تعدّ رواية "مقهى الياسمين" الصادرة عن دار "فضاءات للنشر والتوزيع" في العاصمة الأردنية عمان، باكورة أعمال الكاتب السوري "مناف السيد"، روى من خلالها حالة الوضع العام في سوريا من خلال "المقهى/ البلد" ضمن أسلوب رمزي في الشكل وفاضح في المضمون.
الطابع السياسي المحض والهادف هو الغالب على سردية الرواية التي اعتمد فيها الكاتب على الرشاقة والتلقائية، والعبارات المباشرة في إظهار صور الغضب والحزن والمرارة والانكسار، بالإضافة إلى استخدامه لنمط الكوميديا السوداء عبر توصيفه الواقع المتردّي مستخدماً عبارات السخرية والاستهزاء.
بذور الفكرة
"اعتقلت 3 مرات، واستغرق الاعتقال الأخير نحو 5 أشهر وكان الأشدّ عذاباً مقارنة بالاعتقالين السابقين" يقول مناف السيد في حديث لموقع تلفزيون سوريا.
ويتابع: "بعد خلاصي من ذلك الاعتقال، مطلع عام 2012، جلست مع بعض الأصدقاء داخل مقهى معروف لدى جميع أبناء دير الزور، وهو مقهى (السرايا)، الأقدم في المدينة والمطلّ على نهر الفرات، ودار حديث بيننا حول الحراك والثورة ومستقبل البلد. أحد الجالسين معنا كان له رأي خاص عبّر عنه بالقول: يا شباب، يبدو أن صاحبنا (يقصد رئيس النظام) مو ناوي ينقلع.. لذلك خلونا نقعد ونسكت وكافينا مرمطة وملاحقات واعتقالات".
من هذا الموقف بدأت تتفتق فكرة الرواية في ذهن الكاتب الذي ردّ على صديقه بالقول: "لنفترض أن شخصاً ما دخل المقهى وراح يوجّه صفعاته على وجه كل واحد منّا دون أن نرد، ونبقى متحمّلين تلك الصفعات بصورة يومية حتى نعتاد عليها".
واستطرد: "ولنفترض أيضاً أن أحد الشباب الجالسين هنا دبّت في نفسه النخوة والكرامة ورفض أن يصفعه ذلك الشخص، وبدل أن يتحمّل الصفعة ويسكت راح الأخير يدعس على صاحب النخوة ويمسح به أرض المقهى، أما نحن فسننظر شامتين نحو الشاب لنقول له: لماذا لم تقبل الصفعة مثلنا وتسكت يا غبي؟".
من خلال ذلك الحوار، كان قرار الكاتب أن يقاوم الصفعة رغم كل ما قد يتعرّض له، ومن هنا أيضاً كانت فكرة "مقهى الياسمين"، يقول السيد.
أجواء الرواية
متأثراً بروايات جورج أورويل، وخصوصاً روايتي "مزرعة الحيوان" و"1984"، شبّه مناف السيد المقهى/ البلد بـ "مزرعة الحيوان" لدى أورويل التي يديرها "الأخ الأكبر" بحسب الشخصية المحورية في روايته التالية "1984".
ورث الأخ الأكبر (بشار الأسد) المقهى، بصورة غير شرعية عن والده (حافظ الأسد) الذي استولى عليها هو الآخر بصورة غير شرعية من صاحبها الأساسي عبر عملية مخططة (الحركة التصحيحية)
ورث الأخ الأكبر (بشار الأسد) المقهى، بصورة غير شرعية عن والده (حافظ الأسد) الذي استولى عليها هو الآخر بصورة غير شرعية من صاحبها الأساسي عبر عملية مخططة (الحركة التصحيحية)، وخلال مرحلة استيلاء الأب، تمت عملية تغيير قوانين ونظام المقهى كي يتسلّمها لاحقاً ابنه (الأخ الأكبر).
وبالرغم من اعتماد الكاتب على الرمزية في أسلوبه الروائي، إلا أن الشخصيات تكاد أن تكون مفضوحة وواضحة بالنسبة للقارئ السوري، وكذلك بالنسبة للقارئ العربي الملمّ بتاريخ سوريا وأحداثها خلال العقود الخمسة الأخيرة.
شخصيتان رئيستان تلعبان دور البطولة في الرواية، الأولى تمثل الجانب السلبي الشرير، والثانية تمثّل الإيجابي والخيّر من خلال شاب (محمود) يتمرد على قوانين المقهى ونظامها وعمّالها الذين يعتمدون على إذلال المواطنين ورواد المقهى وبث الفتنة بينهم ونقل ما يقولونه لإدارتها (كتابة التقارير).
أما الشخصية الثانية، السلبية، فيمثلها شاب (شاكر) وصل إلى الجامعة بعد مشاركته بدورة "قفز مظلّي" حيث إن درجاته في شهادة (البكالوريا) لم تمكنه من دخول الجامعة. بعد ذلك أصبح مُخبراً، ثم ترقى داخل الجهاز الأمني والحزبي شيئاً فشيئاً إلى أن نال "دكتوراه فخرية"!
تهبّ رياح الربيع العربي على مقهى الياسمين قادمة من المقاهي المجاورة، فيكون (محمود) أحد ثوار المقهى بينما يستمر (شاكر) في عمله الـ "تشبيحي". وتتقاطع الشخصيتان حين يتقدم محمود لخطبة ابنة شاكر، لتأخذ الرواية بعداً آخر.
المسار السردي
أسهب الكاتب في الحوارات البينية خلال سرديته للأحداث، وسلط الضوء، من خلال المقهى (البلد) وإدارته (النظام)، على معظم ما شهدته وتشهده سوريا في ظل حكم الأسد؛ حيث نرى مديرها وصاحبها (رئيس النظام) والمحيطين به من معاونين وشركاء وأصهار (آصف شوكت) وشيوخ الدين الفاسدين، بالإضافة إلى آليات إدارة المقهى من خلال الغرف المظلمة وصناديق اقتراع مخصصة لنجاح الرئيس بمساعدة شيخ الدين وزمرة من القتلة والفاسدين.
ونجد في المقهى أيضاً سماسرة ووسطاء ووكلاء يحيكون المؤامرات والدسائس، ويبرمون اتفاقات لمصلحة مديرها/ الرئيس أولاً، ليحصلوا بالمقابل على الفتات. ولأن المقهى بات يمثّل صورة مصغرة عن الوطن الذي يعاني من الخراب نتيجة غياب الحس بالمسؤولية وتفشي الظلم والاستبداد وانتشار الفقر والجهل، اجتاحته حمى الربيع العربي بصورة سلمية في بداية الأمر ثم تحوّلت إلى العسكرة، وكادت أن تسقط سلطة المقهى لولا تدخّل أطراف من خارجها.
تقع الرواية في 242 صفحة مقسّمة على 31 فصلاً، بدأها الكاتب مناف السيد بـ: "وقـــــــوف.. صاح العامل!" وختمها بعبارة: "الشعب يريد إسقاط المدير".