أصبح الشرق الأوسط يتمتع اليوم بسلعة رائجة جديدة، ألا وهي زيت الزيتون، إذ في تونس، أصبح سعر الكيلو الواحد من زيت الزيتون البلدي الممتاز أعلى بنسبة تتجاوز 100% مما كان عليه سعره قبل عام، كما أن الطلب على كميات كبيرة من زيت الزيتون في تركيا ارتفع إلى حد بعيد، وهذا ما دفع الحكومة لفرض ضريبة تعادل 20% على كل كيلو يصدر للخارج.
أضحت الفوارق السعرية في الأسواق ضئيلة جداً، لدرجة أنه حتى الدول الصغيرة المصدرة لزيت الزيتون مثل لبنان صارت تشهد طلباً غير مسبوق على هذا المنتج، إذ في مطلع هذا الشهر، وصلت شركة إسبانية لهذه الدولة المتوسطية التي دمرتها الأزمات، فاشترت منها كامل الاحيتاطي من الزيت المخصص للبيع بالجملة، ما أثار حالة تخوف من نقص الزيت اللبناني المخصص للتصدير، وحول ذلك علق كريستيان كامل، مدير مشروع فير تريد ليبانون Fair Trade Lebanon، فقال: "لو كان لدي طلب كبير اليوم من الولايات المتحدة أو أوروبا فلن أتمكن من تلبيته، بما أن الإسبان أفرغوا لبنان من زيت الزيتون".
ضعف بإنتاج الزيت وارتفاع في الأسعار
تسببت درجات الحرارة المرتفعة في جنوبي أوروبا بزيادة الأسعار بشكل جنوني، إذ أصبحت إسبانيا التي تصنع نصف إنتاج زيت الزيتون في العالم، تعاني من حالة جفاف حادة، وهذا ما جعلها تنتج فقط 620 ألف طن من زيت الزيتون خلال موسم الحصاد لعام 2022-2023، أي أن إنتاجها هبط عن الكمية المعتادة التي تنتجها من زيت الزيتون والتي تعادل 1.5 مليون طن.
لسد هذا الفراغ، توجهت الدول الأوروبية المنتجة لزيت الزيتون إلى تونس: أكبر دولة عربية منتجة لهذا الزيت، إذ تبيع تونس 90% من زيت الزيتون بالجملة لدول لها وزنها في إنتاج هذه المادة، مثل إسبانيا وإيطاليا، وهناك يخلط زيت الزيتون بزيوت أخرى ويباع في الخارج تحت اسم علامات تجارية إسبانية أو إيطالية.
كان إنتاج موسم الحصاد لعام 2022-2023 متدنياً بمستوى قياسي، بيد أن الفوارق السعرية الضئيلة في سوق الزيت رفعت عوائد التصدير التي ارتفعت بنسبة قاربت 37%، ويقدر البعض لصادرات الزيت أن ترتفع بنسبة 30% لكل 200 ألف طن متري وذلك خلال موسم الحصاد في خريف عام 2023-2024، مقارنة بسعر 155 ألف طن متري من الزيت خلال العام الفائت.
يخبرنا فهد بن عامر وهو مدير التسويق لدى شركة بوللا ريجيا Bulla Regia المصدرة لزيت الزيتون في تونس، بأن: "أنواع أشجار الزيتون في تونس أشد مقاومة للجفاف من مثيلاتها في إسبانيا"، ولكن مع غرق أوروبا في موجة حر قياسية واقتراب موسم الحصاد للخريف الذي لم يعد أمامه سوى بضعة أشهر، ازداد الخوف من ظهور حالة نقص في زيت الزيتون تشمل العالم بأسره.
وتعليقاً على ذلك، يقول كايل هولاند، وهو محلل متخصص بدراسة الحبة السوداء وزيوت الخضار لدى شركة مينتيك Mintec التي تحلل بيانات السلع: "مع حلول شهري تشرين الأول والثاني، سنشهد نقصاً بزيت الزيتون الإسباني بشكل كامل، وهذا هو السبب الذي دفع تلك الشركات للتوجه إلى أماكن أخرى في المنطقة، كونها تبحث عن زيت الزيتون في أي مكان بوسعها العثور عليه فيه، ثم إن ضعف الإنتاج في إسبانيا فتح الكثير من الفرص أمام جهات فاعلة أخرى في هذا المجال".
