icon
التغطية الحية

سوريا بعد حرب غزة.. مصارعة دولية في حلبة منهكة وخيارات الأسد المتورط

2024.01.23 | 05:59 دمشق

آخر تحديث: 23.01.2024 | 05:59 دمشق

ءرؤ
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

قصفت ست دول سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية مع دخول اللاعب الأردني إلى الخط بعد فشل الأسد في ضبط التهديدات التي لم تعد تقتصر على المخدرات بعد "طوفان الأقصى" الذي تركت تداعياته بشار الأسد في ورطة تحدد خياراته وأفقدته الاسترخاء الذي عاشه بعد زلزال شباط المدمر وما تبعه من تطبيع غير مكتمل مع الدولة المتوحشة المتآكلة في وسط غير مستقر.

تفرض مقتضيات الحرب وتبعاتها نفسها على ديناميكيات الحكم الدكتاتوري وتوسع نقاط ضعفه المتأصلة فيه لترتد بشكل مدمر على حياة الشعب. ارتفعت نسبة التضخم في "سوريا الأسد" خلال العام 2023 إلى 155 – 170% في ظل مواصلة السياسات النقدية والإدارية المتمثلة بتعويم الليرة وأسعار المحروقات وتدابير قوائم الاستيراد للحفاظ على الكمية المحدودة من القطع الأجنبي، والاتفاقيات الاقتصادية دون الوطنية لتسديد جزء من الديون الهائلة، لتندلع على إثرها دوامة الأسعار وتوسع الفساد في القطاع العام، وانعكاس هذا النمط القاسي من العيش مجتمعياً بارتفاع معدلات الجريمة والتعاطي والانتحار والطلاق والتفكك الأسري والمجتمعي.

ما سبق ذكره يضرب في سوريا، التي دارت فيها رحى حرب ساحقة عندما قرر بشار الأسد مواجهة مطالب الحرية والكرامة والعدالة وعندما تسلّح الثوار دون ظهير إقليمي ودولي، فانتهت جملة المعارك عند "لا غالب ولا مغلوب". الـ"لا غالب" يناور منذ 2018 للبقاء، فينقذه التضارب الإقليمي تارة والجيوسياسية تارة أخرى والكوارث الطبيعية تارة ثالثة، ويقف متفرجاً على حراك السويداء من دون قدرة على التعامل معه سلبا ولا إيجابا، ويتفهّم الغضب العلوي تارة ويرهبهم تارة أخرى.

الأسد قادر على التعامل مع المتغيرات المحلية بشكل أو بآخر، رغم احتمالية أن تتحول بعض الأزمات لكرة ثلج كبيرة، مثل أن يتجدد الحراك العلوي الناقم سواء لأسباب معيشية أو أخرى تتعلق بتقاسم الغنائم وتجارات الحرب الرابحة، وخاصة بعد أن باتت "حجة الحصار الكوني على سوريا" المنتهية الصلاحية، ومثل أن ينتقل الحراك في السويداء إلى مرحلة التنسيق مع الأردن، خاصة بعد أن أخطأت الغارات الأخيرة هدفها وقتلت نساء وأطفالاً وأبدت حركة رجال الكرامة استعدادها لمكافحة المهربين.

لكن التعقيدات الأكبر تكون في المتغيرات الإقليمية والدولية، فالنظام المديون لإيران بالمال والمواقف، والمتشبث بروسيا في آن واحد، يضيق عليه الخناق بوجود دولتين أطلسيتين في شمال شرقي سوريا وشمال غربيها، وتتطاير في سماء البلاد الصواريخ من إيران إلى إدلب ومن العراق إلى دير الزور ومن إسرائيل إلى دمشق ومن تركيا إلى الحسكة ومن الأردن إلى السويداء. صاروخ واحد يخرج عن قواعد الاشتباك الحالية قادر على تفجير كامل المنطقة.

