تعتبر زراعة التبغ واحدة من الزراعات القديمة جداً في الساحل السوري التي تعود إلى مئات السنين، وتشكل حالياً محصولاً استراتيجياً رئيسياً يعتمد عليه أهالي المنطقة كمصدر أساسي للدخل، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتحديد حكومة النظام لأسعار أقل من القيمة السوقية حرم مزارعي هذا المحصول من تحقيق الأرباح التي تحقق اكتفاء ذاتيا لهم في ظل انشغالهم طوال الموسم بهذا العمل.
وتعتمد زراعة التبغ التي تنتشر في قرى الساحل السوري المرتفعة على العمل اليدوي الجماعي في معظم مراحلها، وتمتدّ زراعتها والعناية بها لأشهر طويلة، تبدأ بتجهيز المشاتل (المساكب)، خلال شهري كانون الثاني وشباط ثم رش البذار وتغطيتها بالنايلون المدعّم بالأغصان المرنة لحمايتها من الأمطار الغزيرة ثم سقايتها ورعايتها بالأسمدة ووضعها نهاية على مناشر وتجفيفها وبيع أوراقها في فصل الصيف.
تراجع كمية وإنتاج التبغ في الساحل السوري
والعام الحالي اشتكى مزارعو التبغ من تراجع كمية ونوعية الإنتاج، بسبب الظروف الجوية القاسية التي شهدها الموسم في العام الجاري من جهة، وارتفاع كلفة مستلزمات الإنتاج من جهة أخرى، الأمر الذي سبب خسائر جمة لمزارعي التبغ، في حين أثارت الأسعار التي طرحتها حكومة النظام للشراء غضب معظم العاملين في هذه المهنة معتبرين أنها غير مناسبة.
ونهاية شهر أيار الفائت حددت حكومة النظام تسعيرة شراء الكيلوغرام الواحد من التبغ بحسب أصنافه، حيث بلغ سعر صنف "تنباك" خمسة آلاف ليرة سورية، و"برلي" 4800 ليرة، و"فرجينيا" 5500 ليرة.
في حين حددت تسعيرة الكيلوغرام الواحد من صنف "بصما" 7500 ليرة، بينما تم تحديد تسعيرة كل من أصناف "بريليب" و"شك البنت" و"كاتريني" بـ 6500 ليرة.
وحول هذه الأسعار قال أبو إبراهيم من ريف مدينة بانياس التابعة لطرطوس في حديث لموقع تلفزيون سوريا إن محصول التبغ يشكل مصدر الدخل الوحيد له ولعائلته التي تساعده طوال العام مضيفا أن الأسعار المطروحة لا تتناسب أبدا مع تكاليف الزراعة التي ارتفعت إلى أكثر من الضعف.
وأردف: "مديرية الزراعة تقيد الفلاحين برخصة دونمين فقط للدخان في حين نشتري كيس السماد بسعر 8500 ليرة وحراثة دونم واحد فقط باتت تكلف 30 ألف ليرة سورية هذا عدا مصاريف المحروقات طوال العام".
مشكلة أسعار التبغ تتكرر سنوياً
ورأى أبو إبراهيم أن الأسعار ليست عادلة للفلاح أبدا وكل عام تتكرر المأساة نفسها حيث تتلاعب لجان التخمين بالأصناف لصالح مؤسسة الريجة وتسجل الأصناف دون الأسعار المحددة".
وختم بالقول: "اليوم سعر باكيت الدخان الواحدة من الحمراء يتجاوز 2200 ليرة هل يعقل أن سعر باكيتين مثلا يعادل كيلو دخان؟".
وفي تشرين الثاني من العام الماضي كشف المدير العام لـ"المؤسسة العامة للتبغ" محسن عبيدو، أن المؤسسة أنتجت لغاية الشهر الماضي 6063 طناً من التبغ بمبيعات وصلت إلى 151 مليار ليرة، مقدراً الأرباح المحققة خلال هذه الفترة بنحو 18 مليار ليرة.
بدوره كشف الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية أبو يوسف جبلاوي عن خسائر كبيرة تعرض لها مزارعو التبغ في الساحل هذا العام نتيجة العواصف والأمطار، مشيرا إلى أن معظم زراعات هذا العام لم تنج من العواصف المتتالية التي خربت معظم المحاصيل.
وأكد جبلاوي أنه على خلاف ما يتم إعلانه من مساعدات للفلاحين فإن معظم مزارعي البيوت البلاستيكية لم يتلقوا أي تعويضات مادية تخفف من خسائرهم الكبيرة التي تجاوزت ملايين الليرات في حين نشاهد أسعار المنتجات سواء البرتقال أو حتى التبغ يباع بأسعار لا تتلائم أبدا مع الأوضاع المعيشية الراهنة.
وختم كلامه بالقول: "في أحسن الأحوال يعطون للفلاح الذي زرع أرضه من التبغ طوال 9 أشهر 6500 ليرة للكيلو علما أن إنتاج الدونم الواحد لا يجاوز بأحسن الأحوال 50 كيلو وبحساب بسيط فإن مردود الفلاح لن يتجاوز 325 ألفا هذا من دون حساب التكاليف التي وضعها فهل يكفي مدخول دونمين (650 ألفا) معيشة الفلاح لعام كامل؟.
استغلال حكومة النظام السوري لمزارعي التبغ
من جانبه قال خالد وهو مهندس زراعي في اللاذقية لموقع "تلفزيون سوريا" إن حكومة النظام تتعامل مع الفلاح بطريقة دونية وتستغله من خلال إلزامه ببيع المنتج لها مقابل الترخيص، موضحا أن مقارنة الأسعار المطروحة حاليا بما قبل 2011 يؤكد أن الفلاح لا يتقاضى قيمة أكثر من النصف عما كانت تشتريه منه الحكومة في ذلك الوقت.
وأكد في الوقت ذاته أن زراعة التبغ من أصعب أنواع الزراعات وتحتاج إلى عمل شاق وطويل وعناية وتعمل به معظم أفراد العائلة، موضحا أن التبغ في اللاذقية يعتبر من أجود الأصناف ويباع بأسعار مرتفعة جدا في حال تصديره لا سيما صنف كاتريني المطلوب بكثرة.
وحول أسباب عدم قدرة المزارعين على بيع منتجهم إلا لحكومة النظام أوضح المهندس المقيم في اللاذقية أن مديرية الزراعة تربط منح الترخيص للزراعة بتسليم المنتج ولذا فإن المزارع مجبر على تسليم كامل المحصول، كما أن شراء الغراس والأسمدة يتم غالبا عبر قروض زراعية يتم تحصيلها من الموسم.
وبحسب دراسة أجرتها جامعة تشرين الحكومية العام 2011 تبلغ نسبة المساحات المزروعة بالتبغ في الساحل السوري 63% من إجمالي المساحات المزروعة من هذا الصنف في سوريا، في حين يبلغ عدد المزارعين وفق تقديرات مؤسسة التبغ نحو 60 ألف مزارع، وتعيش 90 ألف أسرة على محصول التبغ.