أصدرت المديرية العامة للشؤون الإدارية، في رئاسة الجمهورية التركية، في 25 من تشرين الثاني الماضي، قرارا يقضي بزيادة أجور العاملين في القطاع العام في مناطق العمليات التركية في سوريا، ضمن منطقتي (درع الفرات) و(غصن الزيتون) بريفي حلب الشمالي والشرقي، ومنطقة (نبع السلام) في ريفي محافظتي الحسكة والرقة شمال شرقي سوريا.
وتداول ناشطون القرار المرسل إلى الولايات التركية التي تشرف على إدارة مناطق الجيش الوطني السوري، والجيش التركي، للعمل بمضمونه، الخميس 30 تشرين الثاني، بعد خمسة أيام من تاريخ صدوره، والذي ينص على زيادة أجور الموظفين والعاملين في القطاع العام بنسبة 75%.
موقع "تلفزيون سوريا" حصل على نسخة من القرار الذي جاء فيه: "من أجل مكافحة التنظيمات الإرهابية في سوريا وتقليل مخاطر الإرهاب وضغط الهجرة من سوريا إلى بلادنا، ولتطبيع الحياة في المناطق التي تم تطهيرها من الإرهابيين، تم اتخاذ هذه التعليمات، بالتنسيق مع رئاسة الشؤون الإدارية، والمديرية العامة للشؤون الأمنية".
وأوضح القرار، الممهور بتوقيع رئيس الشؤون الإدارية في الرئاسة التركية، متين كيراتلي، على أنه اعتباراً من 15 تشرين الثاني 2022، يحصل الموظفون المحليون الذين يحملون الألقاب الوظيفية في القائمة المرفقة والعاملون في نطاق تطبيع الحياة وتقديم الخدمات العامة الأساسية في مجالات عملية (درع الفرات) وعملية (غصن الزيتون) وعملية (نبع السلام)، على الرسوم المحدثة.
زيادة الأجور الشهرية للعاملين في القطاع العام بنسبة 75%
رفعت المديرية العامة للشؤون الإدارية في رئاسة الجمهورية التركية، الأجور الشهرية للعاملين في القطاع العام في مدن الباب وأخترين والراعي وجرابلس وصوران ومارع واعزاز وعفرين في ريف حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض شمالي الرقة، ورأس العين في ريف الحسكة، بنسبة تصل إلى 75% من الرواتب التي كان يحصل عليها الموظفون، بعد زيادة الرواتب الأخيرة خلال كانون الثاني الماضي، بنسبة تتراوح بين 40 و50% لمختلف القطاعات.
ومن المفترض أن يحصل الموظفون على قائمة الأجور الشهرية المحدثة، في 15 كانون الأول الحالي، وفق سلم الرواتب المرفق، حيث يحصل رئيس المجلس المحلي على مرتب يصل إلى 4900 ليرة تركية، بينما يحصل أعضاء المجلس على 3240 ليرة تركية.
أما العاملون في القطاع التعليمي، فيحصل مدير المدرسة على 2100 ليرة تركية، ومساعد المدير على 2015 ليرة تركية ومعلم مدرسة على 1925 ليرة تركية، أما قطاع الشؤون الدينية فيحصل المفتي على 2450 ليرة تركية، ونائب المفتي على 2015 ليرة تركية، والإمام والخطيب يحصل على 1750 ليرة تركية، ومدير مركز حلقات القرآن 2100 ليرة تركية، ونائب المدير 2015 ومدرس القرآن 1750 ليرة تركية، والمستخدمون 1225 ليرة تركية.
وبخصوص العاملين في القطاع الصحي، فيحصل الطبيب المختص على 8575 ليرة تركية والطبيب العام وطبيب الأسنان على 6125 ليرة تركية، والصيدلاني على 4200 ليرة تركية والمساعد الصحي 2275، والممرض 1925 ليرة تركية، ويحصل النائب العام أو القاضي، على 4900 ليرة تركية وكاتب المحكمة على 2715 ليرة تركية، وعنصر الأمن في قوات الشرطة والأمن العام على 2015 ليرة تركية.
هل تشمل الزيادة عناصر الجيش الوطني؟
في المقابل، غاب توصيف عناصر الجيش الوطني السوري، عن قائمة الرواتب المحدثة من قبل المديرية العامة للشؤون الإدارية في الرئاسة التركية، بمعنى أن عناصر الوطني غير مشمولين بالقرار الإداري بشكل مباشر، ومخصصة للقطاعات الخدمية في المنطقة، رغم تدني منحة عناصر الوطني التي تبلغ 600 ليرة تركية ما يعادل 32 دولارا أميركيا، ولا يحصل عليها العنصر كل شهر.
مصدر خاص من الجيش الوطني كشف لموقع "تلفزيون سوريا": "أن القائمة لا تنص على زيادة واضحة لعناصر الجيش الوطني، لكن هناك دلائل أخرى تؤكد أن الزيادة تشملهم، لكن بشكل غير مباشر، لا سيما قرار الجيش الوطني في توزيع الرواتب باليد لعناصره خلال الفترة القادمة، ما يعني أن هناك زيادة على الرواتب دون وضوح نسبة الزيادة، وفي حال وجودها يجب اتخاذ العديد من الإجراءات الإدارية والتنظيمية في هيكلة الجيش الوطني وإصدار بطاقات PTT للمقاتلين".