"أوروبا تسقي أشجار الزيتون.. أما نحن فلا"
إن التوجه إلى لبنان لشراء كميات كبيرة من زيت الزيتون منه يعكس مدى صعوبة الوضع، إذ تحتل بساتين الزيتون 23% من مساحة الأراضي الزراعية بلبنان، إلا أن إنتاج لبنان من الزيتون أقل من إنتاج تونس، كونه يُنتج في مزارع عائلية، ولهذا لم ينتج لبنان في موسم عام 2021-2022 سوى 15 ألف طن متري من زيت الزيتون.
بيد أن محصول لبنان لم يتضرر بسبب موجة الجفاف التي ضربت بقية دول حوض المتوسط، وحول ذلك يقول أسعد سعادة، وهو مزارع ورث هذه المهنة كابراً عن كابر منذ أربعة أجيال متتالية، يدير حقلاً للزيتون يعرف باسم بيت المذاق في منطقة شبطين بلبنان: "تتسم الأنواع الموجودة في لبنان بمقاومتها، ولهذا تكيفت مع التغير المناخي".
بدأ سعادة بتصدير زيت الزيتون الذي تنتجه عائلته قبل ثلاث سنوات، عندما أصبحت الإمارات أهم سوق للتصدير لديه.
بيد أن لبنان يقع في عين عاصفة الانهيار الاقتصادي بعدما خسرت عملته 95% من قيمتها أمام الدولار، كما يعاني البلد من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، ناهيك عن انهيار البنية التحتية فيه، وهذه الأزمة رفعت أسعار التعليب والإنتاج كما أخبرنا سعادة، لكنها حملت معها حسنة وحيدة، وهي أن بساتين الزيتون في أوروبا مروية، في حين أن بساتين الزيتون في لبنان بعلية.
تبيع مزرعة بيت المذاق القارورة التي تبلغ سعتها 75 ملم من زيت الزيتون البلدي الممتاز بمبلغ يعادل تقريباً 20 دولاراً أميركياً في دبي، ويخبرنا سعادة بأنه ما يزال بوسع الناس العثور على بديل إسباني يضم خليطاً من زيوت مختلفة للزيتون وهو أرخص بنسبة 40%، لكنه يرى بأن الفارق في السعر لا بد وأن يتقلص، ويعلق على هذا بقوله: "لم نكن بحاجة لرفع أسعار البيع بالتجزئة بتاتاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فهذه فرصة بالنسبة لنا، لأن التكاليف بقيت على حالها، في حين سترتفع الأسعار في إسبانيا".
"أوروبا بحاجتنا"
لبنان جزء من بلاد الشام التي تضم الأردن وفلسطين وسوريا، حيث كانت صناعة زيت الزيتون السوري تحتل المرتبة الرابعة عالمياً قبل اندلاع الحرب، وما يزال محصول زيت الزيتون السوري الذي وصل إلى 143 ألف طن متري في موسم عام 2020-2021 يباع في تركيا بحسب ما ذكره فلاحون من أبناء هذه المنطقة.
إلا أن عدداً قليلاً من الدول العربية الأخرى الموجودة في بلاد الشام نجح في ترك بصمة باسمه في مجال تصدير هذه المادة في أسواق الدول المتقدمة، على الرغم من أن تلك الدول بقيت تنتج زيت الزيتون طوال آلاف السنين، وذلك لأن معظم بساتين الزيتون تخضع لإدارة عائلية، وتفتقر للمقاييس الاقتصادية لتنافس تونس أو إسبانيا، كما أنها تفتقر أيضاً للسمعة العالمية التي تساعدها على منافسة أشباهها من الزيوت المصنعة في اليونان أو إيطاليا.
ينطبق الشيء نفسه على الجهات المصدرة لزيت الزيتون في تركيا التي سجلت حصاداً وفيراً بنسب قياسية خلال العام الماضي، بعدما وصل إنتاجها من زيت الزيتون لنحو 420 ألف طن متري.
وعن ذلك تعلق المزارعة دويغو أوزيرسون إيلاكدار التي تمتلك 60 ألف شجرة زيتون في ولاية إزمير: "عندما أصدر زيت الزيتون الذي أنتجه للخارج، أدرك بأني صرت بحاجة إلى تحديد سعر منافس بشكل أكبر للمنتج الذي أقدمه، وذلك لأن هامش الربح لدي سيظل أقل من هامش الربح لدى المنتج اليوناني أو الإيطالي".
تخبرنا أيضاً بأن تركيا شهدت زيادة في بيع منتج زيت الزيتون المتوفر لديها بالجملة، وعن ذلك تقول: "كل الأوروبيين يأتون إلى هنا ليشتروا بالجملة، فنحن نعرف بأنه لا يوجد زيتون على الشجر في أوروبا اليوم، ولهذا رفعنا أسعار الزيت لأعلى مستوى بما أنهم صاروا بحاجة لشرائه منا"، وتضيف بأن منتجها من زيت الزيتون أصبح يباع في المتاجر الأميركية.
