أجواء مشابهة لتلك التي يحملها العيد ببهجته في بلدانهم وذلك من خلال تنظيم فعاليات مجتمعية في اليوم الأول من العيد، لخلق جو احتفالي وجعل الأطفال يعيشون شعور بهجة العيد.
جاء أبو زين (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) في العام 2013 إلى ألمانيا، بعد أن تم تهجيره من القصير غربي حمص واليوم يكون قد أمضى نحو عشرين عيدا بعيدا عن أهله، يقول لـموقع تلفزيون سوريا: "يعد عيد الفطر في ألمانيا فرصة لنا كجالية عربية للتعبير عن هويتنا وتقاليدنا الدينية والثقافية، والأهم أنه فرصة للتواصل والتفاهم والتعارف بين المجتمعات المختلفة في أوروبا، والكثير من الألمان يبدي اهتمامه لمعرفة الكثير عن المظاهر التي تجعل من طقوسنا وأعيادنا مناسبات فريدة ومميزة".
ويضيف أبو يزن "تبدأ احتفالات عيد الأضحى في برلين بعد أن يؤدي المسلمون صلاة العيد في المساجد وخصوصا تلك المتوزعة بالقرب من شارع العرب وخصوصا مسجد السلام، ولاستيعاب الأعداد الكبيرة للمصلين تتم إقامة عدة صلوات من السابعة صباحا وتمتد إلى ما قبل صلاة الظهر حيث تضم رجالاً ونساء وأطفالاً من مختلف الأعمار والجنسيات، وعادة ينظّم مجموعة من المتطوعين هذه الفعاليات".
يشير أبو يزن إلى أن الفعاليات المختلفة التي تتبع الصلاة تعتبر مناسبة مهمة لإظهار الجمال والتعددية في الثقافة الإسلامية، والمساهمة في تعزيز التفاهم الثقافي بين المكونات المختلفة في المجتمع، حتى إن المشاركين من الألمان في الفعاليات المقامة في شارع العرب لا يقل عددهم عن المسلمين المحتفلين بالعيد".
العيد في شارع العرب ببرلين
من جهته يرى أنس الشيخ القادم من رنكوس في ريف دمشق أن للعيد في برلين نكهة مختلفة إذا ما قارناه بالمدن الألمانية أو باقي العواصم الأوروبية، والسبب هو ارتفاع نسبة العرب في العاصمة الألمانية، فشارع العرب بكل ما يحتويه من مطاعم ومقاهٍ عربية يكتظ خلال العيد بالجالية العربية لتبادل التهاني والمعايدات، وتنشط سوق بيع الحلويات مثل كعك العيد أو "المعمول"، الشيء الذي يشبه إلى حد كبير أجواء وتقاليد البلاد العربية.
رغم كل ذلك، يقول الشيخ إن "العيد في الغربة لا يقارن إطلاقا بالعيد في بلداننا حيث يظل له طعم خاص ونكهة مميزة في المجتمعات العربية والمسلمة، وهي حقيقة يعرفها كل من تلظى بنار الغربة، لكن هذا لا يجب أن يحول دون أن يحتفل المسلمون في الغربة والاستمتاع بهذه المناسبة المجتمعية العظيمة، التي تظل برغم كل الظروف محتفظة بجمالها وقدسيتها".
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد المسلمين في ألمانيا، فتقديرات 2023 تشير إلى أنه يتراوح بين 3.8 و4.5 ملايين نسمة، يشكل الأتراك أكثر من نصفهم بنحو 2.5 مليون نسمة، ويعود هذا التفاوت الواضح بين الرقمين إلى أن الإسلام غير معترَف به دينا في ألمانيا، على الرغم من أن الدستور الألماني يحترم حرية العقيدة.
أجواء عيد الأضحى حاضرة بقوة في ألمانيا
أما أبو موفق فيرى أن تقاليد العيد لا تزال حاضرة بقوة في ألمانيا "صباح العيد يرتدي المصلون ملابسهم التقليدية التي تعكس ثقافات بلدانهم الأصلية، ويحملون سجاد الصلاة لأداء صلاة العيد، وما إن يفرغون من الصلاة حتى تتجتمع العائلات العربية في المطاعم والمقاهي وفي شارع العرب حيث تقام مراجيح العيد للأطفال وهم يرتدون الملابس الجديدة".
ويختم أبو موفق كلامه لموقع تلفزيون سوريا "الأطفال هم الفئة الأكثر فرحاً وابتهاجا بالعيد، فهم ينتظرون قدوم العيد للخروج وممارسة الألعاب المتنوعة، كما تُعد العيدية واحدة من أهم عادات العيد وتقاليده التي حافظت عليها الجالية المسلمة في ألمانيا إذ يحصل الصغار على العيدية من الكبار في العائلة كالأبوين والأقارب وأصدقاء الأهل".
في نهاية المطاف، يبقى لعيد الأضحى في ألمانيا تقاليده الخاصة به بنكهته المختلفة التي تعكس الثقافات الأصلية للشعوب، لتجعل منه عيداً واحداً متعدد الألوان بتعدد الأعراق والمشارب.