أعلنت داعش مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في العاصمة الروسية موسكو والذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، داعش أصبحت مرآة لكل عملية مخابراتية في العالم، ولم يعد تبنيها للهجمات الإرهابية يؤخذ على محمل الجد، بل الكثير من المسؤولين في دول العالم أصبحوا يرون في داعش واجهة ويد تتحكم فيها العديد من الدول، وآخرهم بوتين الذي اتهم أعداء روسيا بدفع داعش لتنفيذ الهجوم الأخير على المجمع التجاري في موسكو. ومن الصعوبة بمكان في الوقت الحالي التنبؤ بشكل دقيق بخلفيات الهجوم ومن يقف ورائه، لكن ذلك لم يمنع من وضع بعض الافتراضات التي قد تصيب جزء من الواقع. وأحاول في هذا المقالة وضع بعض الافتراضات أو التصورات حول خلفيات من يقف وراء هذه العملية التي سيكون لها انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار الدولي، وقد ينتج عنها أزمات سياسية واقتصادية ترهق العالم أجمع.
يهدف بوتين من وراء إقرار "حالة البلاد في الحرب" لتهيئة المجتمع الروسي للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا
تستند هذه المقالة لتحليل خلفيات العملية التي شنت على مجمع تجاري في موسكو على ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول: وقوف المخابرات الروسية وراء التفجير لتحقيق أهداف بعيدة المدى وهو سيناريو مرجح بشكل كبير. يستند هذا السيناريو على رغبة بوتين في حشد الموارد الداخلية للدولة بإعلان البلاد واقتصادها في حالة حرب، من خلال استغلال العملية التي راح ضحيتها مدنيين، وبذلك يضمن الحشد الشعبي من حوله. وإعلان البلاد واقتصادها في حالة حرب يسمح للدولة في استغلال وحجز واستخدام كافة موارد الدولة العامة والخاصة ويضعها تحت تصرف الدولة لمواجهة المخاطر الخارجية القادمة من الأعداء وهم بحسب وجهة نظر بوتين حلف الأطلسي (الناتو). ويهدف بوتين من وراء إقرار "حالة البلاد في الحرب" لتهيئة المجتمع الروسي للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا قد تشمل احتلال مدينة أوديسا الميناء الأوكراني الوحيد على البحر الأسود، وبذلك تسيطر موسكو على كامل القسم الشمالي للبحر الاسود. وقد يمتد التوسع الروسي لتحقيق أهداف أبعد من أوديسا لتصل توجيهات ضربات على العاصمة الاوكرانية كييف.
ومن جانب اخرى قد نقرأ من تبنى داعش للعملية لإعطاء بوتين الشرعية للقيام بعملية عسكرية في إحدى الدول التي تتواجد بها خلايا داعش. كما يستند هذا السيناريو على رغبة بوتين في إعادة توحيد وحشد المجتمع الروسي من حوله بعد ثلاثة أعوام من الحرب على أوكرانيا وفي ظل العقوبات القصوى المفروضة على البلاد. وتوقيت هذه العملية يخدم الروس في الحقيقة، فالولايات المتحدة الأميركية في حالة غير مستقرة بسبب الانتخابات، والدول الأوروبية تعيش حالة تراجع بسبب تحديات تواجه اقتصاداتهم وتوقعات بدخولهم في حالة ركود.
السيناريو الثاني: وقوف المخابرات الأوكرانية وراء التفجير وهو سيناريو مرجح بشكل كبير. يستند هذا السيناريو على مجموعة من الفرضيات: أولاً، قيام المخابرات الأوكرانية بالسابق بعدد من العمليات داخل الأراضي الروسية وكان آخرها تفجير جسر القرم واغتيال ابنة أحد المفكرين الروس المقربين من بوتين. ثانياً، رغبة كييف في توريط الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية أكثر في الحرب، والحصول على دعم غير محدود، لاسيما بعدما انخفض الدعم الغربي المقدم لها في الفترة الأخيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري وحتى الإعلامي لصالح إسرائيل، مما أدى إلى تحقيق روسيا تقدم على بعض المحاور في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، لاسيما بعدما أبدت الدول الأوروبية لاسيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا عدم موافقتها على إرسال قوات وأسلحة مثل طائرات حربية إلى الجيش الأوكراني، رغبةً منهم في الحفاظ على عدم التصعيد العسكري مع روسيا، وهو عكس ما يطلبه بشكل دائم الرئيس الأوكراني.
السيناريو الثالث، وقوف حلف الأطلسي (الناتو) وراء العملية، وهو سيناريو بعيد، إلا أنه يستند على الضغط والتهديد الذي يمارسه الناتو على روسيا لوقف وعدم توسيع عملياته العسكرية على أوكرانيا. وقد بدأ منذ فترة الناتو بمناورات عسكرية، وهدد ماكرون الرئيس الفرنسي بإرسال قوات أوروبية للقتال في كييف. لكن هذه التهديدات قد تكون للضغط على بوتين أكثر من أن تكون تهديدات فعلية، لأن الدول الأوروبية أكثر حرصاً من روسيا على عدم توسع الحرب، التي إذا توسعت ستهلك القارة العجوز وتعيدها لفترة الحرب العالمية الثانية. كما لا يدعم تحقق هذا السيناريو كما ورد في السيناريو السابق عدم رغبة الناتو بالتصعيد مع الروس بقدر يهدد السلم والأمن في أوروبا أكثر مما هي عليه الآن.
سيكون لهذه العملية ارتدادات اقتصادية، فروسيا مصدر هام لموارد الطاقة (النفط والغاز) والحبوب ودخوله في أي عمليات عسكرية واسعة خارجية سيرفع من أسعار موارد الطاقة والحبوب
سيكون للهجوم على موسكو انعكاسات على كافة المستويات، فروسيا دولة كبرى تمتلك جيش قوي، وتصنف نفسها كدولة مؤهلة لتكون جزء من نظام دولي متعدد الأقطاب لن ترضى بهز صورته القوية أمام العالم، ولكي تحافظ على صورتها سيكون سلوكها في رد الفعل كبير ومؤثر له صدى، وقد يحدث اضطراب على الساحة الدولية على المستوى الأمني والعسكري. كما سيكون لهذه العملية ارتدادات اقتصادية، فروسيا مصدر هام لموارد الطاقة (النفط والغاز) والحبوب ودخوله في أي عمليات عسكرية واسعة خارجية سيرفع من أسعار موارد الطاقة والحبوب، وبدوره سيزيد من مستويات التضخم التي تعيشها اقتصاديات العالم لاسيما الدول الأوروبية. والحدث التي عاشته موسكو من المحتمل أن يغير من المعادلة التي تحكم السياسة الدولية في الوقت الحالي.
بالنتيجة نقف في سيناريوهات هذه المقالة على تحديد أهم المستفيدين من وراء الهجوم الذي تعرضت له موسكو، وبحسب ما ورد في السيناريو الأول والثاني هما المرشحين لتوضيح من يقف وراء هذه العملية التي سيكون لها انعكاسات كبيرة على الساحة الدولية، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، في حال أي من هذه السيناريوهات هو الأرجح.