زيت الزيتون الأردني يدخل المنافسة
ارتفع سعر الكيلو الواحد من زيت الزيتون التركي أكثر من الضعف منذ بداية هذا العام، إذ وصل سعره في تموز إلى 185 ليرة تركية (ما يعادل 6.88 دولارات) حسبما ذكرت إيلاكدار، وأضافت: "لقد تحول زيت الزيتون إلى ذهب".
يصب ارتفاع أسعار زيت الزيتون بشكل جنوني في مصلحة المنتجين الأردنيين، إذ تخطط مجموعة مؤلفة من أربع مزارع كبيرة، إحداها تعود ملكيتها للملك عبد الله الثاني، لإطلاق علامة تجارية خاصة بزيت الزيتون الأردني في الولايات المتحدة الأميركية، وحول ذلك يعلق عدنان خضري، وهو مصدر للأغذية الأردنية يساعد مجموعة المزارع تلك على دخول السوق الأميركية، فيقول: "إننا في الأردن نسبح في بحر من زيت الزيتون، كوننا نغمر الحمص به".
بيد أن متوسط إنتاج الأردن من هذه المادة قليل ولا يتجاوز 25 ألف طن متري سنوياً، معظمه يذهب للاستهلاك المحلي، لكن خضري يخبرنا بأن المزارع الأربع تلقت طلبات لتصدير 50 ألف قارورة من الزيت الذي سينتج في موسم الحصاد القادم خلال هذا العام، ولهذا فهو يخطط لتسويق الفائض المتبقي الذي سيتراوح ما بين ثلاثة وخمسة آلاف طن متري في الأسواق الغربية، ويعلق على ذلك بقوله: "يباع زيت الزيتون الأردني بسعر مرتفع للغاية، كونه الأفضل، ولهذا فإن نقص كميات الزيت في أوروبا أتى لمصلحة الأردن قطعاً، ويسرنا ذلك لأن منتجنا سيصبح من المنتجات الأعلى طلباً في الأسواق، وهذا يعني بأن الله يكون راضياً عليك في بعض الأحيان".
يخبرنا نضال سمعان الذي يمتلك مزارع الجود في الأردن وهو من أهم الخبراء بزيت الزيتون في المنطقة بأن صناعة زيت الزيتون في الأردن باتت بأحسن الأحوال التي تمكنها من الاستفادة من التغير المناخي، بما أن الأردن من أكثر دول العالم معاناة بسبب نقص المياه.
هذا وتعتبر شجرة الزيتون النبالي الموجودة في الأردن الأنسب للعيش في ظل ظروف الجفاف كونها تعيش في الصحراء حسبما ذكر سمعان، وأضاف: "أجود أصناف زيت الزيتون الموجودة في الأردن تنتج في البادية حيث لا توجد سقاية ولا ري".
هل يساعد زيت الزيتون اقتصاد الدول المنتجة؟
قد تتحول الطفرة في تصدير زيت الزيتون لنقطة مضيئة نادرة في اقتصاد الدول التي تعاني من ضائقة شديدة، إذ يعاني الأردن من ارتفاع نسبة البطالة ولهذا فهو يعتمد على المعونات الأميركية، وفي هذه الأثناء، تحاول تركيا أن تتأقلم مع أزمة انخفاض قيمة العملة والتضخم الذي بلغت نسبته نحو 40%.
وتعلق إيلاكدار على ذلك بالقول: "نعاني من تضخم شديد، ولهذا فإن زيت الزيتون التركي رخيص عالمياً مقارنة بغيره من أنواع الزيوت، لكننا لا نحقق مكسباً وفيراً من خلال هامش الربح، وذلك لأن الجهات المصدرة تعاني وهي تحاول مواكبة التغير المستمر في الأسعار بعدما خسرت الليرة التركية جزءاً كبيراً من قيمتها".
ولذلك تسعى الحكومة التركية لرفد خزينتها بالأموال عبر تشجيع القطاع الخاص على تصدير منتجاته وسط حالة جنون الشراء وارتفاع الأسعار.
تؤيد إيلاكدار فكرة فرض ضريبة جديدة على صادرات زيت الزيتون المباعة بالجملة، وتضيف بأنها ترغب بزيادة مبيعات منتجها خارج تركيا في ظل تلك الأجواء المحمومة التي تسود الأسواق، وتقول: "حتى الآن 70% من المبيعات محلية، و30% منها للتصدير، لكني أهدف لزيادة التصدير على حساب المبيعات المحلية".
المصدر: Middle East Eye