تلقى كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري هزائم سياسية متتالية رغم أن حزبه هو أكبر أحزاب المعارضة، ويعد الشخصية الأكثر انتقاداً على لسان الرئيس التركي رجب أردوغان، والشخص الوحيد الذي تحداه الأخير ليكون في مواجهته في رئاسيات 2023.
وصفه أتراك بأنه يفتقد كاريزما الرئيس، وهي مهمة صعّبها عليه أردوغان الخطيب البارع وصاحب الكلمات القوية أمام الحشود الغفيرة بلا ورقة ينقل منها.
وعوده المتكررة بعد ترشحه للانتخابات التركية بإعادة السوريين "بالطبل والزمر" خلال عامين وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع بشار الأسد، تسببت بمخاوف كبيرة لدى نحو 4 ملايين سوري في البلاد، ثم تحول هذا الخطاب من وعود انتخابية إلى ورقة انتخابية يتاجر بها ساسة البلاد لكسب أصوات شريحة واسعة من الأتراك الراغبين بإعادة السوريين إلى بلادهم.
ولد كمال كليتشدار أوغلو الخبير الاقتصادي والموظف الحكومي السابق، في بلدة ناظمية بولاية تونجلي عام 1948، لعائلة تنتمي للطائفة العلوية وتعود أصولها إلى خراسان في إيران.
بدأ كمال كليتشدار أوغلو نشاطه السياسي بشكل فعلي كنائب في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري تزامناً مع تسلم حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002، ومع لمعان اسمه تم ترشيحه لمنصب عمدة بلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية التركية لعام 2009، لكنه حصل على 37 في المئة من الأصوات وظل في المركز الثاني مقابل فوز قدير طوباش عن حزب العدالة والتنمية بنسبة 44.7 في المئة من الأصوات.
وفي مفاجأة أحدثت ضجة كبيرة في تركيا، استقال زعيم حزب الشعب المعارض دينيز بيكال من منصبه في أيار 2010، إثر فضيحة انتشار فيديو له مع امرأة في غرفة نوم، علق عليه بأنه "ضحية مؤامرة"، لكنه كان بمنزلة الهدية التي مهدت الطريق أمام كليتشدار أوغلو ليتربع على كرسي زعامة المعارضة التركية منذ ذلك الوقت.
قاد كليتشدار أوغلو حزبه لحصد المرتبة الثانية خلال الانتخابات البرلمانية عام 2010، وهي النتيجة ذاتها في انتخابات عام 2014 و 2019.
أخفق كمال كلتيشدار أوغلو في جميع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية واستفتاء الانتقال للنظام الرئاسي منذ تسلمه رئاسة حزب الشعب الجمهوري في 22 من أيار عام 2010 في مقابل حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس أردوغان، ومع ذلك بقي كليتشدار أوغلو في منصبه مؤكداً أنه زاد عدد مقاعد حزبه في البرلمان والبلديات بنسب كبيرة.
ورغم معارضته للحكومة وانتقاده المتكرر لسياسات أردوغان، فإنه وقف ضد محاولة الانقلاب الفاشلة وانتقد المشاركين فيها.
وبعد سنوات طويلة من الإخفاق نجح حزب الشعب في الوصول إلى السلطة، بعد الفوز برئاسة بلديات أكبر ثلاث مدن تركية، إسطنبول وأنقرة وأزمير، وهو ما أعطاه دفعا لتشكيل تحالف من ستة أحزاب معارضة عام 2022، وتأسيس الطاولة السداسية المعروف باسم تحالف الأمة، الذي يضم إلى جانب حزب الشعب، خمسة أحزاب معارضة وهي حزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم.
ورغم عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة التركية في عامي 2014 و2018، أصبح أبرز منافسي الرئيس أردوغان بعد التوافق عليه في الطاولة السداسية، وفي السادس من آذار أعلن تحالف المعارضة التركي، ترشيح كمال كليتشدار أوغلو لمنصب رئاسة الجمهورية لأول مرة في حياته، ليواجه الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها يوم غد الأحد.