وكان وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة اجتمع مع قيادة الفيالق في الجيش الوطني السوري الجمعة 2 كانون الأول، في مقر وزارة الدفاع في مدينة اعزاز شمالي حلب، وتحدث عن جملة من الخطوات الإصلاحية الضرورية التي يجب اتخاذها ومنها توحيد الموارد والعائدات الاقتصادية، من أجل العمل على تحسين الحالة المعيشية للمقاتلين من خلال العمل على رفع قيمة المنحة الشهرية.
هل زيادة رواتب العاملين في القطاع العام كافية؟
شهد ريفا حلب الشمالي والشرقي احتجاجات للعاملين في القطاعين التعليمي والصحي خلال شهري آب وأيلول الماضيين، بسبب تدني الأجور الشهرية التي يحصلون عليها لقاء عملهم الوظيفي، ذلك رغم الزيادة الأخيرة مطلع العام الحالي، إلا أن انخفاض قيمة الليرة التركية إلى 18.60 للدولار الواحد ساهم في تدني قيمة الأجور الشهرية وعودتها إلى ما كانت عليه قبل الزيادة.
ويرى أسامة محمد، المدرس في بلدة إرشاف بريف حلب الشمالي، أن الزيادة غير مجزية ودون الآمال المرجوة، والزيادة الحقيقية يجب أن تصل بالمعلم إلى حد الكفاف فقط، لا أن يصل الموظف آخر الشهر والمنحة التي يأخذها بداية الشهر لا تكفي سداد ديونه للبقال والسمان والخباز وبائع الغاز والمحروقات.
وقال محمد في حديث لموقع "تلفزيون سوريا": "إن الزيادة عبارة عن فرق تصريف الليرة التركية أمام الدولار، وليست زيادة للأجور وهي أقل من أول منحة حصل عليها المعلمون خلال العام 2017، كانت 500 ليرة تركية، تساوي 145 دولارا، وبقيمة شرائية جيدة أما الآن فهذا المبلغ لا يغطي شراء ذات السلع بسبب ارتفاع الأسعار".
وأردف "أنه وكل المعلمين يضطرون إلى البحث عن أعمال أخرى لأن المنحة حتى بعد الزيادة لن تكفي مدة أسبوعين كحد أقصى، لأن المعلم في الواقع لا يزال تحت خط الفقر وبذلك يجب أن تكون الزيادة على أقل تقدير 300 دولار، لتصل بالمعلم حد الكفاف".
ولا يختلف واقع العاملين في القطاع التعليمي عن واقع القطاعات الخدمية والأمنية، فالجميع يواجه تحديات كبيرة في تأمين تكاليف المعيشة، ومن بينهم الشاب رامي المحمود، من مدينة مارع، ويعمل شرطياً في مدينة أخترين بريف حلب الشمالي، ويحصل على 1150 ليرة تركية وتساوي 60 دولارا بشكل شهري من مراكز الـ ptt، لكن هذا المبلغ الذي يتقاضاه لا يغطي تكاليف سفره اليومي إلى العمل، واحتياجات أسرته لمدة أسبوع واحد على الأقل.
وقال المحمود لموقع "تلفزيون سوريا": "إن زيادة الراتب بنسبة 75% جيدة إلى حد ما وأفضل من المرتب السابق، لكنها في الحقيقة لا تغطي جزءاً من المصاريف والأعباء اليومية التي أتحملها لإعالة أسرتي في ظل الظروف الحالية، حيث وصل راتبي إلى 2015 ليرة تركية ما يعادل 108 دولارات".
ما انعكاس ذلك على الواقع المعيشي؟
في الوقت ذاته، ألقى التضخم المتصاعد في تركيا آثاره بشكل مباشر على الشمال السوري لا سيما في تراجع القيمة الحقيقية لمستوى الدخل السائد، وحتى بعد الزيادة الأخيرة على الأجور ما زالت غالبيتها دون الحد الأدنى اللازم لمعيشة الأسرة، وفيما يتعلق بتحديد الحد الأدنى من الأجور لتحقيق كفاية الأسرة، فهذا الأمر دونه عقبات، منها التغير المستمر في الأسعار، وفي قيمة الليرة التركية، ومعدل التضخم، بحسب ما أوضح الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.
وأوضح الباحث السوري في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا": "أن كلفة المعيشة للأسرة بحسب مؤشر قاسيون في مناطق النظام الذي يمكن إسقاطه على الشمال السوري، وقد لا يكون دقيقاً بالمطلق، ولكنه يعطي تصورا نسبيا لمستوى الكلفة، حيث تصل كلفة الحد الأدنى لمعيشة الأسرة المكونة من 5 أفراد شهرياً، نحو 2.25 مليون ليرة سورية، ما يعادل 7.3 آلاف ليرة تركية".
وأضاف: "أنه في الواقع يوجد فرق كبير نسبياً بين الحد الأدنى لكلفة معيشة الأسرة وبين مستوى الأجور السائدة بعد زيادة الأجور الأخيرة، فأجور المعلمين لا تغطي إلا 35% من تكاليف المعيشة".
في المحصلة، ترى نسبة كبيرة من العاملين في القطاع العام أن الزيادة غير مجزية وغير كافية لا سيما أنها لا تغطي أيام معدودة من الشهر، لكنها في الوقت ذاته تعوض عليهم جزءا من المستحقات المالية المتراكمة عليهم، ما يعني أن انعكاسها على الواقع المعيشي سيكون محدوداً في ظل الظروف المعيشية السيئة التي يرزح تحتها معظم سكان الشمال السوري.