تفتح وزارة الدفاع الروسية من حين لآخر قاعدة حميميم أمام الصحفيين الروس، لتصدير صورة، تظهر "الهيبة العسكرية" لروسيا. لكن من بين اللحظات التي تلتقطها الكاميرات وتُبث بعد فلترتها يمكن دائما العثور على صورة أخرى.
يقول الإعلام الروسي: لدينا في حميميم طائرات تقلع محملة بالصواريخ وتهبط فارغة، فرن للخبز الطازج، ومطعم، ونادٍ رياضي في الهواء الطلق، وساونا وملعب، مولدات كهرباء، مسرح ضمن خيمة، وبالطبع إس 400 ورادارات، ومدرعات، ونساء.
لكن هذه المرة لمع خلف مراسلة روسيا اليوم التي كانت أحد المتجولين في حميميم الأسبوع الماضي، صليبان كبيران فوق مبنى خشبي، لم يأتِ على ذكره أحد ممن دخلوا القاعدة في هذه الجولة.
كنيسة حميميم
لم ترق فكرة تعميد الجنود الروس في خيمة لـ رئيس أبرشية القوات المسلحة الكاهن إيليا أزارين، والذي أرسله الكرملين للاحتفال بعيد الميلاد سنة 2015، لذا طلب من مرؤوسيه جلب مصلَّى خشبي من مطار عسكري في مدينة ريازان الروسية. وفي زيارته التالية، بنى الكنيسة الخشبية وأوصل الكهرباء وعلق الصلبان على الجدران.
ليس هناك معلومات كثيرة عن أزارين، لكن مواقع روسية أشارت إلى كثرة تنقلاته، فهو دائماً ما يزور القوات الروسية في القوقاز وسيبيريا، والشيشان، ويردد مقولة "لا يوجد ملحدون في الخنادق".
في سوريا تنقل أيضاً بين كسب، واللاذقية، وطرطوس وسافر داخل مدرعاتٍ للجيش الروسي إلى تدمر التي ظهر وسط أطلالها ببدلته العسكرية.
في مقابلة مع مجلة "بطريركية موسكو" يسأله الصحفي: هل بين الذين لجؤوا إليك طيارون تقلقهم معاناة المدنيين من القنابل التي أسقطوها؟ ويجيب: بالطبع. إنهم أناس عاديون! الطيارون يعملون وفق الإحداثيات المعطاة لهم. وهم قلقون: هل تشير هذه البيانات حقًا إلى موقع الإرهابيين. ويتابع الكاهن سرده للمجلة عن الرعب الذي ينتاب عساكر القاعدة بعد إسقاط أي طائرة روسية أو مقتل جندي في أرض الميدان.
صيف العام الماضي حضر إيليا أزارين في موسكو اجتماعا لكهنوت القوات المسلحة، بهدف إعداد إطار تشريعي لعملهم، وتحديد وضع الكهنة العسكريين والكنائس العسكرية الموجودة على أراضي وزارة الدفاع الروسية، فضلاً عن مناقشة المشكلات التي واجهها القساوسة خلال رحلاتهم خارج روسيا.
يخدم أيليا وعشرات القساوسة توجه بوتين في جعل المسيحية الأرثذوكسية ديانة الجيش الروسي. أواخر العام الماضي أعلن وزير الدفاع الروسي عن بدء تشييد "كاتدرائية الجيش"، التي سيدخل في بنائها معادن من معدات عسكرية استولى عليها الجيش الأحمر الشيوعي من النازيين أصحاب الصليب المعقوف!.
يقول روجر ريز، مؤرخ في جامعة تكساس، ومؤلف كتب عن القوات الروسية القيصرية والسوفييتية لصحيفة ناشونال إنترست "في روسيا بوتين، تسعى الكنيسة الأرثوذكسية في كل فرصة لتمثيل نفسها كدين وطني مرتبط بالدولة كما كانت في عهد القيصر، وبالتالي فإن هذا الأمر يمثل استمراريةً خرقتها مؤقتًا السنوات السوفييتية".
في حميميم ليس هناك أثر ديني لعشرات الجنود الروس المسلمين الذين جلبهم بوتين، إلى سوريا، للقيام بمهام "الشرطة العسكرية". فخلال عامين ونيف، جرت أكثر من عملية تبديل لقوات الشرطة الروسية (السنية)، وغالبا تغادر كتيبة شيشانية وتحل محلها أخرى، إما شيشانية أيضاً أو من إنغوشيتيا المجاورة، التي يشكل مجتمعها نسخة مطابقة عن المجتمع الشيشاني لجهة الانتماء الديني، والعادات والتقاليد. وفي بعض الحالات كانت وزارة الدفاع الروسية ترسل "كتائب مختلطة" من الجنود الروس والشيشانيين والتتار (مسلمون سنة أيضاً) وغيرهم.
مضافة حميميم
خلف الكنسية تقع مضافة حميميم التي تتوسط حديقة تمتد على مساحة 1900 متر مربع، ويتوسطها تراس مغطى بالقرميد. يقول العقيد يفغيني لروسيا اليوم إن "هذه الساحة ترمز إلى الصداقة الروسية السورية، فيها نوافير وأرصفة للتنزه، كل شجرة هنا زرعها أحد القادة العسكريين أو ضيف شرف زار هذا المكان".
وتظهر لقطات روسيا اليوم أمام الحديقة لوحة كتب عليها أن الحديقة أنشئت باقتراح من قائد القوات الروسية في سوريا، وبأموال أيمن محرز جابر.
أيمن جابر زوج ابنة كمال الأسد ابن عم رئيس النظام بشار الأسد، وهو من الشخصيات الأكثر نفوذاً وسلطة في سوريا، والمؤسس والداعم لـ ميليشيات مغاوير البحر وصقور الصحراء الخاصة.
في أيار من العام الماضي شهد جابر، أسوأ أيام حياته بضربة "غدر" - حسب ما وصفتها وسائل الإعلام - تعرّض لها مِن قبل نظام الأسد، وهو الذي كان يدعم ويموّل عموم ميليشيات "الدفاع الوطني" التي تقاتل إلى جانب قواته، وذلك بعد مداهمة مراكزه وممتلكاته والحجز على أمواله.
وفي آب الماضي قال وسائل إعلام مقربة من النظام إن هيئة مكافحة غسل الأموال التابعة للنظام، بدأت التحقيق مع 29 رجل أعمال مقربين من النظام، كان اسم أيمن جابر إلى جانب رامي ومحمد حمشو وآخرين.
حظائر لحماية الطائرات
أظهر كاميرات المتجولين تركيب حظائر لطائرات حميميم، بهدف حمايتها من صور الأقمار الصناعية التي تحصي عددها وتحدد نوعها كل يوم.
لكن هذه الحظائر ليست جديدة فقد تم تشييدها منذ أواخر العام المنصرم، وتظهر صور أقمار صناعية حصل عليها موقع تلفزيون سوريا البدء بتركيبها في شهر تشرين الثاني 2018، واكتمال العمل في كانون الأول من نفس العام.
وأقدمت روسيا على حماية طائراتها بعد سلسلة هجمات بالطائرات المسيرة، حصلت في تموز ونيسان من العام الماضي، أما الهجوم الأخطر فقد حدث في شهر كانون الثاني من نفس العام، وأحدث ضرراً بعدد من طائرات السوخوي الروسية.