سيرة ذاتية مفصلة
كليتشدار أوغلو.. الموظف البيروقراطي
ولد كمال كليتشدار أوغلو في ولاية تونجلي عام 1948، أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي في أجزاء مختلفة من الأناضول، تخرج في أكاديمية أنقرة للاقتصاد والعلوم التجارية (كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة غازي حالياً) عام 1971، والتحق بها لإكمال تعليمه العالي. في عام 1971، عندما أكمل تعليمه الجامعي، بدأ العمل في وزارة المالية بعد امتحان مساعد المحاسب.
بعد عمله الطويل في وزارة المالية أصبح محاسباً خبيراً ثم انتقل إلى فرنسا وبقي فيها لمدة عام واحد، واستمر بعمله في مجال المحاسبة حتى عام 1983، ثم عين في المديرية العامة للإيرادات في العام نفسه ليشغل منصب مدير قسم إلى أن رُقي لمنصب نائب المدير العام للمؤسسة نفسها.
بقي الموظف الحكومي الذي لم يتوقع أن يصبح أحد نجوم المعارضة التركية في ذلك الوقت، موظفاً حكومياً يمارس البيروقراطية، حيث انتقل إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية عام 1991 ليشغل منصب نائب وكيل وزارة العمل والضمان الاجتماعي لفترة قصيرة.
في عام 1994 اختارته مجلة "إيكونوميك تريند" "بيروقراطي العام"، قبل أن يتسلم إدارة المديرية العامة لمؤسسة التأمين الاجتماعي حتى عام 1999 حين استقال في كانون الثاني من ذلك العام من تلقاء نفسه.
بعد تركه الوظيفة الرسمية تطلع كلتيشدار أوغلو إلى أعمال أكثر حضوراً عبر ترأسه للجنة الاقتصاد غير الرسمي في دراسات خطة التنمية الخمسية الثامنة، وألقى محاضرات في جامعة "حاجي تبه" بأنقرة.
وفي لحظة مهمة من حياته شغل عضوية مجلس إدارة بنك العمل التركي "Türkiye İş Bankası"، أحد أقوى البنوك التركية والذراع المالي الأضخم لحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.
متى انضم كلتيشدار أوغلو للحزب الجمهوري؟
في السيرة الذاتية التي أوردها حزب الشعب الجمهوري على موقعه الرسمي عن زعيمه، يعود في الماضي مطولاً ولكنه لا يذكر الكثير من تفاصيل سيرته الحالية سوى متى أصبح نائباً في البرلمان ومتى ترأس الحزب.
ما حصل مع كليتشدار أوغلو أنه لم يبدأ المعترك السياسي في حزب الشعب، بل في حزب اليسار الديمقراطي (DSP) الذي كان يقوده مصطفى بولنت أجاويد الذي شغل منصب رئيس الوزراء لأكثر من مرة في تركيا عن حزب الشعب ثم عن حزبه الجديد، وكان اسم كليتشدار أوغلو على لوائح الانتخابات البرلمانية عام 1999، لكن بولنت أجاويد لم يرشحه.
بعد ذلك بدأ تواصله مع أعضاء في حزب الشعب الجمهوري، وأعد تقريراً عن الفساد داخل الحزب، حيث إن التقرير لفت انتباه زعيم حزب الشعب حينها دينيز بايكال الذي دعاه للانضمام ثم رشحه لانتخابات 2002 ليكون نائباً عن إسطنبول لأول مرة. في ذلك العام كان البرلمان مقسوماً بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري فقط.
الصعود إلى زعامة الحزب
بعد تراجع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية عام 2004، بدأت الدعوات لإعادة هيكلة الحزب وعقد مؤتمر استثنائي، في الوقت الذي نشر 30 نائباً في الحزب بياناً بعنوان "حركة المسير إلى السلطة"، وكان كليتشدار أوغلو من بين الموقعين.
شن دينيز بايكال حملة تطهير طالت جميع الموقعين الذين طالبوا بالتغيير في الحزب، لكن كليتشدار أوغلو لم يدخل في القائمة السوداء للحزب.
تم انتخاب كمال كليتشدار أوغلو نائباً لرئيس مجموعة الحزب في البرلمان بناءً على طلب دينيز بايكال، وطلب منه التركيز على ملفات الفساد في الحكومة.
ومع لمعان اسمه في حزب الشعب، تم ترشيحه لمنصب عمدة بلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية التركية لعام 2009، لكنه حصلَ على 37% من الأصوات وظلَّ في المركز الثاني مقابل فوز قدير طوباش عن حزب العدالة والتنمية بنسبة 44.7% من الأصوات.
