كانت الفتاة البالغة من العمر 13 عاماً بعيدةً عن كرسيها المتحرك، نائمة داخل منزلها في شمال غربي سوريا، لم تستطع هي وشقيقها عبد الله الوصول إلى بر الأمان.
قالت لي: "صرخنا طلباً للمساعدة ولم يسمعنا أحد". "لقد غادر الجميع في المبنى، لكننا كنا عالقين هناك لأن مقبض الباب انكسر".
يتذكر علي محمد، والد سيدرا وعبد الله "ظننت أنني فقدت عائلتي".
"كان الرواق مليئاً بالركام، لكننا تمكنا من حمل الأطفال ووضعهم في الخارج على الألواح الشمسية التي سقطت في الشارع".
"كانوا خائفين ويبكون. غطيناهم بالبطانيات، لكن المطر كان ينهمر بغزارة".
تعرض منزل العائلة لأضرار بالغة لدرجة أنهم يعيشون الآن في خيمة.
يقول علي: "الحياة الآن صعبة للغاية. العيش في الخيام بائس، لكننا نشكر الله أننا أحياء".
يعاني كل من سيدرا وعبد الله من شلل دماغي وهشاشة عظام ويحتاجان إلى رعاية خاصة، لكن الآن لا يوجد حمام لهما ولا مطبخ ولا ماء.
يصعب على سيدرا المناورة بكرسيها المتحرك عبر الحجارة التي خلفتها المباني المنهارة، لكنها تتمتع بالمرونة.
كانت تبتسم عندما نتحدث عن حقيبتها المدرسية المغطاة بصور الأميرات والمحشوة بالكتب والموضوعة إلى جانبها على الكرسي. لكن عندما تتذكر الزلزال، كانت تتبدل تعابير وجهها وتبدأ الشعور بالخوف وتقول: "أنا خائفة من زلزال آخر".
ندوب الحرب
يعرف أطفال سوريا الصدمة بشكل حاد للغاية.
كانت البلاد تعاني بالفعل بشدة من آثار 12 عاماً من الحرب.
لقي أكثر من 7000 شخص مصرعهم في الزلزال المدمر الذي وقع في شباط، وأصبح الوضع الآن أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين نجوا.
وفقاً للأمم المتحدة، يعتمد أكثر من أربعة ملايين شخص في شمال غربي سوريا على المساعدات الإنسانية، ومعظمهم من النساء والأطفال.
في كل مكان سافرنا إليه، أخبرني الناجون من الزلزال أنهم يشعرون أنهم منسيون حيث أنهم لم يتلقوا حتى الآن المساعدة التي هم بحاجة إليها.
تضرر ما لا يقل عن 148 منطقة سكنية في شمال غربي سوريا من جراء الزلازل.
صفوف جديدة من القبور
على بعد أميال قليلة من منزل سيدرا، على جانب تل، تضرب الشمس على مكان هادئ. في الأسابيع القليلة الماضية، تضاعف حجم هذه المقبرة.
علي الشيخ حازم غنام يمشي ببطء عبر المقبرة. تم دفن نحو 61 شخصاً من أفراد عائلته هنا.
يقول حازم "كان الجميع نيام وشعرنا بقوة الزلزال". "كان الصوت عالياً جداً وكان المبنى يهتز يميناً ويساراً".
"نزلنا إلى الشارع، وانهارت عدة مبانٍ. كان الأمر أشبه بنهاية العالم، لقد أمضينا أياماً غير قادرين على استيعاب ما جرى".
كان العديد من الضحايا من الأطفال فقط، سُحقوا عندما تحطمت الطوابق العليا من مبانيهم فوقهم في أثناء نومهم.
وبينما كان حازم يتجول بين القبور، كان يشير: "هنا لدينا عادل غنام وزوجته وأطفاله ولدينا علام غنام وزوجته وأولاده. أيمن غنام وعائلته هناك وهم أبناء عمومتي".
دمر الزلزال أكثر من 10500 مبنى في شمال غربي سوريا كلياً أو جزئياً.
يأخذنا حازم لمقابلة أفراد الأسرة الذين نجوا. إحداهن، ندى، ترقد في سريرها داخل الخيمة التي تنام فيها عائلتها الآن، وحقنة في الوريد تتدلى من محلول مثبت على جدار الخيمة.
بعد أن غادر الرجال، رفعت هي ووالدتها أغطية السرير بعناية لتظهر لي إصاباتها. تم سحق حوضها ورجليها، وغرقت الضمادات الجراحية البيضاء في وركها. ولا تزال تعاني من الألم.
في المنزل المدمر الذي لا يزال قائماً بجوار الخيمة، يستلقي أطفالها على الأريكة ويريحون أرجلهم المصابة. مصطفى ومحمد يشاهدان التلفاز بهدوء.
المستشفيات ممتلئة
في بلدان أخرى، كان يجب على ندى وأطفالها البقاء في المشفى، ضمن جناح نظيف محاط بالطاقم الطبي. لكن هذا المستوى من الموارد غير متاح هنا.
