أوردت وسائل إعلامية سورية، وغير سورية خبر مشاركة سوريا في المعرض الدولي "إكسبو" في دبي، وللوهلة الأولى يبدو الخبر عاديا لولا أنه يرمي في وجه متلقيه السؤال الأهم وهو: ماذا لدى سوريا لتقدمه في هذا المعرض، خصوصا في ظرفها الراهن، فهي مدمرة بالكامل، ولا يجد المواطنون فيها ما يكفيهم من الخبز، ويعتبر وصول التيار الكهربائي لبضع ساعات في اليوم حلماً فيها، وتصل نسبة من هم دون خط الفقر فيها إلى 86% من عدد سكانها، فلماذا تقدم حكومة بلد يعيش هذه الظروف بالغة القسوة، وليس لديه ما يقدمه، على اتخاذ قرار بالمشاركة في معرض مثل هذا؟
في 1851 تم إطلاق المعرض العالمي (إكسبو) في العاصمة البريطانية "لندن" لأول مرة، وأطلق عليه يومها اسم "المعرض العظيم" وكان الهدف من هذا المعرض هو التعريف بابتكارات الثورة الصناعية التي قلبت حياة البشرية وغيرت الكثير من ثقافتها وأدوات إنتاجها.
منذ تلك الانطلاقة تكرس المعرض الدولي إكسبو كتظاهرة اقتصادية وثقافية عالمية تقام كل خمس سنوات، وتستضيفها مدينة يتم اختيارها من قبل لجنة تتبع للمكتب الدولي للمعارض، هذه اللجنة اختارت في اجتماعها الذي عقد في 27 نوفمبر 2013 مدينة دبي من بين خمس مدن عالمية لاستضافة معرض إكسبو العالمي في دورته 2020، لكن الظرف الذي فرضه انتشار فيروس كوفيد 19 اضطر منظمو المؤتمر لتأجيله إلى هذه السنة، وتم افتتاح المعرض يوم الخميس الفائت 1/اكتوبر / 2021 في دبي، يستمر المعرض لمدة ستة أشهر (1-10-2021 إلى 31-3-2022 ) وتشارك فيه 192 دولة.
لهذا المعرض تاريخ طويل وعريق وفيه تم عرض منتجات كثيرة صنفت بأنها ابتكارات غيرت وجه الحضارة
الجهة المنظمة للمعرض تحدثت عن كلفة تجهيز البنية التحتية للمعرض والتي قاربت سبعة مليارات دولار، والتي توقعت أن يصل دخل المعرض الى ما يزيد على 17 مليار دولار، وتوقعت أيضا أن يزيد عدد زوار المعرض عن العشرين مليون زائر.
لهذا المعرض تاريخ طويل وعريق وفيه تم عرض منتجات كثيرة صنفت بأنها ابتكارات غيرت وجه الحضارة، ففي عام 1862 أقيم المعرض في لندن، وتم عرض المحرك التحليلي الذي ابتكره العالم "تشارلز باباج" وهو من أوائل الحواسيب الميكانيكية، والتي أسست لثورة الحواسيب المتحكمة بكل تفاصيل حياة البشرية اليوم.
وفي معرض "فيلادليفيا" 1876 عرض ألكسندر جراهام بيل أول هاتف في العالم، وعرضت شركة "هاينز" منتجها الأشهر (عصير الطماطم) والذي تحول اليوم إلى مادة أساسية في موائد العالم.
وفي معرض عام 1939 والذي أقيم في نيويورك تم نقل أول بث حي تلفزيوني، وفي معرض 1970 الذي أقيم في مدينة أوساكا اليابانية تم العرض الأول لمجهر إلكتروني تصل قدرته التكبيرية إلى 500 ألف ضعف، وأيضا تم عرض نموذج قطارات بحصيرة مغناطيسية تصل سرعتها إلى 500 كم في الساعة.
وزير الاقتصاد السوري محمد سامر خليل خلال الافتتاح قال إن "الجناح السوري يصحب زواره في رحلة لاكتشاف عراقة الماضي وتاريخ بلدنا وحضاراتها المتنوعة على مر السنين".
