يتوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران يوم الثلاثاء في ظل تصاعد التوتر بين أنقرة وطهران بسبب أنشطة إيران الاستخباراتية داخل الأراضي التركية، إذ سيحضر أردوغان ونظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، جلسة حوار على أعلى المستويات بين البلدين، وبعدها سيلتقي أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمن ما يعرف بعملية أستانا لمناقشة الملف السوري، ويعتقد بأن أهم أولوية ضمن جدول أعمال أردوغان ستكون الحديث حول رغبة أنقرة بشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري ضد "القوات الكردية" هناك.
يذكر أن أردوغان أرجأ زيارة إيران مرات عديدة خلال العام الفائت، وهذا ما فُسر في تركيا على أنه إشارة تدل على توتر العلاقات بين البلدين.
بيد أن السلطات التركية اعتقلت خلال الشهر الماضي مجموعة يشتبه بأنها متخصصة بالاغتيالات طلبت منها الاستخبارات الإيرانية أن تستهدف السياح الإسرائيليين في تركيا.
أسباب توتر العلاقات التركية الإيرانية خلال عامين
إذ خلال الشهر الماضي، زعمت الحكومة الإسرائيلية بأن طهران تنظم محاولات لقتل سياح إسرائيليين أو اختطافهم في اسطنبول رداً على اغتيال الكولونيل حسن صياد خدائي من الحرس الثوري الإيراني.
ذكرت مصادر تركية مقربة من التحقيقات أن استهداف السياح على الأراضي التركية خط أحمر قطعاً، وأن تركيا لن تتقبل ذلك بأي شكل من الأشكال، إذ ذكر أحد المصادر التركية المطلعة على تفكير الحكومة بأن: "سلسلة الخطوات الإيرانية التي بدأت بأنشطة سرية لخطف وقتل المعارضين الإيرانيين ووصلت إلى استهداف الإسرائيليين قد أثرت بالسلب على العلاقات الثنائية، أما الثقة فلم تعد موجودة منذ زمن بكل تأكيد"، وذلك لأن التوتر بين الدولتين بقي في تصاعد مطرد منذ اغتيال أحد المعارضين الإيرانيين في تركيا عام 2019، حيث نفذت عملية الاغتيال تلك بناء على أوامر صادرة من دبلوماسيين إيرانيين.
بعد تلك الحادثة، قام عملاء لإيران باستدراج أحد المعارضين البارزين إلى إسطنبول ثم خطفه منها في تشرين الأول 2020، ما أثار حفيظة المسؤولين الأتراك الذين سعوا لتحديد أسماء المشتبه بهم وفضحهم بالاستعانة بمقاطع فيديو وتحقيقات تمت عبر جهاز الشرطة.
أتى ذلك في الوقت الذي كان فيه الجيش التركي يتصدى للحملة العسكرية التي شنها النظام في سوريا مدعوماً من قبل إيران على محافظة إدلب في عام 2020، حيث قتل هناك العشرات من الجنود الأتراك بسبب غارة جوية شنتها القوات الروسية وقوات النظام السوري.
لذلك استهدفت حملة التصدي التركية المئات من عناصر الميليشيات المدعومة إيرانياً والجماعات المرتبطة بحزب الله، إذ تقوم تلك الميليشيات باستهداف القواعد العسكرية التركية في شمالي العراق بشكل متكرر وذلك للضغط على أنقرة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، فتح المسؤولون الإيرانيون جبهة جديدة، وذلك عندما أنحوا باللائمة على تركيا بالنسبة للعواصف الرملية التي اجتاحت إيران ومناطق أخرى، حيث ذكروا أن سياسة أنقرة القائمة على بناء سدود كبيرة على نهري الفرات ودجلة هي السبب في حرمان مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من الماء، وهذا ما تسبب بكارثة بيئية.
