بعد خمس سنوات من سيطرة روسيا ونظام الأسد على مدينة تدمر وسط البادية السورية، قدمت موسكو نموذجاً ثلاثيَ الأبعاد عن دمار المدينة التي سلمها النظام لتنظيم الدولة وتسلمها منه مرتين.
وسيطر التنظيم على تدمر، في أيار من عام 2015، لتستعيد السيطرة عليها قوات النظام في آذار من العام التالي، ولكن التنظيم دخل إلى المدينة مجدداً في كانون الأول من 2016، لتستعيدها قوات النظام في آذار من عام 2017.
ويظهر النموذج الذي وصفه الإعلام الروسي بـ "الإنجاز والهدية" صوراً للمنطقة الأثرية في تدمر وتشمل المسرح ومعبد بل اللذين دمرهما تنظيم الدولة في 2015.
#سوريا | استكمل العلماء في #روسيا مشروع إنشاء النموذج الرقمي "3D" الأكثر دقة وتفصيلاً في العالم لمدينة #تدمر الأثرية 🏛️ وذلك للحفاظ على الموقع التاريخي وتسهيل إعادة إعماره. كما تم نقل النموذج إلى دائرة الآثار والمتاحف السورية.
— Russian Embassy, Syria (@RusEmbSyria) August 22, 2020
للاطلاع على الأنموذج ⬅️ https://t.co/jcIQU8uTLu pic.twitter.com/7BN8tLVx7p
وتأتي "المفاجئة" الروسية بعد أيام من إعلان جامعة كاليفورنيا، إنهاءها نموذجاً ثلاثي الأبعاد، لمعبد بل المدمر، لكن الفرق بين الإنجازين أن نموذج الجامعة الأميركية يظهر المعبد قبل تدميره بينما يظهر النموذج الروسي الآثار بعد تدميرها.
روسيا تأمل إعادة ترميم آثار تدمر بأموال غربية
وتسعى روسيا من هذه الخطوة للفت نظر العالم إلى دمار تدمر بهدف جلب تمويل إعادة الترميم، بحسب تصريحات مسؤوليها، وذلك بعد توقيعها اتفاقيات مع النظام لإثبات وصايتها على آثار تدمر.
وتقول ناتاليا سولوفيوفا نائبة مدير متحف الإرميتاج لشبكة "روسيا اليوم" إن النموذج "يتيح فرصة تقييم أماكن التنقيب الجديدة، ودراسة تخطيط المنطقة وتكاليف إعادة الإعمار دون التوجه إلى المدنية نفسها". ويعتبر تصريح "سولوفيوفا" رسالة للبعثات الأوروبية التي ترفض زيارة المنطقة لأسباب أمنية.
في نيسان 2016 قال ميخائيل بيوتروفسكي، المدير العام لمتحف الإرميتاج إنه سلم فلاديمير بوتين مقترحات بشأن إعادة إعمار تدمر، وأكد أنه عرض على (اليونيسكو) انضمام روسيا إلى الحملة الدولية لإعادة ترميم المدينة التاريخية.
ومنذ التاريخ المذكور لم يتم إنجاز أي ترميم في آثار تدمر سوى ما قام به البولندي بارتوش ماركوفسكي عام 2017 من إعادة ترميم تمثال "أسد اللات" والذي استغرق شهرين، ضمن مشروع "الصون العاجل للتراث الثقافي السوري"، الممول من الاتحاد الأوروبي واليونيسكو.
ويؤكد ما سابق الصحفي المختص بالتراث الثقافي عمر البنية ويقول "حالياً لا توجد أي أعمال ترميم في تدمر.. فقط محاولات من روسيا والنظام لجلب أكبر اعتراف ودعم من اليونيسكو".
وأشار خلال حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا أن روسيا "تكذب ولا تمتلك خبرة بترميم الآثار وهي تعمل على وضع يدها على مدينة تدمر من بوابة الآثار وإعادة الإعمار. وسرقة أموال اليونيسكو من هذا الباب، وأيضاً فتح استثمارات جديدة في المدينة، وكلنا شاهدَ قبل شهرين حريق الواحة القديمة المقابلة للمنطقة الأثرية وصمت الروس حيال الحادثة".
وأضاف عمر "مجمل البعثات التي كانت عاملة في سوريا هي ألمانية وفرنسية بالنسبة الأكبر وبعض البعثات اليابانية والبلجيكية والأميركية، أما روسيا فلم يوجد لها إلا بعثة واحدة تعمل بشكل متقطع في موقع تل خزنه في الحسكة ولم نشاهد لها أي منشورات علمية".
توصيات منظمة اليونيسكو حول تدمر
منتصف تموز الماضي نشرت اليونيسكو توصيات "الاجتماع الفني" حول إعادة ترميم آثار تدمر، والذي ضم 34 خبيراً دولياً من فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبولندا وسيرلانكا، وحكومة نظام الأسد، وسويسرا وروسيا والمملكة المتحدة.
وطالب الخبراء بإجراء "الحد الأدنى" من أعمال الترميم الإسعافية، وربط الترميم الشامل بـ "تحسن الوضع الأمني"، بهدف إجراء دراسات مفصلة وعمل ميداني مكثف.
كم أوصوا بتنفيذ تدخلات طارئة في معالم محددة مثل القلعة ومعبد بعل وقوس النصر، وأكدوا على عدم القيام بأعمال إعادة إعمار في المرحلة الحالية، إلا بعد إجراء تقييم مفصل للأضرار التي لحقت بالمباني الأثرية.
واللافت تركيز ورقة التوصيات على ضرورة عودة المجتمع المحلي، واعتبارها ضرورية للتخطيط المستقبلي المتعلق بإعادة الترميم، في إشارة إلى تهجير سكان تدمر إثر العمليات العسكرية للنظام وتنظيم الدولة.
نموذج جامعة كاليفورنيا عن معبد بل
دون زيارة المنطقة استطاعت "مكتبة جامعة كاليفورنيا" في سان دييغو إعادة بناء معبد بيل رقمياً؛ بواسطة مختبر الوسائط الرقمية (DML) التابع لها، واستخدامت أحدث أساليب الرسم ثلاثية الأبعاد وتطبيقات الذكاء الصناعي لدمج أكثر من ثلاثة آلاف صورة للموقع.
ودُمر معبد بل في عام 2015 بعد أن فجره تنظيم الدولة، وهو أهم معبد في الشرق الأوسط بأكمله (إلى جانب بعلبك في لبنان) وكان بمثابة أحد أفضل الأمثلة المحفوظة للفن والعمارة القديمة، وجذب أكثر من 150 ألف سائح سنوياً، بحسب الجامعة.
تدمر "استديو" تصوير للقوات الروسية
خلال 5 سنوات من سيطرة النظام وروسيا على تدمر لم تكن المدنية إلا مادة دعائية لموسكو التي استغلت شهرتها العالمية، لترويج نصرها على تنظيم الدولة.
وأصبحت المعالم الأثرية المتبقية خلال الأعوام الماضية، مزاراً للقوات الروسية التي تظهر من حين لآخر بمجموعة صور ملتقطة فوق أحجارها.