سواء ردت إيران أم لم ترد.. نتنياهو يريد النووي

2024.08.12 | 09:43 دمشق

6556156165
+A
حجم الخط
-A

منذ بداية العدوان على غزة، كان واضحًا لي وللكثير من المتابعين والمعلقين أنها ستكون معركة طويلة ومفتوحة، وأن امتدادات العدوان ستشمل المنطقة بكاملها.

ما حدث في غزة لن يبقى في غزة، خلافًا لتوقعات العديد من الخبراء والمحللين الذين تحدثوا عن أسابيع أو حتى شهر من الحرب. وكان واضحًا أيضًا أن إيران ستتخلى عن شعار "وحدة الساحات" لصالح مصالحها القومية والاستراتيجية، وتجسد هذا التخلي بترك غزة تواجه مصيرها وحدها دون أي رد فعل حقيقي، باستثناء بعض المناوشات هنا وهناك، التي كانت انتقامًا لاستهداف مصالح إيران، وليس نصرة لغزة.

اليوم، بعد كل ما حدث، نجد الصراع في المنطقة أمام مرحلة جديدة كليًا، وكل ما كان يقال عن خطوط حمراء وردع مدروس وقواعد اشتباك تم نسفه بالكامل لصالح عربدة إسرائيلية لا تعرف حدودًا. تجد حكومة نتنياهو نفسها اليوم في وضع مثالي لاستكمال مشروعها الاستعماري بعد كل هذا الدعم الذي تلقته من الغرب عمومًا ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

معظم التحليلات التي تبعت عملية اغتيال هنية ركزت على كيفية رد إيران ومتى، متغافلة بشكل كبير عن الرغبة الإسرائيلية الواضحة بتوسيع الصراع ليشمل جبهات عديدة.

دعم شمل كل أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دوليًا، ودعم سياسي كبير، ودعم إعلامي للتغطية على المذبحة المفتوحة التي تحدث في غزة وعموم فلسطين منذ أكثر من عشرة أشهر وحتى اليوم. هذا الدعم المفتوح، كما يقال باللغة الدارجة "شيك على بياض"، حصلت عليه حكومة الحرب التي يتزعمها نتنياهو، مما جعلها تخطط لما هو أبعد من غزة بكثير.

الحدث الفاصل والذي ستكون له تداعيات كبيرة في مسار الأحداث هو اغتيال إسماعيل هنية في قلب المربع الأمني في طهران. هذا الاعتداء أصاب النظام الإيراني بمقتل، لأن النظام الإيراني منذ بداية العدوان على غزة كان يمارس ما يسميه "الصبر الاستراتيجي"، لكنه في الحقيقة كان يتلقى الصفعة تلو الأخرى دون أن يحرك ساكنًا. ولكن اغتيال رئيس حركة حماس في طهران، وفي أثناء مراسم تتويج الرئيس الإيراني الجديد المحسوب على "الإصلاحيين"، يعتبر ضربة قاصمة لصورة النظام داخليًا وخارجيًا.

صحيح أن الاحتلال استهدف أكثر من قيادي في الحرس الثوري سابقًا، ومنهم من تم قتله داخل القنصلية في قلب دمشق، لكن هذه الضربة لا تشبه أي ضربة سابقة، وهي بالتأكيد أكبر حتى من قتل قاسم سليماني قبل سنوات.

معظم التحليلات التي تبعت عملية اغتيال هنية ركزت على كيفية رد إيران ومتى، متغافلة بشكل كبير عن الرغبة الإسرائيلية الواضحة بتوسيع الصراع ليشمل جبهات عديدة. التوسيع حصل بشكل عملي منذ أشهر طويلة، لكن رد فعل إيران ووكلائها، مثل ميليشيا حزب الله وميليشيا الحوثي، كان أقل بكثير مما يريده جيش الاحتلال. لذلك، سارع الاحتلال لتوجيه ضربتين في وقت واحد بعد أن اغتال هنية في قلب طهران واغتال الرجل الثاني في حزب الله في قلب الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت. الأصح أن ننطلق في تحليلنا للوضع الميداني في المنطقة واستشراف ما سيحدث لاحقًا من خلال الفعل الإسرائيلي، لا من خلال رد فعل إيران ووكلائها، حتى يكون هذا الاستقراء مفيدًا ومنطقيًا.

حكومة الحرب الإسرائيلية عينها على ضرب المشروع النووي، بعد أن اقتربت إيران أكثر من إنتاج القنبلة النووية، ولن يجد نتنياهو توقيتًا أفضل لتحقيق حلمه القديم بضرب المنشآت النووية للحفاظ على التفوق الإسرائيلي في المنطقة ولتكون إسرائيل الدولة النووية الوحيدة. كان رئيس حكومة الاحتلال يريد ضرب هذه المنشآت منذ أيام حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكن أوباما اختار منحى آخر وعقد صفقة مع الإيرانيين أفضت إلى اتفاق نُسف لاحقًا عندما جاء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

اليوم، هناك إجماع في الغرب على أن إسرائيل يجب أن تستعيد صورتها التي هزتها عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر العام الماضي. الأهم من استعادة هذه الصورة هو امتلاك إسرائيل للردع الذي يمنع حدوث شيء مشابه لما حدث في أكتوبر الماضي. التقط نتنياهو هذا الأمر جيدًا وراح يضع خططًا بعيدة ربما لم تكن في حسبان بعض حلفائه الأوروبيين.

يأتي في صلب عقيدة النظام الإيراني أمر أساسي متمثل في الحفاظ على بنية النظام وتماسكه، وهو مستعد للتضحية بكل شيء للحفاظ على وجوده

دولة الاحتلال تجد نفسها اليوم في وضع مثالي لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لأن إيران باتت اليوم أكبر خطر يهدد وجودها بعد أن تم تحييد العرب بشكل نهائي عن هذا الصراع؛ فالعرب اليوم لا حول لهم ولا قوة، وظهر هذا جليًا في ردة الفعل العربية (الحكومات وليس الشعوب) على المجازر التي لم تتوقف في غزة. لم يتخذ العرب حتى الحد الأدنى الممكن، مثل طرد سفراء الاحتلال من عواصمهم وسحب سفرائهم من تل أبيب، أو مجرد التلويح بخيار النفط والطاقة. الدول العربية اليوم خارج التأثير حتى في أهم ملف يهدد أمنها واستقرارها، وهذا الوضع العربي المخزي يحتاج إلى مقال منفصل.

يأتي في صلب عقيدة النظام الإيراني أمر أساسي متمثل في الحفاظ على بنية النظام وتماسكه، وهو مستعد للتضحية بكل شيء للحفاظ على وجوده، لذلك هو يتريث في الرد لأنه يخشى الرد الإسرائيلي على رده. وهو أيضًا يعيش قلقًا من قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد عدة أشهر، وهذه النقطة بالتحديد تعطي نتنياهو دافعًا جديدًا لتوسيع المواجهة. إيران مجبرة على الرد ووكيلها في لبنان أيضًا مجبر على الرد، وهم بطبيعة الحال سيردون لأن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط وقواعد الاشتباك، ولكن هذا لن يؤثر في طبيعة المواجهات القائمة أو تطوراتها. أي أنه سواء ردت إيران أم لم ترد، فإن ذلك لن يمنع نتنياهو من توسيع الحرب لتعطيل أو نسف المشروع النووي الإيراني.