ومن جانبهم، أعلن المسؤولون الأتراك أن ما ذكره الإيرانيون لا يعدو كونه مجرد دعاية تهدف إلى تحويل انتباه العامة وانتقاداتهم للشأن الداخلي الإيراني، وحول ذلك يعلق مسؤول تركي رفض الكشف عن اسمه بالقول: "لقد تسبب التغير المناخي وسياسات الماء لديهم بخلق وضع خطير في البلاد هناك مثل ما حدث لبحيرة أورمية، ثم إننا دونا ملاحظاتنا حول ذلك الخطاب المعادي الذي ظهر في الإعلام الإيراني وانتشر بين صفوف المسؤولين من ذوي الرتب الدنيا".
غضب بسبب حزب العمال الكردستاني
يرى حقي أويغور وهو مدير مركز الدراسات الإيرانية في إسطنبول أن الحكومة التركية أجلت زيارة أردوغان لإيران بشكل مقصود إلى ما بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي وولي العهد السعودي لأنقرة، والتقاط الصور مع كلا الشخصيتين، ويضيف: "صحيح أن هنالك توتر عظيم بين البلدين، وتلك حقيقة لا تخفى على أحد، إلا أن كلتا الدولتين بحاجة للحوار والعمل على قضايا متنوعة مع الدولة الأخرى، بدءاً من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى ملف الطاقة والإرهاب".
وذكر أويغور أنه بالرغم من التوتر، قد تعمل المحادثات الخاصة على تطوير الأمور بصورة إيجابية وذلك في حال خروج إيران بمقترحات حقيقية تفيد الوضع الأمني لتركيا في سوريا والعراق، بما أن تلك الأمور لن ترفضها حكومة أردوغان.
ذكر مصدر آخر مطلع على تفكير الحكومة التركية أن أنقرة انزعجت بشكل كبير بسبب الموقف الإيراني المستمر تجاه حزب العمال الكردستاني المصنف في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، وقال: "وعدت إيران في آخر مرتين بملاحقة حزب العمال الكردستاني، وبأن التعاون معه لن يستمر إلا لبضعة أشهر لأسباب ظاهرية، إلا أن إيران أبقت على تعاونها مع حزب العمال الكردستاني في العراق بالقرب من مناطق سنجار وسمحت بدخول عناصر حزب العمال بكل حرية إلى إيران".
وذكر ذلك المصدر أن إيران عملت على تغيير البنية الديموغرافية لمدينة حلب السورية بشكل بطيء لكنه مؤكد، وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة الموصل العراقية التي كانت معقلاً للسنة إلا أنها تدمرت منذ دحر قوات تنظيم الدولة الإسلامية منها في عام 2017.
ويضيف المصدر: "ينبغي على إيران أن تبدي ذكاء أكبر في سعيها للتقرب من تركيا، وذلك لأن أنقرة لديها بدائل، مثل إسرائيل".
يذكر أن الجيش التركي بقي يرسل تعزيزات إلى الشمال السوري خاصة إلى المناطق القريبة من مدينة تل رفعت التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب المدعومة أميركياً والتي تعتبرها تركيا فرعاً لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
وبحكم علاقات إيران الوثيقة بالمناطق ذات الغالبية الشيعية في حلب، مثل نبل والزهراء، لذا فإنها تعرف قيمة تل رفعت، ولذلك وقفت ضد فكرة سيطرة جماعات ثورية سورية مدعومة تركياً عليها.
ذكر مصدر ثان أن تركيا نقلت رسائل عديدة لإيران مفادها بأنها ليست لديها أية نية للهجوم على تلك المناطق أو السيطرة عليها ما لم تقم القوات الكردية الموجودة هناك بشن هجوم على القوات التركية.
لذا، من المحتمل أن تُطرح هذه المواضيع للنقاش بين الرئيس التركي والإيراني والروسي خلال الاجتماع الذي سيعقد يوم الثلاثاء، إلا أن مسؤولاً تركياً رفيعاً ذكر أن اجتماعات عملية أستانا ما هي إلا اجتماعات تكميلية، ولا مجال فيها لمناقشة تحديات جوهرية بين الرؤساء.
المصدر: ميدل إيست آي