يعيد فيلم الدراما الكوميدي "سلام الشوكولاته" (Peace By Chocolate) المستوحى من أحداث حقيقية سرد قصة عائلة حداد الدمشقية الناجحة والمؤثرة في كندا، بعد وصولهم إليها بصفتهم لاجئين، أو ما يدرج في برامج إعادة التوطين، بينما يظهر في بعض المشاهد في لقطات سريعة على شاشة التلفاز رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، يتحدث عن ترحيب بلاده باللاجئين الفارين من ويلات الحرب، وفي نهاية هذا الشريط الذي تبلغ مدته 97 دقيقة سنشاهد في مجموعة من الصوّر الأبطال الحقيقيين لهذه الق صة.
كوميديا ساخرة وسوداء
مثل جميع الأفلام المستوحاة من أحداث حقيقية، يتتبّع المخرج جوناثان كايسر، الذي شارك في كتابة السيناريو جنبًا إلى جنب مع الكاتب عبد المالك، قصة عائلة عصام حداد (يؤدي دوره الراحل حاتم علي) الذي يقبل تحت ضغط من زوجته شاهيناز (يارا صبري)، وابنه طارق (أيهم أبو عمار)، وشقيقته آلاء (نجلاء الخمري) تقديم طلب اللجوء إلى كندا، بعد أن تعرض مصنع الشوكولاته الذي يملكه في دمشق للدمار بسبب القصف، وهو ما تسبب له بخسارة جميع أمواله.
في البداية علينا الإشارة إلى أن "سلام الشوكولاته" يسجل الظهور الأخير للراحل حاتم علي (1962 – 2020) كممثل قبل أن يكون مخرجًا، حيثُ اعتاد عليه الجمهور في العقدين الأخيرين من مسيرته المهنية كمخرج، وبالأخص بعد أن قدم العديد من الأعمال الدرامية التي أدت إلى تحول في صناعة الدراما على المستوى العربي، لا المحلي فقط، ظهر في بعضها بأدوار ثانوية، قبل أن يظهر في هذا الشريط الكوميدي بدور البطولة، والذي أثبت فيه تميزه سواء أكان خلف أو أمام الكاميرا، وبالتأكيد هذا لا يلغي أداء باقي الأسماء التي ظهرت إلى جانبه في الفيلم ذاته.
يقدم لنا المشهد الافتتاحي لمحة سريعة عن حياة عائلة حداد قبل أن تقع الحرب، ومصطلح الحرب هنا استعارة من الحوارات التي تجري بين شخصيات الفيلم أنفسهم، في مشاهد سريعة نشاهد مصنع الشوكولاته يتهاوى على وقع القذائف التي دمرته. لكن هذا الحدث المؤلم يتحول مع وصول طارق إلى بلاد الصقيع إلى مزيج الكوميديا الساخرة التي يحاول فيها التأقلم مع درجة الحرارة المنخفضة في بلدة أنتيغونيش الواقعة في مقاطعة نوفا سكوشا الكندية من جهة، ومن جهة أخرى خليط من الكوميديا السوداء التي ينتظر فيها أفراد عائلته، بينما يكافح للحصول في إحدى الجامعات على موافقة إكمال دراسته.
تتصاعد أحداث القصة مع انضمام عصام وشاهيناز إلى طارق في البيت الذي حصلوا عليه في البلدة الصغيرة، بمساعدة فرانك (مارك كاماتشو) وزوجته زاريا (كاثرين كيركباتريك)، بينما لا تزال آلاء تنتظر الحصول على الفيزا. لكن هذا الانتظار يتحول إلى صراع بين طارق الذي يريد إكمال دراسة الطب في بلاد الصقيع من طرف، ووالده الذي يريد تكرار تجربة صناعة الشوكولاته في كندا، حيثُ يقرر عصام إعادة تجربة صناعة الشوكولاته في مطبخ منزله الجديد، وما بين هذه المشاهد سنتعرف أكثر على شخصية عصام الذي يرفض قبول المال أو المساعدة من أي أحد.
وبينما يصطدم طارق بعدم قبوله ضمن أي منح أو البرامج التي تخصصها الجامعات الكندية للاجئين، بسبب عدم حصوله على شهادة التخرج من جامعة دمشق، فإن عصام بجذب الجمهور المحلي إلى منتج الشوكولاته الذي يصنعه، ويبدأ ببيع هذا المنتج في الكنيسة المحلية للبلدة، ومرة أخرى بمساعدة فرانك تزدهر صناعة عصام بعد أن يحصل على معمله الصغير في الحديقة الخلفية لمنزله، لكن هذا الصعود يصطدم بحقيقة انزعاج كيلي (أليكا أوتران) من نجاح عصام، وهي الفتاة التي يصادف أنها صاحبة محل الشوكولاته الوحيد في هذه البلدة.