صديق بشار #الأسد وهمّه الأول إعادة اللاجئين السوريين
— تلفزيون سوريا (@syr_television) March 7, 2023
من هو "كليتشدار أوغلو" منافس #أردوغان على منصب رئاسة الجمهورية؟#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/OESAEwu7hu
وفي مفاجأة أحدثت ضجة كبيرة في تركيا، استقال زعيم حزب الشعب المعارض دينيز بيكال من منصبه في أيار 2010، إثر انتشار فيديو له مع امرأة في غرفة نوم، علق عليه بأنه "ضحية مؤامرة"، بحسب وكالة "رويترز".
تلك الفضيحة التي اتهم "العدالة والتنمية" الحاكم بأنه وراءها من حزب الشعب الجمهوري، كانت بمثابة الهدية التي عبدت الطريق أمام كليتشدار أوغلو ليتربع على كرسي زعامة المعارضة التركية منذ ذلك الوقت.
وفي 25 من كانون الأول 2021، هاجم الرئيس أردوغان كليتشدار أوغلو، مشيراً إلى أنه وصل لرئاسة حزب الشعب بعد "شريط فيديو مسرب لفضيحة جنسية لرئيس الحزب السابق (دينيز بايكال)".
وقال أردوغان "حزب الشعب الجمهوري الآن يعتمد سياسة (الرُجيل) الواحد الذي يحكم الحزب بسياسات غير معلومة. بعد أن وصل لرئاسة الحزب عبر شريط فيديو لفضيحة جنسية لرئيس الحزب السابق".
وأردف: "بغض النظر عن مقدار ما ننتقده، فإننا نأسف بشدة لأن حزب المعارضة الرئيسي في بلادنا قد وُضع في مثل هذا الموقف".
رجل الظل
بغض النظر عن الحديث المستمر في الإعلام الموالي للعدالة والتنمية عن أن "كمال بي" كما يسميه أردوغان ليس سياسياً محنكاً، يبدو أن زعيم المعارضة يلعب لعبة السياسة ويعرف دوره تماماً، فقد استطاع البقاء في منصبه رغم كل الخسارات السابقة في مختلف الانتخابات الماضية، رغم تحسين وضع حزبه مقارنة بالعقد الأول للعدالة والتنمية في الحكم.
وبقي كليتشدار أوغلو رجل الظل في معظم المعارك الانتخابية منذ استلامه للمنصب، فقد اجتمع مع حزب الحركة القومية في معارضة أردوغان في انتخابات الرئاسة لعام 2014 ورشحوا سوياً أكمل إحسان الدين أوغلو الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي باعتباره شخصاً محسوباً على المحافظين أيضاً ليفوز بمنصب الرئاسة في وجه أردوغان ولكنه فشل.
وفي انتخابات 2018، قدم أبرز منافسيه على قيادة الحزب محرم إنجه "قرباناً سياسياً" لانتخابات الرئاسة في وجه أردوغان مجدداً، ففشل الآخر، وفي 2021 أسس إنجة حزب الوطن (memleket partisi) بعد فشله في إزاحة كليتشدار أوغلو عن زعامة الحزب.
وبالفعل استطاع - الذي يبدو أنه العدو السياسي الأول لأردوغان - من التخلص من منافسيه داخل الحزب، ومن كسب أصوات جديدة عبر معركة الانتخابات البلدية ورسم سياسات جديدة بتقديم مرشحين جدد مثل منصور يافاش (عضو حزب الحركة القومية سابقاً) الذي فاز برئاسة بلدية أنقرة عن حزب الشعب، وكذلك الأمر مع أكرم إمام أوغلو الشخصية المفاجأة الذي قدمها الحزب المعارض واستطاعت الفوز ببلدية إسطنبول أهم بلدية في تركيا وذات الرمزية السياسية الكبيرة.
ومع اختيار شخصيات محافظة لمناصب مهمة مثل بلديتي إسطنبول وأنقرة، بدأ الحزب بسلسلة من التغيرات الجذرية في خطابه محاولاً جذب الناخب المحافظ أو المناصر للتيارات الإسلامية، وإعادة تقديم نفسه كمتقبل للآخر غير العلماني عبر إثارة قضية الحجاب الحساسة والاعتذار عن الماضي الذي أدى لحظر ارتدائه.
