سوريا الآمنة ولبنان المنفجر.. سيناريوهات توظيف أزمة اللجوء

2024.06.25 | 05:39 دمشق

آخر تحديث: 25.06.2024 | 05:39 دمشق

44444444444444444
+A
حجم الخط
-A

كشف اللقاء الذي أجراه رئيس المخابرات الإيطالية جاني كارفيللي مع الأسد وجهازه المخابراتي منذ فترة وجيزة عن مشاريع أوروبية واضحة، تطرح مقايضة العقوبات المفروضة على النظام الأسدي بالقبول بخريطة حلول لأزمة اللاجئين، تدفع بهم إلى ما يطلق عليه تسمية منطقة آمنة في ريف حمص.

تتناغم هذه المشاريع مع التصعيد اللبناني غير المسبوق في ما يخص التعامل مع اللاجئين السوريين، فإضافة إلى حملات الكراهية والعنصرية المنظمة، التي باتت سمة عامة تطبع المجتمع اللبناني وتسم ممارسة الشأن العام فيه، فإن تطورا جديدا برز في هذا الإطار، ويتمثل في التهديد بانتحال السوريين لشخصيات لبنانيين عبر تزوير وثائق رسمية وخصوصا في القرى الحدودية ذات الأغلبية السنية.

في آخر حلقات النجم الساطع الإعلامي مارسيل غانم استقبل صحفية من قرية كفرحمام الحدودية تتحدث عن هذا الموضوع وتنسبه إلى المسألة السنية. تروي قصة محاولة تجديد جواز سفرها حيث فوجئت برفض مختار المحلة التي تسكن فيها في بيروت إجراء المعاملة لأن الأمن العام قد فرض على قريتها ومجموعة من القرى المجاورة شروطا خاصة للاستحصال على جواز سفر أو تجديده تتطلب تقديمها من قبل مختار القرية حصريا وبحضور صاحب العلاقة والتأكيد على مشاهدته.

الحقيقة أن عمليات التزوير وانتحال الشخصيات كانت تجري بكثافة من القوى السياسية اللبنانية عموما وخصوصا في الانتخابات، والقيام بمثل هذه العمليات يتطلب اختراق جهاز الأمن العام والتعامل مع شخصيات من داخل المنظومة الأمنية اللبنانية التي يسيطر عليها ويقودها حزب الله.

الخبر يشير إلى خلل في بنية إدارة أجهزة الدولة أكثر ما يشير إلى عنوان يرتبط باللجوء السوري، ولكن الهدف الذي دفع بالنجم الساطع إلى استقبال الصحفية المنتسبة إلى تلك القرية لا يخرج عن دعم مشروع الكراهية المنظمة ضد اللاجئين

والدفع به إلى منطقة الاشتباك مع الطائفة السنية التي ينتمي إليها معظم اللاجئين السوريين في لبنان.

هكذا تعم المخاوف وتنتشر ويلتقي التخوف المسيحي من الاختلال الديموغرافي في البلد لصالح السنة بما يوازيه في فكرة سرقة السوريين لهويات وشخصيات أصحاب القرى السنية الحدودية، والإيحاء بأن وراء هذا المشروع عملية احتلال قادمة.

أي عملية تزوير منظمة في لبنان وخصوصا إذا كانت واسعة لا يمكن أن تحدث إلا بفعل تواطؤ سلطوي. تاليا لا شك أن هذا العنوان مبرمج بالكامل ودفعه إلى ارتداء عنوان سني يهدف إلى تعميم رعب عام وغير عقلاني، يستجر نوعا من هستيريا جماعية لا تسمح برؤية ما يحاك للبلد من مصير قاتم.

ومن ناحية أخرى يعمد حزب الله إلى تبرير الاختراقات الإسرائيلية الأمنية البارزة ونجاحها في اغتيال كوادره وقياداته في لبنان بشكل شبه يومي بأنها نتيجة لمعلومات تجسسية تتحصل عليها إسرائيل من اللاجئين السوريين، وبذلك تضاف إلى العنصرية والتحريض الطائفي تهمة العمالة والتي من شأنها التسبب بعمليات تصفية مباشرة ومشرعنة.