صراع ثقافي واندماج
لكن الشوكولاته المميزة التي يصنعها عصام لم يكن لها أن تصل بشهرتها إلى الجمهور الكندي لولا مساعدة طارق، الشاب الطموح الذي تولى الجانب التسويقي لمنتجهم الجديد، وهو هنا يعيش حالة من صراع الذات في ظل محاولته التوفيق بين مساعدة والده على نجاح تجربته الجديدة، وبين محاولته تحقيق حلمه المتمثل بإكمال دراسة الطب، معتمدًا على شخصيته المتكلمة أولًا، وطلاقة تحدثه باللغة الإنكليزية ثانيًا.
يكشف لنا "سلام الشوكولاته" في الكثير من المشاهد عن الصراع الثقافي الذي يواجهه عصام أولًا، وطارق ثانيًا، سواء من ناحية الاندماج أو تعرفهم على ثقافة جديدة، حيثُ يصادف أن الطبيب الجراح الوحيد في هذه البلدة مولود لأبوين لبنانيين، وهو ما يجعل طارق يتفاجأ حين يشاهده يشرب الكحول، بينما يرفض عصام الحصول على قرض من البنوك بسبب نظام الفائدة، وهو الأمر الذي يقول إنه يتعارض مع معتقداته الدينية، وما بين هذين المشهدين نشاهد العائلة وهي تؤدي فروض الصلاة اليومية.
أيضًا على عصام وطارق أن يتعاونا معًا للاندماج بعد نجاحهما في هذه المجتمع المحلي، وبالتحديد كيلي الفتاة التي تضررت تجارتها، وخسرت زبائنها بعد وصول منتج عصام للسوق المحلية. لكن الحال هنا لا يقف عند كيلي التي يفترض أنها تأثرت بقصة العائلة الجديدة بعد حديث سريع مع طارق، بل أيضًا انزعاج أشخاص آخرين في البلدة من نجاح الوافدين الجدد، كما توضح كيلي لطارق في أحد المشاهد، وهو جانب يكشف حجم صعوبة الاندماج في المجتمعات الجديدة والمحلية معًا، لكنها ستكون في النهاية عاملاً مساعداً لنجاح تجربة عائلة حداد.
كذلك يقدم لنا "سلام الشوكولاته" نظرة سريعة على طريقة تعامل الولايات المتحدة مع اللاجئين السوريين في كندا، حيثُ يصطدم طارق بحقيقة أنه ممنوع من دخول الولايات المتحدة لأنه لا يملك هوية كندية، وهو ما يحرمه من فرصة إلقاء كلمة في جامعة فيرمونت، التي كان يمني النفس بأن يحصل على فرصة إكمال دراسة الطب فيها، لكن هذه الأمنية تصطدم بمنعه من دخول الولايات المتحدة من قبل حرس الحدود الأميركي على الحدود الأميركية – الكندية، ويكون عرضة للتحقيق من قبل الشرطي الأميركي، وكذلك سخرية الشرطي ذاته من قرارات ترودو المؤيدة لاستقبال اللاجئين السوريين.
نهاية هوليودية سعيدة
على طول دقائق الفيلم يحاول كايسر في أولى تجاربه الإخراجية الحفاظ على الخط الدرامي المتمثل بالصراعات والعقبات المختلفة التي تظهر في حياة عائلة حداد بعد وصولها إلى كندا، حتى في المشاهد الكوميدية التي تظهر بشكل أكبر مع عصام، الرجل الذي وجد نفسه في مجتمع جديد كليًا أولًا، واصطدم بحقيقة أنه لا يجيد اللغة الإنكليزية مما جعله يعتمد على طارق في الترجمة ثانيًا، والأخيرة من أهم العقبات التي يتعامل معها عصام بطريقة كوميدية. ومع ذلك فإن اللغة لم تؤثر على علاقته مع فرانك الذي لا يجيد اللغة العربية من ناحيته، لأنهما استطاعا أن يكونّا رابطًا قويًا بينهما، كان عاملًا أساسيًا لنجاح هذه التجربة.
لكن، وعلى الرغم من نجاح عائلة حداد في بلاد الصقيع، فإننا لا نزال نواجه واحدة من الحقائق الأساسية المتمثلة باستمرار المأساة السورية حتى يومنا الراهن، وكذا ارتفاع الخطاب العدائي ضد اللاجئين لا على مستوى أزمة اللجوء السورية، إنما على مستوى أزمة اللجوء العالمية، كما الحال مع قرار بريطانيا المرتبط بترحيل اللاجئين غير الشرعيين إلى رواندا، وكذلك فإن النجاح لا يلغي أن العالم لا يزال يشهد المزيد من الحروب والصراعات المسلحة التي تحرم الكثير من الناس العيش بأمان.
ومثل جميع النهايات السعيدة والناجحة في قصص هوليوود، يعيد عصام في نهاية "سلام الشوكولاته" تكرار تجربته الناجحة في كندا بعد افتتاحه مصنعًا كبيرًا بالاشتراك مع إحدى الشركات الكندية التي أُعجبت بمنتجه، ومرة أخرى مثل جميع النهايات المؤثرة يتحول طارق إلى واحد من الأشخاص الذين يلقون خطابات مؤثرة عن قصص النجاح أمام الجمهور الكندي، بينما تحاول شاهيناز وآلاء (التي فقدت زوجها بالقصف) التأقلم مع حياتها الجديدة في بلاد الصقيع.