خلال السنوات العشر الماضية وجدت كثير من النساء السوريات أنفسهن وحيدات في مواجهة ظروف الحياة الصعبة، وكان عليهن الاعتماد على أنفسهن بالكامل بسبب غياب الشريك والمعيل. وبما أن الحاجة للتنقل ما بين المسكن ومكان العمل باتت غاية في الصعوبة في الشمال السوري لغياب وسائل النقل العامة التي تصل جميع المناطق، واقتصادها على المدن الرئيسية، أصبحت قيادة النساء للسيارات من أبرز الأولويات.
صفاء زهرة سيدة من مدينة إدلب اتخذت من تدريب النساء على قيادة السيارات مهنة لها، ولاقت إقبالاً كبيراً من النساء المتدربات، حيث تعتبر السيدة صفاء زهرة أولى مدربات قيادة السيارة للنساء في الشمال السوري، وقد بلغ عدد النساء اللواتي قامت بتدريبهن ما يقارب الـ 500 متدربة.
تبلور الفكرة
بعدما قامت صفاء بتعليم ابنها قيادة السيارة، طلبت منها صديقتها أن تعلمها، وبعدها بدأت صديقتها بالحديث عن تلقيها التدريب على يد صفاء، وبدأت مطالب النساء المقربات منها بالازدياد بإلحاح كبير، وبدورها عرضت الفكرة على أفراد أسرتها ولاقت التأييد والتشجيع، فانطلقت بتدريب السيدات وسط إقبال ورغبة كبيرين.
تقول المدربة صفاء زهرة لموقع تلفزيون سوريا إن السبب الذي شجعها على تدريب النساء على قيادة السيارة هو الحاجة للاعتماد على الذات، ووجود كثير من النساء من دون رجال بسبب ظروف العمل والحرب وغيرها.
وتعتبر صفاء أن حاجة النساء الماسة لوسائل النقل كانت الدافع الأكبر لإقبالهن على التدريبات التي تقوم بها.
مراحل التدريب
وفي حديثها لموقع تلفزيون سوريا تقول المدربة صفاء زهرة: قبل البدء بالقيادة الميدانية يتوجب على المتدربة معرفة كل ما يتعلق بالقيادة بشكل نظري، وعندما تتقن وتتعلم المتدربة الأمور النظرية ننتقل للأمور العملية الميدانية ونمر على جميع المراحل والخطوات من أبسطها انتقالاً إلى الأكثر صعوبة وتعقيداً.
وتضيف زهرة: هناك برنامج منظم للتدريب، حيث لا يتخطى المتدرب مرحلة ما إلا بعد إتمامها وإتقانها بشكل كامل.
وتبلغ مدة التدريب خمس ساعات عملية بمعدل نصف ساعة يومياً، وهي ليست مدة ثابته بل تتعلق بمدى استجابة واستيعاب المتدربة، وتعتبر المدربة هذه المدة كافية للتدريب بحسب تجاربها مع معظم متدرباتها.
وتعتبر المدربة صفاء زهرة أن عمر المتدربة من أبرز عوامل استجابتها وإتقانها للقيادة فالمتدربة العشرينية قابلة للتعلم أكثر من نظيرتها الخمسينية.
وأشارت زهرة إلى أن أبرز المعوقات التي تواجهها كمتدربة ويواجهنها المتدربات هي نظرة المجتمع لقيادة المرأة للسيارة، والتي يغلب عليها الاستغراب والاستنكار.
كما يعتبر غياب مركز خاص بالتدريب أيضاً من أبرز المعوقات التي تواجهها، فهي تدرب النساء في باحة إحدى كليات جامعة إدلب، وذلك لعدم قدرتها المادية على إنشاء مدرسة خاصة لتعليم قيادة السيارات، وغياب المكان المناسب الصالح لاستئجاره للتدريب.
دوافع النساء لقيادة السيارة والمعوقات التي تواجههن
فيفيان البيوش وهي إحدى المتدربات قالت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا إن الحاجة الماسة للوصول إلى جامعتها التي لا تصل لها وسائل النقل العامة، وارتفاع أجور سيارات الأجرة الخاصة؛ دفعاها لتعلم قيادة السيارة، والتخلص من التكاليف المادية وضياع الوقت في وسائل النقل.
وتضيف بأن تشجيع أسرتها لها وترحيبهم بالفكرة ساهما في سرعة استجابتها وتعلمها القيادة.
وحول مدة التدريب، اعتبرتها البيوش قليلة، لكنها كافية بالنسبة للأساسيات، ويلزم السيدة المتدربة مواصلة التدريب على سيارتها الخاصة بعد انتهاء التدريب، وذلك للتمكن من قيادة المركبة بشكل كامل.
أيضا السيدة سناء العلي تقول بأنها وجدت نفسها مجبرة على التنقل بين منزلها وأماكن عملها المتغيرة باستمرار، وحاجتها للعودة إلى المنزل في مواعيد مختلفة للقيام بواجباتها المنزلية، وعدم تفرغ زوجها لمرافقتها بشكل دائم، حيث كانت تلك الأسباب مجتمعة هي الدافع لقيادتها للسيارة.
وحول المعوقات فتقول السيدة سناء بأن نظرة المجتمع لا تخلوا من السخرية والتهكم، ومحاولة النيل من النساء والتقليل من قدراتهن، واتهامهن بالجهل بقوانين السير.
وتشجع السيدة سناء النسوة على قيادة السيارات باعتباره حقاً طبيعياً لهن، ولا يحتاج إلا لقوة الشخصية والجرأة.