بعد حرب غزة وما تبعها من تسخين وتصعيد في المنطقة يبدو أن الأسد فقد المرونة، وأن آليات الحكم الأسدي وما أنتجته من ارتهان سياسي وتآكل اقتصادي ومجتمعي، لا يمكنها التعامل مع مثل هذه الاضطرابات

بعد حرب غزة وما تبعها من تسخين وتصعيد في المنطقة يبدو أن الأسد فقد المرونة، وأن آليات الحكم الأسدي وما أنتجته من ارتهان سياسي وتآكل اقتصادي ومجتمعي، لا يمكنها التعامل مع مثل هذه الاضطرابات وعدم الاستقرار الإقليمي، فالنظام السوري لا يريد الانخراط في التصعيد الإيراني ضد إسرائيل لكنه مديون لطهران برد الموقف، وفي الوقت ذاته لا يمكن تخيل أن الموساد قادر على تحقيق هذه الدقة الاستخباراتية في دمشق من خلال عملاء عاديين، ويتداخل مع ما سبق موقف روسيا التي تجول دورياتها البرية والجوية في القنيطرة.

وفي الشمال السوري لا يبدو أن الضربات التركية الجوية ستردع حزب العمال الكردستاني، إذ يأخذ التصعيد منحىً متصاعداً وخطيراً منذ الهجوم في أنقرة قرب مقر الداخلية، ويزيد من احتمالات السيناريوهات القادمةِ القرارُ الأميركي بزيادة عدد الجنود في سوريا والعراق بـ 1500 إضافيين ما يشير إلى استعداد أميركي للتصعيد أكثر في دير الزور والعراق وتحقيق ضرر لدى الميليشيات الإيرانية بعد فشل واشنطن بتحييد الحوثي وتهديداته، وهذا التحرك الأميركي المرتقب مرتبط بالرقم الأول بالغايات الانتخابية، فسياسات بايدن وأوباما في الشرق الأوسط فيما يتعلق بإيران والسعودية وتركيا وإسرائيل وسوريا واليمن والعراق وأفغانستان ترتد عكساً على الحزب الديمقراطي.

خربطت حرب غزة أوراق النظام السوري وزادت من سماكة الجليد على ملفات التطبيع العربي والتركي بحكم أن الأسد لم يُقدم على أدنى خطوة واحدة لتحقيق المطالب الأمنية والسياسية لتركيا والعرب، فوحدات حماية الشعب التي أطلق يدها في بداية الثورة لم تعد تحت تحكمه، وتجارة الكبتاغون التي أنقذته لمدة أعوام لم يعد تصنيعها وتهريبها حكراً عليه، والقرارات الجديدة المتعلقة بالجيش وحزب البعث هي مجرد إصلاحات مزعومة في أدنى قاعدة هرم النظام، في حين لا يمكنه المساس برأس الهرم حيث ترقد الدائرة الضيقة المتحكمة.

لا تقتصر ارتدادات حرب غزة على ما سبق، ففي حين تتكثف الاجتماعات لبحث "اليوم التالي" في غزة وتختلف الأطروحات وتتعقد آليات اتخاذ القرار في تل أبيب، هنالك ثابت واحد بأن القطاع الذي مسحت إسرائيل نصفه عن وجه الأرض بحاجة لمساعدات إنسانية هائلة، في وقت لم تعد فيه الحكومات سخية بعد أزمتي كورونا وأوكرانيا، فسوريا التي سميت بكارثة العصر في الأمم المتحدة لم تنل إلا ربع ما تعهد به المانحون، وهذا الربع يذهب 80 – 90 % منه لمناطق سيطرة النظام، وفي "اليوم التالي" ستتجه أموال المانحين الأوروبيين والأميركيين إلى غزة ليمتصوا غضب الشارع الرافض للسياسات الغربية المنحازة لإسرائيل على حساب المذبحة بحق 25 ألف مدني، وهذا سيلحق بالنظام عجزاً كبيراً في القطع الأجنبي وعجزاً في توزيع المساعدات على القرى التي فقدت معظم أبنائها في القتال إلى جانب النظام، وبالتالي سيدخل الأسد في دوامة جديدة من الضغط المحلي أقرب لأن تكون إعصاراً.. هذا إن نجا من ارتدادت صاروخ طائش عن قواعد الاشتباك.