قيادة المعارضة
ومع الوضع الاقتصادي المتبدل في تركيا منذ عام 2020 إثر تفشي وباء فيروس كورونا وصولاً إلى الانهيار الكبير في قيمة الليرة التركية نهاية 2021، بدأت المعارضة التركية وعلى رأسها كليتشدار أوغلو الحديث عن ضرورة إجراء انتخابات مبكرة ولكنها فشلت في تحقيق ذلك مع الجبهة المتماسكة للرئيس أردوغان وحليفه زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي.
ومع الصراع السياسي التنافسي الشديد في الساحة التركية أُسست أحزاب وليدة من رحم العدالة والتنمية مثل حزب المستقبل بقيادة أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا السابق عن العدالة والتنمية، وحزب الديمقراطية والتقديم بزعامة علي باباجان أحد وزراء العدالة والتنمية وبين مؤسسيه الأوائل.
وفي 12 من شباط 2022، تشكلت الطاولة السداسية المعارضة من اتجاهات متناقضة بين يمين ويسار من جهة وإسلامي وعلماني من جهة ثانية، ومعتدل وقومي من جهة أخرى، وترفع المعارضة لواء إنهاء حكم العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان بأي شكل سياسي ممكن، عبر اجتماعات دورية تمخض عنها العديد من المبادئ والبنود المنادية بإعادة النظام البرلماني المعزز عبر محاصصات حزبية.
وشهدت الأعوام الأخيرة في تركيا أزمات متتالية لم يكن الاقتصاد وحده في مقدمتها، بل أثارت المعارضة التركية "شوشرة سياسية" دائمة رغم تباينات المواقف بين الأحزاب المعارضة السداسية، خصوصاً بما يخص اللاجئين السوريين وضرورة إعادتهم لبلادهم بالطبل والزمر كما يؤكد كمال كليتشدار أوغلو والذي يطالب كذلك بضرورة تفعيل العلاقات مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.
إلى جانب ذلك بدا هناك استثمار واضح للكوارث الطبيعية مثل الحرائق التي اجتاحت مدن البحر الأبيض المتوسط، والفيضانات التي ضربت مدن الشمال المطلة على البحر الأسود، وأخيراً كارثة الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سوريا.
هل اختار أردوغان خصمه؟
لم تخرج المعارضة باسم مرشحها لمواجهة الرئيس رغم عشرات الاجتماعات التي عقدتها، وهي نقطة لا تحسب لها بل عليها، خصوصاً أن جبهة تحالف الشعب التي يقودها أردوغان ودولت بهتشلي تبدو متينة ولا خلافات فيها.
وخلال العام الماضي أثير موضوع مرشح المعارضة مئات المرات، عبر تسريبات صحفية عن كون مرشح الطاولة السداسية قد يكون أكرم إمام أوغلو أو منصور يافاش أو كمال كليتشدار أوغلو أو شخصيات أخرى لكن لم يحسم الأمر حتى تاريخ 6 من آذار 2023.
ورغم رفض حزب الجيد المحسوب على التيار القومي ترشيح كمال كليتشدار أوغلو وتصريحات زعيمته ميرال أكشنار النارية ضده، عادت إلى الطاولة السداسية بعد ثلاثة أيام لتوافق على ترشيحه دون تقديم إيضاحات.
وهذا يعني أن الطاولة السداسية قد اختارت المرشح الوحيد الذي دعاه أردوغان ليكون منافسه في الانتخابات الرئاسية، رغم استطلاعات الرأي المنخفضة التي تحدثت عنها ميرال أكشنر.
وفي العلاقات الدولية يعد اختيار الخصم وجره إلى مساحتك - كما فعل اليابانيون مع الروس في حربهم الكبيرة 1904- يرغم الخصم على العمل في منطقتك ووفقاً لشروطك، فهل نجح أردوغان في اختيار خصمه في أهم منافسة رئاسية من نوعها بتركيا بعد 20 عاماً في الحكم؟ السؤال سيكون مفتوحاً حتى نتائج انتخابات 14 من أيار والذي ترجح استطلاعات الرأي أن الفوز سيكون من نصيب من يضع قواعد اللعبة ويختار اللاعبين أيضاً.