وأضاف أن "إكسبو دبي 2020" سيكون "بوابة الإبداع والنجاح وفرصة لا تفوت لكي نشارك العالم تاريخنا القديم وعراقته وإبداعاتنا الجريئة التي نسعى من خلالها لخلق تأثير إيجابي في مستقبل البشرية".
وذكرت "سانا" أن سوريا تشارك في المعرض تحت شعار "معا المستقبل لنا" لتعكس صورة التاريخ والثقافة والفنون والاقتصاد السوري، وأضافت أنه "يتم التركيز بشكل أساسي على تقديم سوريا كعنصر فاعل ومؤثر في تاريخ وثقافة وفنون واقتصاد العالم".
عندما تستمع لتصريحات المسؤولين السوريين ستعتقد أن الجناح السوري لديه ما يستحق المشاركة، لكنك عندما تزوره فسوف تجد بناء امتلأت جدرانه بالصور، وقد يدفعك ذلك للاعتقاد أن إكسبو هو مجرد معرض للتصوير الضوئي، لكن طاقم الوفد السوري في المعرض سيسارعون لإسماعك قصة "الأبطال" الذين أنقذوا البذور التي كانت في بنك البذور في حلب، ولن يسمعوك أبدا قصة تدمير الزراعة في سوريا، والقضاء على مقوماتها وسيدعونك للاستمتاع بأداء الترنيمة الحورية بوصفها أول عمل موسيقي عرفته البشرية، ثم يعرضون عليك الأبجدية الأولى التي اكتشفت في أوغاريت السورية، متجاهلين حقيقة تدمير الآثار السورية وتخريبها والاتجار بها.
لم يكن تاريخ سوريا منذ أن تولى حافظ الأسد حكمها بعد انقلابه 1970 إلا تاريخ الكذب، كذب في الاقتصاد، والتاريخ والقانون والسياسة وحقوق الإنسان، والتعليم والصحة
نعم ليس لدى النظام السوري الذي جعل من سوريا بلدا بلا حاضر إلا أن يتباهى بتاريخ سوريا القديم والعريق، وأن يكذب في حاضرها لأنه جعلها بلا حاضر، وهذه المنهجية في تزوير الحقائق ليست ضرورة له اليوم في معرض إكسبو فقط، إنها منهجية تمتد لنصف قرن من الزمن، فهو نظام تأسس كل ما فيه على الكذب، فلم يكن تاريخ سوريا منذ أن تولى حافظ الأسد حكمها بعد انقلابه 1970 إلا تاريخ الكذب، كذب في الاقتصاد، والتاريخ والقانون والسياسة وحقوق الإنسان، والتعليم والصحة.
لم تعرف سوريا خلال حكم عائلة الأسد أي معلومات يمكن الوثوق بها، وعندما استغرب الراحل ممدوح عدوان في بداية عقد الثمانينات متسائلا: هل هناك بلد في العالم يكذب بعدد إصابات الكوليرا فيه؟ كان يقصد تماما القول إن سوريا محكومة بنظام الكذب.
قد تفسح السياسة للكذب مساحة فيها، خصوصا في معركة الساسة ضد خصومهم، لكن هل تقوم دولة ما على الكذب في إحصاء عدد سكانها، وفي اقتصادها، وفي تطبيق قوانينها، وفي أرقام السياحة ودرجات الحرارة، بتعبير آخر كيف تنهض دولة يكذب من يقودونها على أنفسهم؟
لن يهتم الآخرون للكذب الذي تمارسه دولة على نفسها، لا بل ربما يتواطؤون مع الكذب لأن من سيدفع ثمن ذلك هي الدولة ذاتها.
في إكسبو 2020 يكذب النظام السوري على العالم كله، لكنه أولا يكذب على نفسه وعلى السوريين، فمن دمر بلادا بكاملها، بتاريخها وحاضرها ومستقبلها لن يستطيع أن يقنع أحدا أنه يصلح لأن يكون شريكا في صناعة الحضارة البشرية.