مع تسجيل أكثر من 660 ألف لاجئ سوري لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، وعلى الرغم من التقديرات التي تشير إلى أن أكثر من 80% منهم يعيشون تحت خط الفقر، إلا أن عودة السوريين إلى بلادهم ضئيلة جداً؛ فمنذ إعادة فتح الحدود بين سوريا والأردن منتصف تشرين 2018، وحتى نهاية آذار 2020، بلغ عدد العائدين إلى سوريا نحو 37 ألف سوري، بحسب المتحدث الرسمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، محمد حواري.
فيما تعلن روسيا بشكل يومي عن عودة دفعات جديدة من السوريين في الأردن، تقدر بالعشرات أو المئات، فإن ذلك يتنافى مع بيانات المفوضية التي أشارت في وقت سابق إلى أن الأرقام الحقيقية لديها تتنافى مع الأرقام الصادرة عن نظام الأسد.
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 على أن الإعادة القسرية للاجئ محرمة، في حال كانت حياته أو حريته مهددة على أساس العرق، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو تبنيه رأياً سياسياً.
هاجس يلاحق أحلام الشباب بالعودة
نشر موقع عربي بوست تقريراً حول مصير اللاجئين العائدين إلى سوريا، وحالات الاعتقال التي طالت مئات العائدين، وكيف وأُجبروا على الإدلاء بمعلومات عن أبنائهم وأقاربهم، كما تعدى الأمر ذلك، ووصل في كثير من الأحيان إلى التعذيب والإخفاء القسري، بحسب مراقبي حقوق الإنسان.
وروى أيهم، طالب جامعي، ما حدث مع ابن عمه مهاب الذي بدأ مشواره في الخدمة العسكرية عام 2009، رغم أن تشخيصه الطبي يثبت أن لديه شحنات زائدة في الدماغ، ما يتسبب له بنوبات صرع متقطعة.
وأوضح أيهم لـ "تلفزيون سوريا": "خلال تأديته لدورة الأغرار تعرض مهاب لنوبة صرع شديدة أدخلته في غيبوبة استمرت 6 أشهر قضاها في المشفى ليتم إعفاؤه وتسريحه من الخدمة على إثر ذلك".
وفي عام 2012 سافر مهاب الى الأردن مع والدته ليعود إلى دمشق عام 2018 بناء على طلب والده الذي أخبره أن وضعه الأمني والعسكري "سليم".
وفي مطار دمشق الدولي أوقفت المخابرات مهاباً، واقتادته مباشرة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وبعد مرور 4 أيام استطاع مهاب أن يخبر أهله بما حدث معه، وأنه اقتيد للخدمة العسكرية، التي ما يزال حتى اليوم يؤديها في ريف حمص الشرقي.
في قصة مشابهة، يخشى أبو عمار من زج ابنه ضياء في الخدمة العسكرية الاحتياطية بعد زيارته الأخيرة إلى دمشق، في شباط 2020، وصعوبة عودته للأردن بعد إغلاق الحدود في ظل جائحة كورونا.
وقال أبو عمار لـ "تلفزيون سوريا": "ضياء يعيش أصعب الظروف في دمشق، كان من المفترض أن يلحق بنا إلى الأردن بعد زيارتنا لدمشق لكن تأخر موافقة دخوله وظروف كورونا حالت دون ذلك"، وأضاف: "ضياء هو المعيل الوحيد للعائلة".
ورغم الدعوات المتكررة التي يوجهها نظام الأسد للاجئين خارج الحدود، فإن أعداد العائدين لا تزال طفيفة، وتقتصر في الغالب على كبار السن، دون الشباب، إذ إن الشعور بالخوف من الملاحقات الأمنية والعسكرية، لاسيما للمطلوبين في القضايا الأمنية أو للخدمة الإلزامية والاحتياطية، جعلت الكثير من الشباب يتخلون تماماً عن فكرة العودة، ناهيك عن صعوبة التكيف مع حياة الفقر وسوء الخدمات وندرة فرص العمل.
قرارات اعتباطية
حاول الكثير من فئة الشباب استكمال دراسته الجامعية في بلاد اللجوء بعد تهجيره، وحظي الكثير منهم على فرص في التعليم داخل جامعات الدول المضيفة، إلا أنهم صدموا بالقرارات والإجراءات الحكومية بعد عودتهم، وهو ما حصل مع سلام المحمد (اسم مستعار)، خريجة أدب إنكليزي من الجامعة الهاشمية في العاصمة الأردنية.
قالت لـ "تلفزيون سوريا" إن التربية لم تعترف بشهادتها عقب عودتها إلى سوريا، مشيرة إلى أنها سعت إلى تصديق أوراقها الثبوتية من وزارة الخارجية في دمشق، ومن ثم وزارة التعليم العالي، التي قدمت لها كل الأوراق المطلوبة و"أهمها مصدقة التخرج وكشف علامات لكل المواد التي درستها، وكشف عن شهادة الثانوية العامة، ونسخ مصورة لكل صفحات جواز السفر"، إلا أن قرار الوزارة جاء بالرفض بحجة أن "مصدقة التخرج لا تحمل توقيع رئيس الجامعة الهاشمية"، على الرغم من أن المحمد "أخبرتهم بأن التوقيع موجود على الشهادة وهذا المعترف عليه".