تعاني المستشفيات في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة من اكتظاظ شديد منذ سنوات، ولا يوجد سوى متسع للحالات الحرجة جداً للبقاء والتعافي.
يقول حازم: "لقد عانينا بالفعل من الحرب وكل ما فعله بنا المجرم بشار الأسد". "من القصف والتهجير إلى الحصار ثم جاء هذا الزلزال وزاد من معاناتنا أكثر. كان لدينا أمل في الماضي في أن نتغلب على الظلم، لكن الآن تحول أملنا إلى ألم".
يعد الوضع في سوريا من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
في الأيام التي أعقبت الزلزال، حتى مع استعداد البلدان للاستجابة، كانت المساعدات تصل ببطء إلى سوريا.
كانت هناك حاجة ماسة للخيام والإمدادات الطبية الجديدة بالإضافة إلى معدات وفرق متخصصة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض. أولئك الذين يعيشون هنا قالوا إن تأخر وصول المعدات كانت كلفته أرواح من بقي تحت الأنقاض.
بينما نسرع على طول الطرق المتعرجة، نلاحظ مشهداً للدمار بالقرب من قمة تل. يقوم العمال بتدمير الخرسانة مما يسبب سحباً من الغبار في الهواء.
توفي نحو 300 شخص عندما انهار هذا المبنى. بعد أسابيع من الزلزال، من المستحيل تحديد ما إذا كان قد تم انتشال كل جثة هامدة من تحت الأنقاض.
هنا في سوريا، العملية بطيئة. ببساطة، لا توجد آلات ثقيلة كافية لكل بلدة وقرية لإزالة الأنقاض بسرعة.
انعدام المأوى
عبر إدلب، يندمج الدمار الناجم عن الصراع مع الدمار الذي أحدثه الزلزال.
آثار الحرب الطويلة منتشرة في كل مكان والناس صامدون. الملاجئ محلية الصنع التي انهارت خلال الزلزال تم ترميمها من جديد.
تم إنشاء سوق مزدحم على حافة حفرة واسعة حيث سقط مبنىً آخر متعدد الطوابق على الأرض وتم تنظيف مكانه.
مشترون يتفرجون على ملابس معروضة في الهواء الطلق، بينما تفرش امرأة بطانية تم انتقاؤها من حزمة موضوعة على الطريق.
عندما وقع الزلزال، ضرب هذه المناطق التي كانت تكافح بالفعل للبقاء على قيد الحياة، كان الكثير منهم يفتقرون إلى مأوىً آمن، مثل أم سليمان وعائلتها المكونة من أبنائها وأحفادها.
كان منزلهم قد دُمر بالفعل جراء غارة جوية، تم إزالة الطوابق العلوية عن بقية المبنى.
قالت أم سليمان: "منذ أن بدأت الحرب، لم يمر علينا يوم جيد، ثم حدث الزلزال وجعلنا أكثر خوفاً. وعندما كانت الطائرات تقصفنا صلينا إلى الله، ولكن الآن جاء الزلزال من عند الله".
عندما هز الزلزال هذا المنزل، أصيبوا بالرعب، وهم يعلمون أنه لا يوفر الحماية التي يحتاجونها.
انهارت المزيد من قطع البناء بينما هربت الأسرة إلى الخارج. كانوا محظوظين للبقاء على قيد الحياة. على الرغم من كل هذا، إلا أنه لا يزال المأوى الوحيد الحقيقي لديهم.
نحن خائفون من كل شيء
إنهم خائفون جداً من النوم هنا، لكن خلال النهار ما زالوا يستخدمون هذا المكان للطبخ والاجتماع. يكشف سحب الستارة التي تفصل المدخل عن الخارج عن طفل صغير ينام بهدوء عند أسفل الجدران المتصدعة.
الأسرة لطيفة ومضيافة، تحاول إخفاء حقيقة وضعها المعيشي السيئ، لكنها تدرك بشكل مؤلم أنه من الخطر على أي منا أن يكون داخل المبنى غير المستقر.
أي أفكار لإعادة الإعمار ما زالت بعيدة. في تركيا المجاورة، أصبح برنامج إعادة الإعمار الطموح حملة ما قبل الانتخابات.
على الرغم من ذلك، في سوريا، في الوقت الحالي، فإن إزالة حطام المباني المنهارة هو أفضل ما يمكن لمعظم الناس فعله. سيحتاج إنشاء مبانٍ جديدة مواد أولية غير موجودة في المنطقة.
في منزل أم سليمان يلعب الأطفال بحذر. يحاولون تجنب الجدران المتصدعة وسط خوف مستمر تراه في عيون الكبار.
"نحن خائفون من كل شيء، ولكن إلى أين نذهب"، تسألني، ممسكة بيدي.
"لقد أقمنا خيمة في الخارج، وعندما تسوء الأمور هنا سننتقل إليها. الأطفال يبكون دائماً وصراخهم في كل مكان. ماذا يمكننا أن نفعل؟ ندعو الله أن لا يحدث هذا أبداً لأي شخص آخر".
المصدر: BBC