فتحت الحرب الدائرة في دير الزور بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ومقاتلي العشائر العربية، حالة جدلية عادة ما توافق أي حرب أو معركة داخلية في سوريا، أثيرت مع بروز اسم إبراهيم الهفل الذي ارتدى لباس الحرب وأعلن القتال ضد "قسد" صراحة، فرمّزه تيار من السوريين قائداً لثورة العشائر، وتيار يرى أن الهفل يتحرك بمنأى عن السياق الثوري وفق مصالحه القبلية.
الشيخ الثلاثيني للعكيدات الذي حمل راية المشيخة نيابة عن شقيقه الأكبر مصعب المقيم في قطر، حصل على تأييد شعبي في الداخل والخارج وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي كقائد للمعركة ضد "قسد" في منطقة ناءت بحروب متتالية من معارك الجيش الحر ضد النظام إلى معارك الفصائل واقتتالاتها على النفط وصولاً إلى سيطرة تنظيم الدولة ومن ثم "قسد" تحت راية التحالف الدولي، ليصبح الهفل المطلوب الأول لقسد و"رأس الفتنة" النائمة منذ سنوات تحت جمر الحنق على قسد التي غيبت الخدمات والتنمية عن المنطقة التي تطفو على النفط والغاز، وهنا بداية الجدل.
تزايد ذكر اسم إبراهيم الهفل، دفع شخصيات في المعارضة السورية لتمجيده واعتبره رمزا وطنيا في الحرب ضد قوات سوريا الديمقراطية، ولا سيما في جمهور الثورة في الشمال السوري، فالحالة الشعبية العشائرية التي ظهر بها الهفل هيأت له قاعدة شعبية بعيدة عن المناطق التي يتزعمها واستهوت الكثيرين من جمهور الثورة السورية الذين عادة ما يبحثون عن قائد في أي معركة لاعتباره رمزا وطنيا، وهذه الحالة التي يبحثون عنها منذ بداية الثورة، فلا يمكن الإجماع على شخص واحد، لكن الهفل تمكن بظهوره القليل عبر المقاطع المصورة وسط المقاتلين المتجعبين بالرصاص والسلاح الخفيف من تشكيل شعبية كبيرة في أوساط الثورة السورية.
الحالة الثورية لإبراهيم الهفل اصطدمت بتيار آخر رأى به رجلا مقاوما، هذا التيار مثله عدد من أزلام النظام، الذين راحوا أيضا بتمجيده في صراعه مع قوات سوريا الديمقراطية، وهنا قد يريد النظام خلط الأوراق واعتبار الهفل واحدا من الأشخاص الذين يرفضون "الاحتلال الأميركي" و"قسد"، بل إن وسائل إعلام النظام نفسه راحت لاعتبار حرب العشائر ضد "قسد" حرب النظام نفسه، لكن تلك الوسائل تتجنب في الغالب ذكر اسم الهفل، وإظهار الوضع على أنه حرب عشائرية كاملة ضد "قسد"، بينما يتمسك المقربون من النظام بأن الهفل مقاوم وليس ضد النظام بل إنه معه، ويستندون إلى غياب مواقفه الصريحة من النظام السوري، وعدم إصداره تصاريح صحفية ضده، وهو الأمر الذي يرفضه المقربون من الهفل، مستندين إلى أنه أي - الشيخ إبراهيم الهفل - لم يكن يوما مع النظام وأنه لو كان كذلك لجلس في مناطق سيطرة النظام، ويدافعون عن شخص شيخ قبيلة العكيدات ويرونه قائدا شابا لا يطمح إلا للحصول على حقوق أبناء دير الزور في المناطق التي تسيطر عليها قسد في المحافظة.
حالة الجدل حول شخص الشيخ إبراهيم الهفل، زادت منها غياب النظام وإيران عن أي تصريح له، بل إن تصريحه لصحيفة العربي الجديد حول العلاقة مع النظام، اعتبره كثيرون دبلوماسيا لم يحمل موقفا واضحا من النظام، كما أنه أي - الشيخ الهفل - يمتلك قاعدة عشائرية في العكيدات لا تسمح له بخسارة أبناء قبيلته حتى أولئك المقيمين والموالين للنظام.
حالة الهفل شبيهة بشخصيات كثيرة برزت في سوريا لكن لم تستمر حالتها طويلا وخسرت قواعدها الأساسية، لكن الهفل يستند إلى العشائرية في منطقة هي كذلك.
بنهاية الأحداث في دير الزور بقي اسم الهفل حاضرا وغابت أرقام القتلى والجرحى، لكن المؤكد أن الهفل أفرز نوعية قيادة جديدة تعود إلى العقلية القبلية التي انتهت مع اندلاع الثورة السورية، ورغم أن حراكه حتى الآن لا يستند إلى نزعة ثورية، فإنه استطاع جمع المتناقضات من أنصار النظام والثورة على حد سواء، ويلعب الرجل على وتر الحفاظ على التوازنات غير مستند إلى توجه سياسي واضح.