رد الموظف الحكومي على المحمد كان: "ضعي شهادة التخرج هذه كذكرى على الحائط، أما نحن فنريد مصدقة تخرج موقعة"، وهو ما لم تتمكن من تنفيذه كونه "غير متداول في دائرة القبول والتسجيل في الأردن".
شكل هذا القرار عقبة كبرى أمام مستقبل سلام التي لا تخولها شهادتها على التقدم للمسابقات التي تجريها وزارة التربية السورية للحصول على فرصة عمل، بحسب ما قالت، وهو ما دفعها إلى إعطاء "الدروس الخصوصية" لأجل مواصلة طموحها في التدريس و"تأمين بعض ما يوفر أساسيات الحياة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة".
وختمت المحمد حديثها: "ما أريد توضيحه أنه حتى لو قاموا بتعديل شهادتي، سيكون مطلوب مني دراسة بعض مواد السنة الرابعة من مناهج الجامعات السورية، وهذه أيضاً من العقبات في وجه من يريد العودة إلى سوريا، وهنا أقول لو كان الأمر يخصني وحدي دون عائلتي لما اتخذت قرار العودة".
خسارات مالية
غادر أبو حامد -تاجر لحوم- الأردن متجها الى سوريا نهاية عام 2019، بعد ثماني سنوات قضاها لاجئاً في العاصمة عمّان، عمل خلالها جزاراً في إحدى محال بيع اللحوم.
وقال أبو حامد لـ "تلفزيون سوريا": "كان قرار عودتي لسوريا أسوأ قرار اتخذته في حياتي"، إذ إن "إعادة ترميم مسلخ اللحوم الخاص بي في دمشق كلفني كل ما ادخرته، كما بدأت تتراكم علي الديون بعد عودتي بعدة أشهر".
ووصل الحال بأبي حامد إلى عرضه مزرعته الكائنة في مدينة داريا للبيع حتى يتمكن من تعويض خساراته، قال أبو حامد وأضاف: "وندمي بالعودة لن يقدم لي شيئا كل ما أقوله قدر الله وما شاء فعل".
سوريا من وجهة نظر السياح الأردنيين
بعد افتتاح معبر نصيب - جابر في خريف 2018، سارع العديد من الأردنيين لزيارة سوريا و"معالمها السياحية" التي اعتادوا زيارتها قبل الحرب، إذ ظن الكثير منهم أن البلاد ماتزال كما عهدوها سابقاً.
"بعد زيارتي الأخيرة أدركت السبب وراء رفض معظم السوريين العودة إلى بلادهم"، يقول المواطن الأردني يزن مكاوي في حديث مع تلفزيون سوريا حول ما حدث معه في زيارته الأخيرة للعاصمة دمشق مطلع عام 2020.
"أنا والعائلة كنا نزور دمشق مرة شهرياً على الأقل قبل الحرب، وهذا ما يفعله الكثير من الأردنيين، كانت مكاناً للسياحة والتسوق، وكنا نرجع إلى عمان بسيارتنا المحملة بالبضائع عالية الجودة ورخيصة الثمن، كالملابس والمواد الغذائية"، لكن في زيارته الأخيرة، وعلى غير العادة "عدنا بسيارة شبه فارغة".
وأضاف: "صعوبة الحياة تستطيع قراءتها في عيون الناس ووجوه العاملين في الشوارع والمطاعم والمحال التجارية"، وتابع: "لم نواجه مشاكل أمنية خلال زيارتنا لكننا شعرنا بإحباط كبير مما شاهدناه من فقر وتعب مختلف عما سبق، لا يوجد شارع أو حي خال من الأطفال المتسولين أو كبار السن الذين يجلسون في الأزقة ويهيمون في الأحياء وكأنهم لا يعرفون وجهتهم".
أما أبو مصطفى فاعتبر أن "اتخاذ القرار بزيارة البلد الجار كان قراراً متسرعاً".
مع دخول أبو مصطفى وأصدقاؤه محافظة درعا جنوبي سوريا صيف عام 2019، صعق السياح الثلاثة من المشهد الذي رأوه، "فكل ما كنا نشاهده من أخبار على الشاشات بكفة، وما شاهدناه خلال رحلتنا بكفة أخرى، لم أستطع إخفاء دمعتي عن زملائي الذين غلب عليهم الصمت والحزن".
"كل شيء بدا مختلفاً عن سابقه، افتقدنا البساطة التي كنا نحبها في المناطق الشعبية، حتى جودة المطاعم التي كانت تتغنى بها دمشق باتت رديئة، غابت البركة التي اعتدنا عليها في أسواق الشام، ربما لم تختفِ البركة من البيع والشراء فقط، بل إنها اختفت من الشوارع والأحياء ومن عيون الناس وحمامات السوق ومقاهي الربوة ونهر بردى وكل ما قارنته بزياراتي السابقة"، وختم بالقول: "غالباً ستكون زيارتي الأخيرة".