الجبهة التي يراد لها أن تكون ملتهبة والمرشحة للاشتعال بالضد من مشاريع التهدئة والتسوية في المنطقة هي لبنان

بالانتقال إلى المشهد الأوسع نلاحظ أن فكرة سوريا الآمنة والجاهزة لاستقبال اللاجئين التي تتردد بكثافة على ألسنة السياسيين في لبنان تنطلق من تعريف أسدي للأحوال، وتدعم مساعيه التفاوضية حول إعادة إدماجه في النظامين العربي والدولي ورفع العقوبات عنه. تعزيز واقعية هذا الطرح تفترض ميدانيا وعمليا تحويل لبنان إلى جحيم عام على اللبنانيين عموما والسوريين خصوصا.

تنشط مشاريع التهدئة والتسويات والتي قد تتمخض قريبا عن نشوء هدنة في فلسطين وتتقدم فرص إنجاز اتفاقيات أمنية واستراتيجية سعودية أميركية في لحظة تلتزم فيها إيران بالتهدئة في الخليج ويحرص النظام السوري على عدم السماح بتمدد حرب المساندة التي يقودها الحزب إلى الأراضي السورية.

الجبهة التي يراد لها أن تكون ملتهبة والمرشحة للاشتعال بالضد من مشاريع التهدئة والتسوية في المنطقة هي لبنان، ولعل التصنيفات الإسرائيلية لمخاطر الجبهة الشمالية والرفض المتكرر لمشاريع التسويات المطروحة أميركيا وأوروبيا تنذر بأن ساحة المواجهة الأعنف ستكون الجبهة الشمالية.

وكذلك نرى وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري في بيروت ويطلق منها بيانات التصعيد لينتقل بعدها إلى سوريا ويلتقي قيادات النظام السوري التي تؤكد له دعمها لمشاريع المقاومة والتصدي.

يحدث كل ذلك بالتوازي مع مشروع المنطقة الآمنة في ريف حمص والتي تعد عموما غير صالحة للعيش والتي يبدو أنها تحظى بدعم أميركي.

يمكن أن يعاد وصل نظام الأسد بلبنان وبالعالم عبر حالة الابتزاز الدائمة المبنية على التهديد بخلق أزمة لجوء أوروبية.

لم تكتمل تلك الصفقة بعد ولكن كل ما يحدث في المنطقة يدفع إليها، وفي ما يخص لبنان فإن حزب الله بوصايته العامة على الشأن اللبناني يقود حملة استثمار لمسألة اللجوء السوري بغية الدخول الفاعل على خط المفاوضات والتسويات وانتزاع الاعتراف العربي والدولي بالسطوة على لبنان وشرعنتها.

يبرز لبنان كساحة مثالية وخصوصا مع الاهتمام الدولي بعنواني منع فتح حرب إسرائيلية مع لبنان ومسألة اللجوء. تسعى الثنائية الإيرانية الأسدية إلى الدمج بينهما وتحويل الحرب القادمة على جبهة لبنان إلى جزء من معركة تحقيق مشروع سوريا الآمنة والتي يجر إليها اللاجئون في ظروف بائسة تستدعي الرعاية الدائمة والتمويل الضخم.

وهكذا يمكن أن يعاد وصل نظام الأسد بلبنان وبالعالم عبر حالة الابتزاز الدائمة المبنية على التهديد بخلق أزمة لجوء أوروبية. يتحول نظام الأسد بموجبها إلى دولة طبيعية، ويتم ربطها بلبنان المحتل إيرانيا ضمن عنوان يضع البلدين في دائرة اعتراف مشروطة بمنع التأثير في مسارات مشاريع كبرى باتت قيد للتنفيذ في المنطقة.

الأمن وعزل مناطق الاضطراب والتوتر ضرورة قصوى لتمكين أولويات اقتصادية ستكحم صراعات المستقبل ولو على جثث اللاجئين المرميين في صحاري الأسد ومستنقعات حزب الله.